Skip to main content

الفصل العاشر: اتخاذ قرار حاسم

تبدو أمراً غريباً عند كثيرين من الناس فكرة ضرورة اتخاذ قرار حتى تصبح مسيحياً.. ويذهب البعض إلى أنهم مسيحيون لأنهم ولدوا في بلاد مسيحية، أو في بيت مسيحي، ويذهبون في زعمهم إلى حد القول: "على كل حال، لسنا يهوداً ولا بوذيين ولا وثنيين، ولكننا مسيحيون!" بينما يزعم البعض الآخر، بما أنهم حصلوا على ثقافة مسيحية، وأنهم تعلموا أن يقبلوا العقيدة المسيحية والمقاييس المسيحية للسلوك والتصرف، فلا حاجة لهم إلى مزيد.

ولكن مهما كان حَسَب الإنسان ونسبه، ومهما كانت تربيته وثقافته، فإنه مضطر إلى تحديد موقفه بالنسبة للمسيح: هل يقبله أم يرفضه؟! ولا مناص للبقاء على الحياد، ولا يقدر أي إنسان آخر سوانا أن يحل هذه المشكلة لنا، وعلينا أن نقرر لأنفسنا.

ولا يكفي أن نوافق على كل ما جاء في هذا الكتاب، وقد نتفق على قوة الأدلة على لاهوت المسيح، وأنه في الواقع ابن الله، كما نؤمن انه جاء وعاش ومات مخلصاً للعالم، وقد نعترف بأننا خطاة ونحتاج إلى مخلص مثله . . لكن أيّ من هذه الأمور لن يجعل منا مسيحيين حتى ولو اجتمعت جميعها معاً، فالموافقة عقلياً شيء والعزم الأدبي الصادق شيء آخر، والإيمان بحقائق خاصة عن شخص المسيح وعمله ضروري مبدئياً، بينما الإيمان الحقيقي يترجم هذا الإيمان العقلي إلى ثقة وتصديق، ويجب أن يقودنا الاقتناع العقلي إلى تسليم وخضوع شخصي.

وعن نفسي، كنت أظن أنه بسبب موت يسوع المسيح فوق الصليب، فإنه بطريقة أو بأخرى، قد خلّص كل العالم آلياً.. وأذكر جيداً كيف تحيرت بل ثرت واستأت عندما قيل لي لأول مرة بأنني في حاجة إلى المسيح وإلى خلاصه.. شكراً لله لأنني وصلت إلى معرفة هذا الحق، ومع أن اعترافي بحاجتي إلى مخلص أمر مستحب، والإيمان بأن المسيح هو مخلص العالم أحسن، ولكن أفضل الكل هو قبولي له شخصياً مخلصاً لي .. ومن المؤكد أن ضمير المتكلم شائع في الكتاب المقدس. ونقرأ "الرب راعيّ فلا يعوزني شيء". "الرب نوري وخلاصي" "يا الله أنت إلهي" "هذه القيمة التي لا تقدّر بثمن، من اجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي" (مزمور 23: 1، 27: 1، 63: 1، فيلبي 3: 8)

وفي الكتاب آية توضح أكثر من غيرها، فكرة القرار أو العزم الذي يجب أن يُتخذ، كما توضح الخطوة الواجب اتباعها لذلك. إنها أية يحبها المسيحيون بوجه عام، وقد نطق بها الله لكثيرين من طالبيه، وهي الآية التي كانت سبب تسليم قلبي للمسيح، وتحوي كلمات المسيح نفسه، ألا وهي: "هأنذا واقف على الباب وأقرع، إن سمع احد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي" (رؤيا 3: 20).

مثل القلب البشري أو النفس البشرية مثل بيت، ولكل واحد منا حياته الخاصة التي يحياها، وبيته الخاص الذي يديره، وأنا ملك في بيتي وبالحري في قلعتي، كما أنك ملك في قلعتك، وزد على ذلك فإن تخوم قلعتنا وحدودها مقدسة ومحمية، ولا نسمح لكائن مَن كان أن يدخل بدون إذن منا.. إن ربنا يسوع المسيح واقف على الباب الخارجي لبيوتنا، أو بالحري بيوت شخصياتنا، قارعاً طالباً الدخول، والقرار الذي يجب أن نقرره بسيط جداً ألا وهو هل نسمح له بالدخول أم نرفضه؟

وقد أعطى الرسام المشهور "هولمان هانت" الذي سبق عصر روفائيل، أعطى هذه الآية معنى أوضح جعلها حية في عقول وقلوب الكثيرين في الصورة الرائعة التي رسمها، صورة "نور العالم" .. وقد رسمت الصورة الأصلية في عام 1853 وعرضت في الأكاديمية الملكية في عام 1854، وبناء على وصية "توماس كومب" - صاحب مطبعة جامعة أكسفورد - أعطيت هذه الصورة هدية إلى "كلية كيبل" في أكسفورد ولا تزال معلّقة هناك، أما الصورة الموجودة في كاتدرائية القديس بولس فهي نسخة عن الصورة الأصلية .. وقد رسمها الفنان نفسه بعد الأولى بمدة أربعين سنة.

وقد نشرت جريدة "التايمز" في عددها الصادر بتاريخ 5 مايو (أيار) سنة 1854 رسالة من "جون راسكن" حَوت وصفاً للصورة كما يأتي: ".. على الجانب الأيسر من الصورة يُرى باب النفس البشرية وهو مغلق وموصد بمزاليج قوية، وظهر الصدأ على عوارض الباب ومساميره الحديدية، وقد علا الباب، وتعلقت بقوائمه وعوارضه نباتات متسلقة، دليلاً على أن الباب لم يفتح قط، وظهر في الصورة خفاش يحوم حول الباب، وفوق العتبة نبت العليق والقريس والقمح البري.. والمسيح يقترب في الليل.. وهو يلبس حلة ملوكية وعلى رأسه إكليل من الشوك .. وفي يده اليسرى مصباح، إشارة إلى أنه نور العالم، بينما يده اليمنى قد رفعت لتقرع على الباب".

وأرى، إجلاء للحقيقة، وتوضيحاً للقرار الذي يجب أن نأخذه، أن أسأل عدداً من الأسئلة عن هذا البيت، وعن صاحبه الساكن فيه، وعن الضيف الزائر.


أولاً: من يسكن في البيت؟

ولعل أفضل جواب هو: "كل إنسان"، ويرمز البيت إلى كل قلب، وساكنه هو الفرد صاحبه، أنت أو أنا.. ولكن من نحن؟ ولماذا يزورنا يسوع المسيح؟

نحن خطاة، ويزورنا أننا خطاة، وقد جاء إلى باب بيوتنا لا لأننا نستحق مجيئه إلينا لزيارتنا، ولكن أننا في حاجة إليه.

وعسى القرينة التي وردت فيها هذه الآية تعطينا نوراً لزيادة فهمها، فقد حوى الإصحاحان الثاني والثالث من سفر الرؤيا رسائل أملاها المسيح المقام إلى الرسول يوحنا لكي يكتبها إلى سبع من الكنائس الرئيسية في آسيا.. فالآية التي نتأمل فيها الآن، وردت في نهاية آخر رسالة، وهي الرسالة التي كتبت إلى كنيسة اللاودكيين.. وكانت لاودكية مدينة مزدهرة في تلك الأيام، وقد اشتهرن بصناعة الأقمشة من صوف الغنم، التي كثرت في تلك المقاطعة، كما اشتهرت بمدرستها الطبية حيث كان يصنع كحل العيون الفريجي الشهير، وأيضاً بمصارفها الغنية، وقد أوصلها هذا النجاح المادي إلى حالة من الاكتفاء الذاتي والاتكال على المال، اللذين تلوثت بهما الكنيسة المسيحية إذ ذاك، وقد التصق بشعبها آخرون من المسيحيين بالاسم فقط.. ولو أنهم من المرموقين الذين يشار إليهم بالبنان، إلا أن مسيحيتهم كانت سطحية وعرضية، وكما قال عنهم يسوع، لم يكونوا باردين أو حارين بل فاترين، ولهذا مجَّتهم نفسه واشمأزت منهم.. ويعزي فتورهم الروحي إلى الحقيقة، أنهم كانوا مخدوعين في أنفسهم، ومتعدّين بذواتهم، ولا بد أنهم صعقوا وهم يقرأون كلمات المسيح لهم: "لأنك تقول أني أنا غني وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء ولست تعلم أنك أنت الشقي والبائس وفقير وأعمى وعريان" (رؤيا 3: 17)

ياله من وصف رائع للاودكية المتكبرة الغنية!

إنهم فقراء وعميان، عراة رغم مصانع الثياب التي عندهم، وعميان رغم الكحل الفريجي المشهور، وفقراء رغم المصارف التي لهم، وإننا لا نختلف عنهم كثيراً، فقد نقول قولهم: "ولا حاجة لي إلى شيء" ولا توجد كلمات أشد خطراً في الناحية الروحية من هذه، لأنه لا شيء يمنعنا عن تسليم أنفسنا للمسيح أكثر من الكبرياء والغطرسة والغرور بالذات.. وبكل تأكيد نحتاج إلى المسيح، لأننا بدونه نبقى عراة أدبياً (لا نجد ما نستر به أنفسنا في حضرة الله وعمياناً للحق الإلهي، وفقراء لا مال لنا نشتري رضى السماء ولكن المسيح يستطيع أن يكسونا ببره، ويهب لعيوننا البصر ويغنينا روحياً.. وسنبقى عمياناً وعراة وفقراء، ما دمنا بعيدين عنه، وحتى نفتح له الباب لكي يدخل إلينا.


ثانياً: من هو الضيف؟ 

إنه يسوع الذي يشهد له التاريخ، فليس مجرد شخصية خيالية وبطلاً روائياً، إنه رجل الناصرة الذي تثبت دعاواه وطبيعته وقيامته، إنه ابن الله.. وفضلاً عن ذلك، فهو المخلص المصلوب.. وما اليد التي تقرع على الباب، سوى يده المثقوبة، والرجل التي تقف على العتبة إلا تلك التي دقت فيها المسامير.. إنه هو هو ذاك الذي مات ما أجل خطايانا فوق الصليب.. المسيح المقام من بين الأموات أيضاً، وقد وصفه يوحنا في الإصحاح الأول من سفر الرؤيا "الرب الممجد" كما رآه في رؤياه "وعيناه كلهيب نار. ورجلاه شبه النحاس النقي وصوته كصوت مياه كثيرة ووجهه كالشمس وهي تضيء في قوتها" وتصف هذه المظاهر في رموز حية ناطقة، تصف مجد يسوع المسيح المقام، فلا غرابة إن سقط يوحنا عند رجليه، وما أصعب أن نفهم كيف أن شخصاً مثله له كل هذا الجلال والمجد يتنازل ويزور فقراء عمياناً وعراة مثلنا!!


ثالثاً: ماذا يعمل؟

إنه واقف، والعبارة المترجمة "واقف على" في لغتها الأصلية أي اليونانية تعني "أنه جاء إلى الباب ووقف ولا يزال واقفاً".. فهو عند الباب وليس بعيداً عنه، وكان بإمكانه أن يتسربل بحلة ملوكية، ويجلس على عرشه ينتظرنا حتى نذهب إليه، ولكنه بدلاً من ذلك لقد جاء هو إلينا، إلى باب بيتنا.. وربما جاء منذ وقت طويل.. فهل تعرف كم سنة تركته واقفاً ينتظر؟

ولا يقتصر المسيح على وقوفه بل "يقرع".. لقد جاء ووقف ونلاحظ أن صيغة الفعل "يقرع" هي صيغة المضارع، وهذا يعني استمرار قرعه على الباب، فإنه لا يتركنا في حيرة أو غفلة بل يعرّفنا بوجوده وحضوره، كما يعرّفنا بقصده.

كما نراه يتكلم ويقول: "هأنذا واقف على الباب وأقرع" إنه يلفت أنظارنا إلى حضوره ويطلب منا أن نعرف أنه هناك.

ولعل الأفعال الثلاثة تنبّر على تواضع المسيح وحرية الإنسان فالمسيح واقف على الباب، لا يركله برجله، بل يقرع على الباب بهدوء دون أن يدفعه بالقوة، كما يتكلم إلينا بلطف دون أن يصيح.. مع أن البيت بيته، وهو الذي وضع تصميمه ورسمه، هو الذي صنعه وبناه، هو صاحبه ومالكه، اشتراه بدمه، فهو ملكه بحق التصميم وحق البناء وحق الشراء، وما نحن سوى مستأجرين نسكن في بيت ليس لنا، وكان بإمكانه أن يدفع الباب بكتفه، ولكنه يفضّل أن يمد يده ويقرع.. وله الحق في أن يأمرنا لنفتح له، ولكن بدلاً من ذلك يدعونا لكي نفتح نحن، إنه يقف صابراً ويقرع بلطف ويتكلم برقة، ولا يدخل عنوة إلى حياة أي إنسان، بل يقول: "أشير عليك.." (ع 18) ومع أن من حقه أن يصدر الأمر ولكنه يرضى أن يقدّم المشورة والنصح.. هذا هو تواضعه وتنازله العجيب، وهذه هي حرية الإنسان التي أعطانا الله إياها، ولا يريد لنا غيرها بديلاً.


رابعاً: ماذا يريد أن يفعل؟

إنه يطلب الدخول، لهذا يقف على الباب، وليس على النافذة، ولا يكتفي بالنظر إلى الداخل، لأنه يستطيع ذلك دائماً وفي أي وقت يشاء، فلا تخدعه لغة الأدب.. لكنه يطلب منا أكثر من إشارة رضى على بعد، وعلينا أن نقرر فتح الباب له وندعوه لكي يدخل.. وقد يصعب علينا تصديق القول أنه يبغي الدخول، لكنها حقيقة واقعة، إن هذا هو عين ما يريده، ذاك الذي لا يسكن في هياكل مصنوعة بالأيادي والذي لا تسعه السموات ولا سماء السموات يرضى أن ينحني لكي يدخل الكوخ الحقير في قلوبنا الخاطئة.

ولكن لماذا يريد الدخول؟

لقد رأينا فيما سبق الأسباب لذلك.. لأنه يريد أن يكون مخلصاً ورباً لنا. فقد مات لكي يكون مخلصنا، فإذا ما قبلناه فإنه سوف يمارس فوائد موته لنا شخصياً، وسرعان ما يدخل البيت حتى يبدأ عمله الأول بتنظيفه وتجديده وتزيينه وتأثيثه، أو بعبارة أخرى، سوف يطهرنا ويغفر لنا ويمحو كل ما عملناه في الماضي، وزد على ذلك فإنه يعدنا بأن يتعشى معنا، ويسمح لنا بان نتعشى معه، ولعلّ العبارة تتضمن معنى الفرح الذي لا ينطق به – فرح الشركة معه – فلا يقتصر على بذل نفسه لأجلنا، وإنما يريدنا أن نعطيه نفوسنا.. كنا غرباء، فأصبحنا أحباء، كان بيننا باب مغلق، أما الآن فإننا نجلس على نفس المائدة الواحدة معاً.

وسيدخل أيضاً رباً وسيداً، ويضحى بيتنا تحت إدارته وسيادته، ويتولى ضبطه وتنظيمه، ولا معنى إطلاقاً لفتح الباب ما لم نكن مستعدين لقبوله.. وحالما تطأ رجله أرض البيت، ويدخل من العتبة، لنضع في يده كل المفاتيح، لكي يتسنى له الدخول إلى كل غرفة في البيت، ولا نبقي لأنفسنا أية غرفة سرية بعيداً عنه..

كتب إليّ مرة شاب كندي مثقف يقول: "بدلاً من تسليم يسوع مجموعة كبيرة من المفاتيح المختلفة ليفتح بها الغرف الكثيرة في بيتي فقد أعطيته مفتاحاً واحداً يفتح جميع الأبواب".

علينا إذاً أن نتوب توبة حقيقية، منصرفين عن كل شيء غير مرضٍ أمامه، ولا أقصد أن نحسّن أنفسنا قبل أن ندعوه ليدخل ولكن بالعكس إنه بسبب أننا لا نقدر أن نغفر لأنفسنا أو نحسّن أنفسنا، فإننا أشد ما نكون بحاجة لكي يأتي ويدخل إلينا، على أن نظهر استعدادنا الكلي لكل ما يجريه من تغييرات وتنظيم فينا بعد أن يدخل.. فلا نقاومه بل نخضع خضوعاً تاماً بدون قيد أو شرط لسيادة الرب يسوع المسيح، ولن يكون في مقدورنا أن نملي شروطاً، فماذا يعني هذا؟ لا أستطيع أن أجيبك بالتفصيل.. ولكن من حيث المبدأ إنه يعني العزم التام لترك الشر واتباع المسيح..

فهل تتردد؟ وهل تقول ليس من المعقول أن تخضع للمسيح خضوعاً أعمى؟ بالتأكيد، ليس الأمر كذلك، لكنه أكثر معقولية من الزواج الذي فيه يضع كل من الزوج والزوجة نفسه تحت تصرف الآخر دون ما قيد ولا شرط، ودون أن يعلما ما يخبئه لهما المستقبل، ولكن يحب أحدهما الآخر ويثق كل منهما بالآخر، فيتعاهدان كلاهما: "بأن يعيشا معاً في السراء والضراء، في الغنى والفقر، في الصحة وفي المرض، تربطهما المحبة حتى يفصلهما الموت".. فإن وثق البشر بالبشر، ألا نثق نحن بابن الله؟ وإنه لأكثر معقولية أن يسلّم الإنسان نفسه إلى الله، من أن يسلمها إلى أنبل البشر وأشرفهم، فإن المسيح لا يخون العهد ولا يحنث بالوعد، ولا يسيء استغلال ثقتك به.


خامساً: ماذا يجب أن نفعل نحن؟

علينا بادىء ذي بدء أن نسمع صوته، وإنه لمن الممكن المحزن أن نصمّ عنه آذاننا، وأن نغفل همساته الدائمة لنا، وقد نسمع صوته تارة في وخزات الضمير، وطوراً في مناحي التفكير، وقد نسمع صوته إذا أصابتنا هزيمة أدبية، أو اعترانا جوع روحي شديد أو مرض أو آلام أو خوف أو غيرها.. ويمكن أن نصغي إلى دعوته عن طريق صديق أو واعظ أو كتاب، وإذا سمعنا فلننصت ونصغ "من له آذان للسمع فليسمع" كما قال يسوع.

وعلينا أيضاً أن نقوم ونفتح الباب: بعد أن سمعنا صوته، لنفتح له عندما يقرع، وما فتح الباب ليسوع المسيح سوى طريقة تصويرية لوصف عمل الإيمان به كمخلص لنا، وعمل التسليم له رباً لحياتنا.

هذا عمل خاص محدد:

ولعل صيغة الفعل في اللغة اليونانية توضح لنا ذلك، فالباب لا يُفتح عن طريق الصدفة أو من تلقاء نفسه، كما أنه لم يترك مفتوحاً على مصراعيه، لكنه مغلق، وينبغي أن يفتح.. وزد على ذلك أن المسيح لا يقدر أن يفتحه، فكما رسم هولمان هانت الصورة، لا ترى للباب مزلاجاً ولا مقبضاً من الخارج، ويقال أنه أغفل رسمها قصداً لأن المزلاج من داخل الباب.. فالمسيح يقرع، ويجب علينا نحن أن نفتح.

إنه عمل فردي:

يقول يسوع: "إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه" يجب على كل إنسان أن يتخذ قراره لنفسه، ويخطو هذه الخطوة بشخصه، ولا يمكن لإنسان غيرك أن يفعل هذا، وكل ما يستطيعه الوالدون المسيحيون ، والمعلمون والرعاة والأصدقاء، هو أن يرشدوك إلى الطريق الصحيح، ولكنها يدك، ويدك فقط هي التي تجر المزلاج، وتدير المقبض.

إنه عمل عجيب فريد:

يمكنك أن تأخذ هذه الخطوة مرة واحدة فقط، لأنه عندما يدخل يسوع فسيغلق الباب ويضع المتاريس من الداخل، وقد تطرده الخطية وتطارده حتى ليجد نفسه في غرفة الخدم ولكنه لن يتراجع ولن يهجر البيت بعد أن يدخله، بل يقول: "لا أتركك لا أهملك" (عبرانيين 13: 5) ولا أقول أنك سوف تخرج من هذا الاختبار ملاكاً اكتملت جناحاه، ولكن بالعكس لن تصير كاملاً في رمشة عين، وقد تصير مسيحياً في لحظة، ولكن ليس مسيحياً ناضجاً، ويستطيع المسيح أن يدخل ويطهرك ويغفر لك ذنوبك في ثوانٍ، ولكن قد تستغرق عمراً مديداً إلى أن تتغير وتصاغ في إرادته، وفي دقائق معدودات يتزوج العروس والعريس، ولكنهما يظلان سنوات، تتصارع إرادتهما القوية، ويختلفان ثم يتفاهمان، إلى أن يتم بينهما الوفاق والانسجام، وهكذا التسليم للمسيح، يكون عادة أمراً فجائياً، بينما يستمر ويتزايد في التجانس والانسجام معه.

إنه عمل اختياري:

لست في حاجة أن تنتظر نوراً فائق الطبيعة يسطع عليك من السماء، أو اختباراً عاطفياً يأخذك ويستهويك، كلا، فإن المسيح جاء إلى العالم ومات من أجل خطاياك، وها هو قد جاء أيضاً ووقف خارج باب بيت حياتك قارعاً، ولا من مزيد بعد ذلك، وعليك أنت أن تأخذ الخطوة التالية، وها يده على الباب تقرع، فهل تمد يدك إلى المزلاج لتفتح؟

إنه عمل فوري:

لا تنتظر أكثر مما يجب، فالوقت يمر بسرعة البرق، والمستقبل مجهول، وربما لا تكون أمامك فرصة أحسن من هذه.. "لا تفتخر بالغد لأنك لا تعلم ماذا يلده يوم " (أمثال 27: 1) ويقول الروح القدس: "اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسو قلوبكم" (عبرانيين 3: 7، 8) لا تؤجل حتى تجرب أن تحسّن نفسك أو تصير أكثر استحقاقاً لدخول المسيح فيك، أو إلى أن تحل جميع مشاكلك، بل يكفي أن تؤمن أن المسيح ابن الله، وأنه مات ليك يكون مخلصك.. وسوف يكمل الباقي في الوقت المناسب، ولا شك أن في التسرع والطياشة خطراً، ولكن خطر التسويف والتأجيل لا يقل خطورة، ففي عمق قلبك، اعلم علم اليقين أنه يجب أن تتخذ قراراً، ولكن أرجوك مشدداً ألا تؤجل فتح باب قلبك ليسوع، بل افتحه الآن!

إنه عمل لا غنى عنه:

من البديهي أن في الحياة المسيحية أموراً أكثر من هذه، وسوف نرى في الفصل التالي الدخول في الشركة مع الكنيسة واكتشاف إرادة الله وإتمامها والنمو في النعمة والفهم والقيام بعمل ما للمسيح، وما هذه الخطوة سوى بداءة، ولن يقوم شيء آخر مقامها، ويمكنك أن تؤمن بالمسيح عقلياً، وتعجب به، ويمكنك أن تتلو صلواتك في داخل مخدعك كما فعلت أنا سنوات كثيرة، ويمكنك أن تكون أديباً ومحتشماً ومستقيماً وصالحاً، يمكن أن تكون تقياً ومتديناً ويمكن أن تكون قد تعمدت وأصبحت عضواً في الكنيسة، أو تكون قد تعمقت في فلسفة الديانات، أو تكون عّلامة لاهوتياً أو قسيساً مرتسماً، ومع ذلك كله لم تفتح الباب للمسيح.. ولن تجد لذلك بديلاً.

يروى أن سيدة مرموقة، حضرت اجتماعات الدكتور بلي غراهام وتقدمت إلى الأمام بعد الاجتماع تلبية لدعوته، وفي الغرفة المخصصة للاستشارات اجتمعت بأحد القسوس الذي اكتشف بأنها لم تسلّم حياتها بعد للمسيح، وأشار عليها أن تصلي.. فأحنت رأسها وصلت هكذا: "يا حبيبي الرب يسوع، أريد أن تأتي الآن إلى قلبي أكثر من أي شيء آخر في الوجود. آمين".

وحدث مرة أن ركع شاب – في أواخر العقد الثاني من عمره – بجوار فراشه بالقسم الداخلي بمدرسة في مساء أحد، وكانت الساعة حوالي العاشرة مساء يوم الثالث عشر من فبراير (شباط) سنة 1938، وفي بساطة وصراحة اعترف للمسيح، بأنه جعل حياته دماراً وخراباً، واعترف بخطاياه وشكر المسيح لموته من أجله وطلب منه أن يدخل حياته، ثم كتب في اليوم التالي في مذكراته ما يأتي: "لقد كان الأمس حقاً يوماً تاريخياً مشهوداً وحتى تلك اللحظة كان المسيح على هامش حياتي، فلم أطلب منه سوى أن يرشدني دون أن أعطية زمام قيادتي،ها هو واقف على الباب ويقرع، لقد سمعته ثم فتحت له الباب وأدخلته إلى بيتي ونظفه وطهره، وهو الآن يملك ويسود.. " ثم كتب ثاني يوم: " حقاً لقد شعرت بفرح عظيم جديد يغمرني طوال اليوم، إنه فرح السلام مع العالم ومع الله وإنني أعلم علم اليقين بأن يسوع المسيح سيدي يحكمني ولم أكن أعرف ذلك قبل اليوم.."

هذه اقتباسات من مفكرتي أتجاسر على اقتباسها لأنني لا أريدكم أن تفكروا بأني

أوصيكم لكي تتخذوا خطوة لم أخطها بنفسي قبلكم.

فهل أنت مسيحي حقيقي؟ وهل أنت مسيحي حقيقي سلَّم نفسه للرب تماماً؟ وإن جوابك يتوقف على سؤال آخر، فلا أسألك إذا كنت تذهب إلى الكنيسة أم لا، أو تؤمن بقانون الإيمان أم لا أو تحيا حياة فاضلة أم لا (مع أن هذه جميعها غاية في الأهمية)؟ ولكن سؤالي هو: "أين يقف يسوع المسيح في حياتك؟ هل هو داخل الباب أم خارجه؟" هذا هو السؤال الخطير المحرج.

ربما تكون الآن مستعداً أن تتخذ قراراً، وتعزم عن تفكير وروية، أن تفتح الباب للمسيح، فإذا لم تكن متأكداً تماماً أنك فعلت هذا في الماضي فإني أنصحك أن تتأكد، وأريد أن أشير عليك أن تختلي في مكان منفرداً لتصلي.. اعترف بخطاياك واتركها. اشكر المسيح لموته من أجلك وبدلاً عنك، ثم افتح الباب واطلب منه أن يدخل إلى قلبك مخلّصاً شخصياً ورباً لك. وقد تجد فائدة في تلاوة مثل هذه الصلاة:

"أيها الرب يسوع، أمامك أعترف أنني خاطىء، فقد أخطأت بالفكر والقول والعمل، أنا حزين بسبب خطاياي، وها أنا أتركها نادماً تائباً.

"أنا أؤمن أنك مُتّ من أجلي وحملت خطاياي في جسدك، وأنا أشكرك من أجل محبتك العظيمة.

"والآن ها أنا أفتح الباب، ادخل أيها الرب يسوع، ادخل مخلصاً لي لكي تطهرني، ادخل رباً وسيداً واملكني وسأخدمك طول حياتي في شركة مع المسيحيين الآخرين، وأنت تزودني بالقوة، آمين.."

إن صليت هذه الصلاة وأنت تعني ما تقول..

وأنت في سكون واتضاع تشكر المسيح الذي دخل إلى قلبك

وقد وعد بذلك، ووعده صادق وقال: إن سمع أحد صوتي.. وفتح الباب، أدخل إليه..

غض الطرف عن مشاعرك وإحساساتك.

اتكل على وعوده وصدقها.

واشكره لأنه عند كلمته يتمم ما وعد به.

  • عدد الزيارات: 14286