خدمة بولس وبرنابا
إن أولئك الذين يفسرون وضع الأيدي على بولس وبرنابا (أع 13) بأنه رسامة إنما يضمون في ذلك التفسير النتيجة المباشرة له وهي أن الذين في الدرجة الثانية والثالثة يمنحون أسمى الخدمات لمن هم أعظم منهم.
في (أع 14: 16) نرى الغاية الحقيقية من هذا العمل حيث قيل أن بولس وبرنابا "سافرا في البحر إلى أنطاكية حيث كانا قد أُسْلِما إلى نعمة الله للعمل الذي أكملاه". هذا هو الغرض من وضع الأيدي عليهما بواسطة شركائهما في العمل في أنطاكية.
لقد طالما ظن الناس أن طقس وضع الأيدي هذا كان قد استخدم في إقامة الشيوخ، مستندين إلى ما ورد في (أع 14: 22 و 23). ولكننا في الواقع لا نقرأ هنا، ولا في مكان غيره، أن الأيدي وُضِعَتْ على الشيوخ. لقد ذُكِرَ لنا في مكان آخر أن الأيدي وضعت على الشمامسة. ونحن نعلم أن للشيخ شخصية بارزة في الكنيسة أكثر من الشماس. فكان من الأولى (تمشياً مع زعم الناس) أن تُوضع الأيدي عليه، على الأقل كما وُضعت على الشماس الذي هو أقل منه في مركزه في الكنيسة. وقد يحاور الناس ويتفلسفون بالمنطق ونتائجه، أما أنا فلا شك عندي أن روح الله، إذ سبق فرأى الخرافة التي سوف تلتصق برسم وضع الأيدي، لم يشأ أن يربط الحادثتين معاً بطريقة قاطعة (أي أنه لميشأ أن يذكر لنا بصراحة أن الأيدي وُضِعت على الشيوخ كما أظهر هذه الصراحة في حادثة وضعها على الشمامسة). والآية التي يتوهم البعض أنها تفيد المعنى الذي يرمون إليه هي (1 تي 5: 22) حيث يوصي الرسول بولس تلميذه تيموثاوس "ألا يضع يداً على أحد بالعجلة". على أن الغرض من هذه الوصية لا يحتمل ذلك الاستنتاج الأكيد الذي يصر عليه أصحابه إذ القرينة بعيدة عن أن تدعم هذا الاستنتاج. فالأعداد (من 17 إلى 19 في 1 تي 5) لا يوجد بعدها أية إشارة إلى الشيوخ. لذلك نقرأ في (عدد 21) قول الرسول لتلميذه "أناشدك أمام الله والرب يسوع المسيح والملائكة المختارين أن تحفظ هذا بدون غرض ولا تعمل شيئاً بمحاباة" فكيف نفترض أن الإشارة في (عدد 22) هي إلى الشيوخ على الأخص؟ إنني أرى في (عدد 20، 21) وصفاً عاماً لخدمة تيموثاوس، وبعد هذا الوصف ذُكِرت الوصية التي أقام الناس عليها قصوراً من النظم الباطلة "لا تضع يداً على أحد بالعجلة ولا تشترك في خطايا الآخرين". من المحتمل أنه توجد إشارة في هذه الوصية إلى خطر التسرع وعدم الاكتراث في حالة الموافقة على خدمة أحد الشيوخ. غير أنني أرى أن لغة الرسول في هذه الوصية تشمل أكثر من الإشارة إلى خطر التسرع الذي أشرنا إليه – فهي تشمل أي حادثة تستلزم وضع الأيدي.
ولكن لنفرض أن الإشارة هنا إلى الشيوخ، وأن الأيدي وُضِعت عليهم كما وُضِعت على الشمامسة، فإن الحقيقة الكتابية المهمة التي لا تقبل النقض هي أن الشيوخ لم يقاموا مطلقاً إلا بواسطة أشخاص كان مخولاً لهم هذا الحق وحصلوا على وصية حقيقية من الرب نفسه لأجل هذا الغرض. وقد يتوهم الكثيرون أن حقيقة عدم وضع الأيدي إلا بواسطة من لهم سلطان شخصي من الرب تضر بحرية تتميز المواهب وممارستها. وقد يظنونه أمراً غريباً أن الذين يدافعون عن حرية عمل الروح القدس إذا بهم يشددون كل التشديد على ضرورة الرسالة الإلهية والسلطة القاطعة. ولكن يجب أن تتأكد أيها القارئ أن الأمرين يسيران معاً إذا ما استُخدِما بحسب الله (أي حرية استخدام المواهب والرسالة الإلهية والسلطان القاطع) ولست تجد فريقاً أشد تمسكاً بالترتيب الإلهي من الفريق الذي يدافع بكل حزم عن حقوق الروح القدس في الكنيسة. والوتر الذي أضرب عليه النصارى قد ابتعدوا بخطوات ثابتة في موضوع الرسامة هذا عن فكر الله وعن مشيئته، وأصبحوا يجاهدون بجهالة (على أنهم في ذلك مخطئون) لأجل نظام اخترعوه لأنفسهم هو في نظر الله تشويش وفوضى. وإذا تركنا الكتاب المقدس ليقرر لنا الحق فإنه يخبرنا أن الطريقة العامة التي يستخدمها النصارى في رسامة الذين يخدمون المؤمنين وغير المؤمنين إنما هي انحراف عن ترتيب الله المرصوف لنا في كلمته الثابتة إلى الأبد.
- عدد الزيارات: 3365