Skip to main content

دعوة الله لليهود والأمميين على السواء

وبماذا نعلل هذا الإهمال يا ترى؟ ومن أين نتجت غلبة العدو الهائلة هذه؟ ولماذا يوجد الآن ستار من الظلمة كثيف على موضوع "الجسد الواحد" بأسره؟ هل لأن الله لم يعلن لنا فكره بشأنه؟ كلا! إذ ما أكثر وضوح الكتاب المقدس في هذا الموضوع، وإن كنا لم نذكر سوى القليل من البراهين الكتابية عليه. ولكن هل هناك ما هو أوضح من أن الله قد أوجد حالة جديدة مؤسسة على صليب المسيح، وأنه أصبح يدعو اليهود والأمم الذين يؤمنون صانعاً إياهم "جسداً واحداً"؟ وهل في كلمته التي تتحدث إلينا عن الكنيسة ما هو أكثر وضوحاً من هذا الحق وهو. كما أن الله لا يعترف بجسد غير جسد المسيح هكذا هي مشيئته نحونا وهكذا هو واجبنا من نحوه تعالى أن نتصرف بموجب وحدانية هذا الجسد. فكيف غاب هذا الحق الثمين عن أفكار المسيحيين لأننا عبثاًَ نحاول أن نجده في كتاباتهم الحديثة أو القديمة. لا بل وقد عاش البعض منا نحن منذ زمان طويل كمسيحيين، وكثيرون كأعضاء كنائس عرفوا بالمنشقين، ومع ذلك فقد جهلنا كلنا صفات ذلك الحق جهلاً تاماً. ولكن إذا كان هذا الحق في غاية من الوضوح، وعليه في كلمة الله من الأدلة ما لا يدحض فلماذا يصبح نسياً منسياً بين أولاد الله؟

إن السبب في ذلك لا يرجع إلى عدم توفر الإخلاص والتقوى بين المسيحيين، بل إلى أن الشيطان يوجه كل قوته ودهائه ضد ما هو قريب من الله وضد ما يجريه تعالى الآن. وذلك لأن عمل الله الذي يجريه هذا متعلق بالمسيح، وهو مشيئته الفعلية الخاصة لأجل شعبه. ولذلك هو يسعى جهده لكي يفسد هذا العمل ويشوه جماله. فتراه لا يعمل على حجب حقائق أخرى، بل يقتصر على ما يتعلق بمجد المسيح كما قد ظهر لنا. وقد كان في كل زمان أمام أولاد الله مسرح القتال وحومة للوغى يستخدم فيها العدو كل وسيلة يعمى بها أبصارهم ويعوقهم عن إدراك وإتمام مشيئة الله وأبيهم. فالوقت الذي يجمع الله فيه كنيسته يبذل العدو كل جهده ليقاوم ويخلط ويحجب كل حق يتعلق بتلك الكنيسة.

ورب سائل يقول: كيف استطاع الشيطان أن ينجح بالرغم من الحق الواضح الذي يحويه العهد الجديد؟ بكل أسف نقول: أن السبب الأدبي لذلك واضح ولا يحتاج إلى البحث الكثير فقد يخدع أولاد الله بسهولة لأن التعليم عن الكنيسة التي هي جسد المسيح يقرب الله إلينا تماماً، ويضع أمام نفوسنا نعمته في كامل غناها ويجعلنا نشعر (إذا كانت نفوسنا تصدق الحق وتعتبره وتمارسه) ببطلان الأمور الحاضرة.

ولكن بالأسف فإن قلوبنا تفزع من هذا الشعور؟ إذ نحن بالطبيعة محبون للراحة والمركز في العالم – مولعون بالصيت، ليس في الأمور الدنيوية المحضة بل في ما يسمونه بالأمور الكنسية – ميالون على نوع ما إلى الحصول على كرامة لا تتعلق بالمسيح ولا يصلبه، حتى نعظم بها ذواتنا. إلا أن الجسد هو فقط للرأس لمجد الله لكي يتمجد به ابن الله. أما الإنسان الطبيعي فإنه يختفي، ومجده يتلاشى. وإرادته قد دينت كالخطية. ولكننا لا نميل إلى تعليم واختبار حازم سماوي كهذا بل بالأحرى نحب أن نعمل شيئاً وأن نعظم نفوسنا. ولأن الإنسان له في ذاته ما يعرضه لسلطة الخطية وخداع الشيطان ومكايده لذلك سرعان ما يعلن له هذا الحق العظيم حتى يأخذ في الاضمحلال وإلا فأين نجد لهذا الحق شهادة واحدة في كتابات الآباء الأولين؟ ألست تجد أيها القارئ كلما تقدمت في تاريخ المسيحية أنها قد دخلت إلى مركز العداء والمقاومة لهذا الحق السامي؟ خذ مثلاً ما شئت من كتابات الباباويين والبروتستانت والأسقفيين والمشيخيين واللوثريين والكلفينيين والأرمن وقل لي إن كنت لا تجدها جميعها تتجاهل هذا الحق وليس المعنى أنك لا تجد بين هذه الطوائف الحق الكافي لتبشير الخطاة حتى يخلصوا، بل إن مجرد خلاص النفوس ليس هو الحق الكامل. بل حتى ما يعلن كنيسة الله ليس هو الحق بتمامه. أفلم يكن على الأرض نفوس أمينة قبل أن يفرز الله لذاته تعالى شعباً خاصاً؟ أفلم يكن خلاص منذ البدء قبل الطوفان وبعده! بكل تأكيد كلن هذا كله قديماً.

  • عدد الزيارات: 2840