شرعية التعيين
وواضح أن مثل هذه الأوامر الصادرة من الرسول إلى تيطس لا تجيز لناس زماننا أن يعينوا شيوخاً الآن. فإن تعيينهم هذا مجرد ادعائهم فاسد، إذ أن صحة التعيين تتوقف على سلطة شرعية. فتيطس كان موصى من قبل الرسول، واستطاع أن يبرز رسالة مفوضاً بها، واكنت في تلك الرسالة التعاليم اللازمة له شخصياً. فمن ذا الذي يقدر أن يبرر لنا رسالة مثل هذه في زماننا الحاضر؟ قد يستند النظاميون إلى القول. يجب أن يكون هكذا، ولكنه أساس واه باطل في نظر من يحترم السلطة الشرعية. من السهل أن نسوي المسائل بهذا القول الباطل، يجب أن يكون هكذا، ولكن الذي يعوزنا أيها القارئ العزيز هو ما تقوله كلمة الله، فهل تؤمن أن تلك الكلمة كاملة ولا نقص؟ وهل ترتاب في أن الرب الذي يحرص على ترتيبه الخاص في الكنيسة سبق فرأى حاجة الكنيسة والصعوبات التي ستعترضها فأعد لذلك عدة؟ هل تظن أنه نسي شيئاً مما يهمنا؟ هل لم يعمل حساباً لموت الرسل؟ كلا إنه لم ينس شيئاً من ذلك كله. فقد أوحى لبولس أن يخبرنا بكل صراحة عن موته، كما أوحى لغيره من الرسل فيما يختص بهم. وقد ألهمه (أي بولس) أن يكتب لنا عن الأزمنة الصعبة التي ستأتي علينا، وعن أهمية الكتاب المقدس بعد موته. ومع ذلك فلم يذكر لنا أية فكرة عن سلسلة من الخلفاء في تعيين الشيوخ، ولا كلمة واحدة عن توصيته لهم بعد موته بما كان مخولاً له من سلطان في هذا الشأن. إذن أفليس لصمت الوحى عن هذه النقطة من معنى أيها المستودعون لله ولكلمة نعمته، والمرتعدون من كلامه؟ أما أنا فإنني أرى في هذا الصمت حقيقة ليست فقط مدهشة لأول وهلة بل هي مفعمة بالمعاني الجليلة كلما ازداد تقديرنا لها وتأملنا فيها. على أن مذهب الباباويين، إذ رفض أصحابه هذه الحقيقة، يفترض عكسها بناء على تعليلات العقل البشري، ويقوم على هذا التعليل الفاسد. ولست أعني بأن أنقد نظاماً معيناً بالاسم لغرض تفنيده، بل لأظهر الحق الذي يرينا مشيئة الرب ويبرهن على الشر بواسطة ما فيه من خير وفي الواقع نرى أن كل نظام أرضي، مهما بلغ من معاكسة كلمة الله درجة عظيمة فيما بعد تأسيسه، يبدأ خطواته الأولى بإضافة شيء من عندياته على كلمة الله فالكتاب المقدس يخبرنا أن الرسامة كانت أمراً مختصاً لا بالأساقفة بل بالرسل ونوابهم هذا ما يخبرنا به الكتاب. على أن اللحظة التي يُسمَح بها للناس بإدخال مبدأ التدرج والتقد بعد كتابة الوحي. والتي فيها تضع ثوباً من السلطان الرسولي على طبقة من الموظفين لم يعينوا قط بسلطة إلهية للعمل الذي يقومون به. هي اللحظة التي تكون قد انحرفت فيها عن أساس الإيمان وعن الخضوع لكلمة الله إذن فما يدعيه الناس من شرعية الرسامة لا أساس له مطلقاً في الكتاب المقدس. نستطيع أن نذهب إلى أبعد من ذلك ونؤكد أن رسامة الأشخاص قبل ممارستهم التبشير والتعليم بالمسيح، الأمر الذي كثر حوله لغط الناس وكلامهم في هذه الأيام، ليس فقط شيئاً يحسن الناس ألا يشتهوه في الشكل الموجود بينهم الآن، بل هو أيضاً قد أصبح نظاماً فوضوياً، وإهانة محزنة لاسم ربنا كلمة الله، ولكنه تقليد محزن، ولو أنك تأملته بكل تدقيق لما وجدت أي تشابه بينه وبين ما نقرأه في الكتاب بخصوص هذا الموضوع. على أن كلمة الله تبقى إلى الأبد صادقة وأمينة وسهلة، وهي تخبرنا أنه مرة كان التعيين فيها مخولاً لنائب رسولي، بيده وصية شخصية مؤكدة، وكان مؤهلاً بسلطة رسولية خاصة. فإن كنت ممن يدعون بشرعية وجواز تعيين الشيوخ في هذا الزمان المظلم، فعليك أن تبرز لنا مثل تلك الوصية وذلك السلطان كما أبرز لنا تيطس.
- عدد الزيارات: 2625