الفصل العاشر: اتخاذ قرار حاسم - أولاً: من يسكن في البيت؟
أولاً: من يسكن في البيت؟
ولعل أفضل جواب هو: "كل إنسان"، ويرمز البيت إلى كل قلب، وساكنه هو الفرد صاحبه، أنت أو أنا.. ولكن من نحن؟ ولماذا يزورنا يسوع المسيح؟
نحن خطاة، ويزورنا أننا خطاة، وقد جاء إلى باب بيوتنا لا لأننا نستحق مجيئه إلينا لزيارتنا، ولكن أننا في حاجة إليه.
وعسى القرينة التي وردت فيها هذه الآية تعطينا نوراً لزيادة فهمها، فقد حوى الإصحاحان الثاني والثالث من سفر الرؤيا رسائل أملاها المسيح المقام إلى الرسول يوحنا لكي يكتبها إلى سبع من الكنائس الرئيسية في آسيا.. فالآية التي نتأمل فيها الآن، وردت في نهاية آخر رسالة، وهي الرسالة التي كتبت إلى كنيسة اللاودكيين.. وكانت لاودكية مدينة مزدهرة في تلك الأيام، وقد اشتهرن بصناعة الأقمشة من صوف الغنم، التي كثرت في تلك المقاطعة، كما اشتهرت بمدرستها الطبية حيث كان يصنع كحل العيون الفريجي الشهير، وأيضاً بمصارفها الغنية، وقد أوصلها هذا النجاح المادي إلى حالة من الاكتفاء الذاتي والاتكال على المال، اللذين تلوثت بهما الكنيسة المسيحية إذ ذاك، وقد التصق بشعبها آخرون من المسيحيين بالاسم فقط.. ولو أنهم من المرموقين الذين يشار إليهم بالبنان، إلا أن مسيحيتهم كانت سطحية وعرضية، وكما قال عنهم يسوع، لم يكونوا باردين أو حارين بل فاترين، ولهذا مجَّتهم نفسه واشمأزت منهم.. ويعزي فتورهم الروحي إلى الحقيقة، أنهم كانوا مخدوعين في أنفسهم، ومتعدّين بذواتهم، ولا بد أنهم صعقوا وهم يقرأون كلمات المسيح لهم: "لأنك تقول أني أنا غني وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء ولست تعلم أنك أنت الشقي والبائس وفقير وأعمى وعريان" (رؤيا 3: 17)
ياله من وصف رائع للاودكية المتكبرة الغنية!
إنهم فقراء وعميان، عراة رغم مصانع الثياب التي عندهم، وعميان رغم الكحل الفريجي المشهور، وفقراء رغم المصارف التي لهم، وإننا لا نختلف عنهم كثيراً، فقد نقول قولهم: "ولا حاجة لي إلى شيء" ولا توجد كلمات أشد خطراً في الناحية الروحية من هذه، لأنه لا شيء يمنعنا عن تسليم أنفسنا للمسيح أكثر من الكبرياء والغطرسة والغرور بالذات.. وبكل تأكيد نحتاج إلى المسيح، لأننا بدونه نبقى عراة أدبياً (لا نجد ما نستر به أنفسنا في حضرة الله وعمياناً للحق الإلهي، وفقراء لا مال لنا نشتري رضى السماء ولكن المسيح يستطيع أن يكسونا ببره، ويهب لعيوننا البصر ويغنينا روحياً.. وسنبقى عمياناً وعراة وفقراء، ما دمنا بعيدين عنه، وحتى نفتح له الباب لكي يدخل إلينا.
- عدد الزيارات: 14280