Skip to main content

تثبيت حقوق روح الله

إن مهمتي في هذه المحاضرة هي "تثبيت حقوق روح الله في كنيسة الله" وإنني موقن أن هذه المهمة ينبغي أن تكون شغل المسيحي الشاغل ليس بالكلام فقط بل بالعمل والحق. وأقول "تثبيت حقوق روح الله" لأنني أفترض هنا شخصيته، إذ لا داعي لإيراد البراهين عليها كما أنه من باب أولى لا داعي لإيرادها على لاهوته – ليس لعدم توفر الأدلة عليهما في كلمة الله بل لأنهما ليسا ضمن موضوعي، هذا فضلاً عن كونهما حقيقتين مسلماً بهما. أما موضوعي الآن فهو حقوق الروح القدس وعمله السامي في الكنيسة، ذلك العمل الصادر من حضوره كمرسل من السماء. وكثيرون حتى من أولاد الله يجهلون هذا الموضوع ويجدون فيه صعوبات وغموضاً، لا بل وحتى البعض ممن حصلوا على بركات جزيلة، وعمل الروح القدس بقوته فيهم وبهم لخير النفوس، يرون هذه الصعوبات عينها. وما لم نتعلم هذا الحق من الله، وما لم نقبله كأمر إلهي مؤكد، فواضح أنه مهما عملت النعمة في إخضاعنا عملياً فإننا نخسر خسارة كبرى إذا لم نعرف الطرق الخاصة التي تشاء إرادة الله أن يكرم الروح القدس بها في الأفراد وفي الكنيسة. وقد قصدت أن أدخل في هذا الموضوع ولو أنه واسع والمجال ضيق.

وسأبين هنا أيضاً – كما بينت في معالجتي لموضوع "الجسد الواحد" – من كلمة الله ما كان يصدق دائماً على الروح القدس، وما ليس له علاقة خاصة بالوقت الحاضر، حتى نستطيع أن نميز جيداً الوسائل التي بواسطتها يظهر الله نفسه في زماننا هذا، وكيف أن المسيحيين عرضة للخطأ في هذا الأمر الذي يعتبر الخطأ فيه خطيراً جداً لأنه مسألة تمس صحة الإقرار بإقنوم إلهي. وإن كنا نحافظ على حق الروح القدس في أن يعمل في الكنيسة حسب إرادته، ففي هذه الحالة لا نعترض على عمله في النفوس – العمل الذي يمارسه من البداية. وكل من له إلمام وإدراك للكتاب المقدس لا يرتاب في هذه الحقيقة ولا في أهميتها، ولا يوجد عنده أقل فكر أو رغبة أو باعث للارتياب في شأنها. فالروح القدس كان على الدوام هو العامل الأصلي فيما قصد الله أن يجريه. فلو نظرنا إلى الآباء الذين اشتهروا بالإيمان فإننا لسنا نظن أن مؤمناً ما يرتاب لحظة واحدة في أنه بواسطة عمل الروح القدس فقط آمن الإنسان قديماً وحديثاً. فهو الذي عمل في هابيل وأخنوخ ونوح وباقي القديسين الذين يشهد لهم الكتاب المقدس. وحينما خطب الله شعبه إسرائيل، فإن كان قد عمل بكيفية خاصة تناسب إظهار مجده في وسطهم فقد كان الروح القدس هو القوة العاملة خارجاً وداخلاً. فهو الذي كان قد عمل في موسى ومن بعده حتى بصلئيل وفي شمشون ومن تعقبه حتى داود. وإذا ما جئنا إلى الأنبياء فلا حاجة بنا للقول بأنهم كأناس الله القديسين إنما تكلموا مسوقين بقوة الروح القدس، وإن روح المسيح سبق فشهد فيهم بالآلام التي له والأمجاد التي بعدها (ولو أنهم لم يفهموا عن تلك الآلام سوى القليل) ولذلك فكل الذين يدافعون عن الامتيازات الحالية (أي حضور الروح الواحد) لا يوجد لديهم أي ميل لأن يجعلوا هذا الموضوع غامضاً بل على العكس هم يقدرون كل التقدير جميع ما عمله الروح القدس قديماً إذ بالحقيقة ما من أمر كان من الله إلا وعمل الروح القدس.

  • عدد الزيارات: 2834