Skip to main content

الفصل العاشر: اتخاذ قرار حاسم

الصفحة 1 من 6

تبدو أمراً غريباً عند كثيرين من الناس فكرة ضرورة اتخاذ قرار حتى تصبح مسيحياً.. ويذهب البعض إلى أنهم مسيحيون لأنهم ولدوا في بلاد مسيحية، أو في بيت مسيحي، ويذهبون في زعمهم إلى حد القول: "على كل حال، لسنا يهوداً ولا بوذيين ولا وثنيين، ولكننا مسيحيون!" بينما يزعم البعض الآخر، بما أنهم حصلوا على ثقافة مسيحية، وأنهم تعلموا أن يقبلوا العقيدة المسيحية والمقاييس المسيحية للسلوك والتصرف، فلا حاجة لهم إلى مزيد.

ولكن مهما كان حَسَب الإنسان ونسبه، ومهما كانت تربيته وثقافته، فإنه مضطر إلى تحديد موقفه بالنسبة للمسيح: هل يقبله أم يرفضه؟! ولا مناص للبقاء على الحياد، ولا يقدر أي إنسان آخر سوانا أن يحل هذه المشكلة لنا، وعلينا أن نقرر لأنفسنا.

ولا يكفي أن نوافق على كل ما جاء في هذا الكتاب، وقد نتفق على قوة الأدلة على لاهوت المسيح، وأنه في الواقع ابن الله، كما نؤمن انه جاء وعاش ومات مخلصاً للعالم، وقد نعترف بأننا خطاة ونحتاج إلى مخلص مثله . . لكن أيّ من هذه الأمور لن يجعل منا مسيحيين حتى ولو اجتمعت جميعها معاً، فالموافقة عقلياً شيء والعزم الأدبي الصادق شيء آخر، والإيمان بحقائق خاصة عن شخص المسيح وعمله ضروري مبدئياً، بينما الإيمان الحقيقي يترجم هذا الإيمان العقلي إلى ثقة وتصديق، ويجب أن يقودنا الاقتناع العقلي إلى تسليم وخضوع شخصي.

وعن نفسي، كنت أظن أنه بسبب موت يسوع المسيح فوق الصليب، فإنه بطريقة أو بأخرى، قد خلّص كل العالم آلياً.. وأذكر جيداً كيف تحيرت بل ثرت واستأت عندما قيل لي لأول مرة بأنني في حاجة إلى المسيح وإلى خلاصه.. شكراً لله لأنني وصلت إلى معرفة هذا الحق، ومع أن اعترافي بحاجتي إلى مخلص أمر مستحب، والإيمان بأن المسيح هو مخلص العالم أحسن، ولكن أفضل الكل هو قبولي له شخصياً مخلصاً لي .. ومن المؤكد أن ضمير المتكلم شائع في الكتاب المقدس. ونقرأ "الرب راعيّ فلا يعوزني شيء". "الرب نوري وخلاصي" "يا الله أنت إلهي" "هذه القيمة التي لا تقدّر بثمن، من اجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي" (مزمور 23: 1، 27: 1، 63: 1، فيلبي 3: 8)

وفي الكتاب آية توضح أكثر من غيرها، فكرة القرار أو العزم الذي يجب أن يُتخذ، كما توضح الخطوة الواجب اتباعها لذلك. إنها أية يحبها المسيحيون بوجه عام، وقد نطق بها الله لكثيرين من طالبيه، وهي الآية التي كانت سبب تسليم قلبي للمسيح، وتحوي كلمات المسيح نفسه، ألا وهي: "هأنذا واقف على الباب وأقرع، إن سمع احد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي" (رؤيا 3: 20).

مثل القلب البشري أو النفس البشرية مثل بيت، ولكل واحد منا حياته الخاصة التي يحياها، وبيته الخاص الذي يديره، وأنا ملك في بيتي وبالحري في قلعتي، كما أنك ملك في قلعتك، وزد على ذلك فإن تخوم قلعتنا وحدودها مقدسة ومحمية، ولا نسمح لكائن مَن كان أن يدخل بدون إذن منا.. إن ربنا يسوع المسيح واقف على الباب الخارجي لبيوتنا، أو بالحري بيوت شخصياتنا، قارعاً طالباً الدخول، والقرار الذي يجب أن نقرره بسيط جداً ألا وهو هل نسمح له بالدخول أم نرفضه؟

وقد أعطى الرسام المشهور "هولمان هانت" الذي سبق عصر روفائيل، أعطى هذه الآية معنى أوضح جعلها حية في عقول وقلوب الكثيرين في الصورة الرائعة التي رسمها، صورة "نور العالم" .. وقد رسمت الصورة الأصلية في عام 1853 وعرضت في الأكاديمية الملكية في عام 1854، وبناء على وصية "توماس كومب" - صاحب مطبعة جامعة أكسفورد - أعطيت هذه الصورة هدية إلى "كلية كيبل" في أكسفورد ولا تزال معلّقة هناك، أما الصورة الموجودة في كاتدرائية القديس بولس فهي نسخة عن الصورة الأصلية .. وقد رسمها الفنان نفسه بعد الأولى بمدة أربعين سنة.

وقد نشرت جريدة "التايمز" في عددها الصادر بتاريخ 5 مايو (أيار) سنة 1854 رسالة من "جون راسكن" حَوت وصفاً للصورة كما يأتي: ".. على الجانب الأيسر من الصورة يُرى باب النفس البشرية وهو مغلق وموصد بمزاليج قوية، وظهر الصدأ على عوارض الباب ومساميره الحديدية، وقد علا الباب، وتعلقت بقوائمه وعوارضه نباتات متسلقة، دليلاً على أن الباب لم يفتح قط، وظهر في الصورة خفاش يحوم حول الباب، وفوق العتبة نبت العليق والقريس والقمح البري.. والمسيح يقترب في الليل.. وهو يلبس حلة ملوكية وعلى رأسه إكليل من الشوك .. وفي يده اليسرى مصباح، إشارة إلى أنه نور العالم، بينما يده اليمنى قد رفعت لتقرع على الباب".

وأرى، إجلاء للحقيقة، وتوضيحاً للقرار الذي يجب أن نأخذه، أن أسأل عدداً من الأسئلة عن هذا البيت، وعن صاحبه الساكن فيه، وعن الضيف الزائر.

أولاً: من يسكن في البيت؟
الصفحة
  • عدد الزيارات: 14069