الفصل العاشر: اتخاذ قرار حاسم - خامساً: ماذا يجب أن نفعل نحن؟
خامساً: ماذا يجب أن نفعل نحن؟
علينا بادىء ذي بدء أن نسمع صوته، وإنه لمن الممكن المحزن أن نصمّ عنه آذاننا، وأن نغفل همساته الدائمة لنا، وقد نسمع صوته تارة في وخزات الضمير، وطوراً في مناحي التفكير، وقد نسمع صوته إذا أصابتنا هزيمة أدبية، أو اعترانا جوع روحي شديد أو مرض أو آلام أو خوف أو غيرها.. ويمكن أن نصغي إلى دعوته عن طريق صديق أو واعظ أو كتاب، وإذا سمعنا فلننصت ونصغ "من له آذان للسمع فليسمع" كما قال يسوع.
وعلينا أيضاً أن نقوم ونفتح الباب: بعد أن سمعنا صوته، لنفتح له عندما يقرع، وما فتح الباب ليسوع المسيح سوى طريقة تصويرية لوصف عمل الإيمان به كمخلص لنا، وعمل التسليم له رباً لحياتنا.
هذا عمل خاص محدد:
ولعل صيغة الفعل في اللغة اليونانية توضح لنا ذلك، فالباب لا يُفتح عن طريق الصدفة أو من تلقاء نفسه، كما أنه لم يترك مفتوحاً على مصراعيه، لكنه مغلق، وينبغي أن يفتح.. وزد على ذلك أن المسيح لا يقدر أن يفتحه، فكما رسم هولمان هانت الصورة، لا ترى للباب مزلاجاً ولا مقبضاً من الخارج، ويقال أنه أغفل رسمها قصداً لأن المزلاج من داخل الباب.. فالمسيح يقرع، ويجب علينا نحن أن نفتح.
إنه عمل فردي:
يقول يسوع: "إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه" يجب على كل إنسان أن يتخذ قراره لنفسه، ويخطو هذه الخطوة بشخصه، ولا يمكن لإنسان غيرك أن يفعل هذا، وكل ما يستطيعه الوالدون المسيحيون ، والمعلمون والرعاة والأصدقاء، هو أن يرشدوك إلى الطريق الصحيح، ولكنها يدك، ويدك فقط هي التي تجر المزلاج، وتدير المقبض.
إنه عمل عجيب فريد:
يمكنك أن تأخذ هذه الخطوة مرة واحدة فقط، لأنه عندما يدخل يسوع فسيغلق الباب ويضع المتاريس من الداخل، وقد تطرده الخطية وتطارده حتى ليجد نفسه في غرفة الخدم ولكنه لن يتراجع ولن يهجر البيت بعد أن يدخله، بل يقول: "لا أتركك لا أهملك" (عبرانيين 13: 5) ولا أقول أنك سوف تخرج من هذا الاختبار ملاكاً اكتملت جناحاه، ولكن بالعكس لن تصير كاملاً في رمشة عين، وقد تصير مسيحياً في لحظة، ولكن ليس مسيحياً ناضجاً، ويستطيع المسيح أن يدخل ويطهرك ويغفر لك ذنوبك في ثوانٍ، ولكن قد تستغرق عمراً مديداً إلى أن تتغير وتصاغ في إرادته، وفي دقائق معدودات يتزوج العروس والعريس، ولكنهما يظلان سنوات، تتصارع إرادتهما القوية، ويختلفان ثم يتفاهمان، إلى أن يتم بينهما الوفاق والانسجام، وهكذا التسليم للمسيح، يكون عادة أمراً فجائياً، بينما يستمر ويتزايد في التجانس والانسجام معه.
إنه عمل اختياري:
لست في حاجة أن تنتظر نوراً فائق الطبيعة يسطع عليك من السماء، أو اختباراً عاطفياً يأخذك ويستهويك، كلا، فإن المسيح جاء إلى العالم ومات من أجل خطاياك، وها هو قد جاء أيضاً ووقف خارج باب بيت حياتك قارعاً، ولا من مزيد بعد ذلك، وعليك أنت أن تأخذ الخطوة التالية، وها يده على الباب تقرع، فهل تمد يدك إلى المزلاج لتفتح؟
إنه عمل فوري:
لا تنتظر أكثر مما يجب، فالوقت يمر بسرعة البرق، والمستقبل مجهول، وربما لا تكون أمامك فرصة أحسن من هذه.. "لا تفتخر بالغد لأنك لا تعلم ماذا يلده يوم " (أمثال 27: 1) ويقول الروح القدس: "اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسو قلوبكم" (عبرانيين 3: 7، 8) لا تؤجل حتى تجرب أن تحسّن نفسك أو تصير أكثر استحقاقاً لدخول المسيح فيك، أو إلى أن تحل جميع مشاكلك، بل يكفي أن تؤمن أن المسيح ابن الله، وأنه مات ليك يكون مخلصك.. وسوف يكمل الباقي في الوقت المناسب، ولا شك أن في التسرع والطياشة خطراً، ولكن خطر التسويف والتأجيل لا يقل خطورة، ففي عمق قلبك، اعلم علم اليقين أنه يجب أن تتخذ قراراً، ولكن أرجوك مشدداً ألا تؤجل فتح باب قلبك ليسوع، بل افتحه الآن!
إنه عمل لا غنى عنه:
من البديهي أن في الحياة المسيحية أموراً أكثر من هذه، وسوف نرى في الفصل التالي الدخول في الشركة مع الكنيسة واكتشاف إرادة الله وإتمامها والنمو في النعمة والفهم والقيام بعمل ما للمسيح، وما هذه الخطوة سوى بداءة، ولن يقوم شيء آخر مقامها، ويمكنك أن تؤمن بالمسيح عقلياً، وتعجب به، ويمكنك أن تتلو صلواتك في داخل مخدعك كما فعلت أنا سنوات كثيرة، ويمكنك أن تكون أديباً ومحتشماً ومستقيماً وصالحاً، يمكن أن تكون تقياً ومتديناً ويمكن أن تكون قد تعمدت وأصبحت عضواً في الكنيسة، أو تكون قد تعمقت في فلسفة الديانات، أو تكون عّلامة لاهوتياً أو قسيساً مرتسماً، ومع ذلك كله لم تفتح الباب للمسيح.. ولن تجد لذلك بديلاً.
يروى أن سيدة مرموقة، حضرت اجتماعات الدكتور بلي غراهام وتقدمت إلى الأمام بعد الاجتماع تلبية لدعوته، وفي الغرفة المخصصة للاستشارات اجتمعت بأحد القسوس الذي اكتشف بأنها لم تسلّم حياتها بعد للمسيح، وأشار عليها أن تصلي.. فأحنت رأسها وصلت هكذا: "يا حبيبي الرب يسوع، أريد أن تأتي الآن إلى قلبي أكثر من أي شيء آخر في الوجود. آمين".
وحدث مرة أن ركع شاب – في أواخر العقد الثاني من عمره – بجوار فراشه بالقسم الداخلي بمدرسة في مساء أحد، وكانت الساعة حوالي العاشرة مساء يوم الثالث عشر من فبراير (شباط) سنة 1938، وفي بساطة وصراحة اعترف للمسيح، بأنه جعل حياته دماراً وخراباً، واعترف بخطاياه وشكر المسيح لموته من أجله وطلب منه أن يدخل حياته، ثم كتب في اليوم التالي في مذكراته ما يأتي: "لقد كان الأمس حقاً يوماً تاريخياً مشهوداً وحتى تلك اللحظة كان المسيح على هامش حياتي، فلم أطلب منه سوى أن يرشدني دون أن أعطية زمام قيادتي،ها هو واقف على الباب ويقرع، لقد سمعته ثم فتحت له الباب وأدخلته إلى بيتي ونظفه وطهره، وهو الآن يملك ويسود.. " ثم كتب ثاني يوم: " حقاً لقد شعرت بفرح عظيم جديد يغمرني طوال اليوم، إنه فرح السلام مع العالم ومع الله وإنني أعلم علم اليقين بأن يسوع المسيح سيدي يحكمني ولم أكن أعرف ذلك قبل اليوم.."
هذه اقتباسات من مفكرتي أتجاسر على اقتباسها لأنني لا أريدكم أن تفكروا بأني
أوصيكم لكي تتخذوا خطوة لم أخطها بنفسي قبلكم.
فهل أنت مسيحي حقيقي؟ وهل أنت مسيحي حقيقي سلَّم نفسه للرب تماماً؟ وإن جوابك يتوقف على سؤال آخر، فلا أسألك إذا كنت تذهب إلى الكنيسة أم لا، أو تؤمن بقانون الإيمان أم لا أو تحيا حياة فاضلة أم لا (مع أن هذه جميعها غاية في الأهمية)؟ ولكن سؤالي هو: "أين يقف يسوع المسيح في حياتك؟ هل هو داخل الباب أم خارجه؟" هذا هو السؤال الخطير المحرج.
ربما تكون الآن مستعداً أن تتخذ قراراً، وتعزم عن تفكير وروية، أن تفتح الباب للمسيح، فإذا لم تكن متأكداً تماماً أنك فعلت هذا في الماضي فإني أنصحك أن تتأكد، وأريد أن أشير عليك أن تختلي في مكان منفرداً لتصلي.. اعترف بخطاياك واتركها. اشكر المسيح لموته من أجلك وبدلاً عنك، ثم افتح الباب واطلب منه أن يدخل إلى قلبك مخلّصاً شخصياً ورباً لك. وقد تجد فائدة في تلاوة مثل هذه الصلاة:
"أيها الرب يسوع، أمامك أعترف أنني خاطىء، فقد أخطأت بالفكر والقول والعمل، أنا حزين بسبب خطاياي، وها أنا أتركها نادماً تائباً.
"أنا أؤمن أنك مُتّ من أجلي وحملت خطاياي في جسدك، وأنا أشكرك من أجل محبتك العظيمة.
"والآن ها أنا أفتح الباب، ادخل أيها الرب يسوع، ادخل مخلصاً لي لكي تطهرني، ادخل رباً وسيداً واملكني وسأخدمك طول حياتي في شركة مع المسيحيين الآخرين، وأنت تزودني بالقوة، آمين.."
إن صليت هذه الصلاة وأنت تعني ما تقول..
وأنت في سكون واتضاع تشكر المسيح الذي دخل إلى قلبك
وقد وعد بذلك، ووعده صادق وقال: إن سمع أحد صوتي.. وفتح الباب، أدخل إليه..
غض الطرف عن مشاعرك وإحساساتك.
اتكل على وعوده وصدقها.
واشكره لأنه عند كلمته يتمم ما وعد به.
- عدد الزيارات: 14256