المواهب مرتبطة بالمسيح
المحاضرة الخامسة
المواهب والوظائف المحلية
أف 4: 7- 11
لو أنني حصرتُ كلامي في "المواهب والوظائف" في ذاتها، إذن لشعرتُ أن محاضرتي تكون جافة وقليلة الثمر للنفوس. وطالما نظر الناس إلى هذا الموضوع بهذه العين، ولذلك كاد أن يصبح عرضة لأن يكون مسألة نظرية عميقة، للبعض، وشركاً قانصاً للآخرين، فيحسبه البعض عقيماً غير منتج لأنهم، إذ ينظرون إليه نظرة سطحية، يفتكرون أنه لا شأن لهم بالمواهب والوظائف فلا يعيرونه التفاتاً. وهو شرك قانص للذين يستنتجون أنهم هم المختصون به- هذا إذا لم يزعموا أنهم المتفردون به دون غيرهم. على أن الحقيقة هي أن هذه الخدم الروحية تتعلق كل التعلق بالمسيح وبكنيسة الله. ولكونها مقترنة بالمسيح كمصدرها، فإنها تنساب إلينا من نفس مستودع التعمة الغنية في الأعالي، حيث تنحدر إلى الكنيسة من كل البركات الرئيسية الممتازة. أجل- فهي تنحدر من ذاك الجالس في السماويات. وفي هذا جواب صحيح لمبلغ كبير من الأعراض الذي يحس به البعض في نفوسهم تجاه هذا الموضوع، لأنهم يرون أن مواهب الخدمة ليست سوى وسائل لتعظيم الحاصلين عليها. ولو أنها كما يحسبونها، لكانت تحريفاً عظيماً لما ينحدر إلينا من المسيح. على أن الحق هو أن هذه الخدم ذات أهمية وخطورة عظيمة في نظر الله، وهو تعالى يتنازل ليستخدمها لمجد ابنه العزيز. ومن المهم جداً لدى كل الذين يرون غبطتهم ومسئوليتهم في الانتفاع بهذه الخدم، أن يتأملوا في الايضاح الكافي الذي يقدمه الكتاب المقدس في موضوع هذه الخدم. وأهمية هذا التأمل لا تقل في خطرها لدى الذين قد صار عليهم أن يراقبوا بأنفسهم كيفية استخدام عطية نعمة المسيح لئلا تتحول عن الغرض الذي لأجله قد أعطانا المسيح إياها، إلى اعتبارات أخرى جسدانية عالمية. وأعتقد أن تقرير مصدر هذه المواهب يقطع خط الرجعة على كل عظمة أرضية- مهما تنوعت أوضاعها وأشكالها- يريد الإنسان عادة أن يصل إليها عن طريق استخدام عطية الرب.
على أن هناك ملاحظة أخرى وهي أن هذه المواهب ليست فقط منحدرة إلينا من المسيح وهو في السماء، وإذ ذاك تحتم ألا تقبل الاشتباك مع بُطْل العالم وكبرياء الإنسان(وأنا بالطبع أتكلم عن المواهب بحسب حقيقتها وليس بحسب تحريف الجسد لها) بل يوجد بجانب هذه الحقيقة وجه آخر لهذه المواهب- من الخطورة بمكان أن نعرفه نحن الذين آمنا بالرب يسوع- وهو أن هذه المواهب مرتبطة في الأصل بالمسيحية من حيث فاعليتها وأثرها. ولكن سواء تأملنا في ينبوعها أم صفاتها فإنها جميعاً مؤسسة على فداء أبدي قد أتمه المسيح الفادي. وكلما قدّرنا هذه التأملات حق قدرها، كلما لمسنا أهميتها ورأينا أن موضوع عطايا المسيح يسمو بكثير عن الدائرة الأرضية، المقفرة الضيقة، التي تريد الفلسفة اللاهوتية أن تحصر فيها تلك المواهب.
إن المواهب هي "عطايا الرب". هكذا ينظر إليها الرسول بولس في رسالته إلى العبرانيين (عب 2). إن الكلمة الأصلية المترجمة في اللغة العربية "مواهب" مشتقة من الفعبل "يقسم" الواردة في (1 كو 12). ونجد أن الحكمة والخدمة وباقي الخدمات يثقال عنها في (1 كو 12) أنها معطاة من "الروح نفسه". ولكن بصفة قطعية لا يُقال عن الروح القدس أنه المعطي، بل بالحري هو واسطة لتوصيل العطية من الرب المُعطي الفعلي، والقائم بعملية تقسيمها والمحافظة عليها- أي أنه هو القوة المباشرة التي يعمل الرب بواسطتها. وعندي أنه من الأهمية بمكان عظيم أن نعرف أن المواهب التي تستخدم في دعوة الخطأة، وبنيان الكنيسة، والتي هي الأساس الحقيقي الوحيد للخدمة، صادرة من المسيح شخصياً.
- عدد الزيارات: 2788