مصير الكون الفلكي
إن الاعتمادية الأساسية للشمس، والقمر، والنجوم لا تتناقض، بل، بمعنى من المعاني، تؤكدها إشارات الكتاب المقدس إلى تقلبات كثافة الضوء المستقبلية فيها. نفس الحقيقة بأن الشمس والقمر والنجوم سوف لن تشرق في يوم الرب، إذ تكون خاضعة للدينونة الكونية، تُقال أيضاً على التاريخ العجيب الذي لا مثيل له، والذي يضيف لها قيمة رمزية في تناسبها الدقيق مع اعتماديتها العادية. وهذا أمر مميز في كل آيات الكتاب المعجزية. إنها لا تتذمر بل تستلزم تماثلاً واتساقاً للعمليات الطبيعية والتاريخية.
قبل ثمانية قرون من المسيح أعلن النبي يوئيل بما يخص الدينونة الإلهية التي ستسبق مباشرة المجيء الثاني للمسيح قائلاً: "قُدَّامَهُ تَرْتَعِدُ الأَرْضُ وَتَرْجُفُ السَّمَاءُ. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يُظْلِمَانِ وَالنُّجُومُ تَحْجِزُ لَمَعَانَهَا. وَالرَّبُّ يُعْطِي صَوْتَهُ أَمَامَ جَيْشِهِ. إِنَّ عَسْكَرَهُ كَثِيرٌ جِدّاً. فَإِنَّ صَانِعَ قَوْلِهِ قَوِيٌّ لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ عَظِيمٌ وَمَخُوفٌ جِدّاً فَمَنْ يُطِيقُهُ؟" (يوئيل 2: 10- 11، وانظر 3: 15). الله نفسه حذّر العالم بقوله: "وَأُعْطِي عَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ.... تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ إلى ظُلْمَةٍ وَالْقَمَرُ إلى دَمٍ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ الْمَخُوفُ" (يوئيل 2: 30- 31)؛ وهذه استشهد بها بطرس في (أع 2: 19- 20). وطبّقَ حزقيال هذه الدينونة الكونية القادمة على مصر بشكل خاص فقال: "أَحْجُبُ السَّمَاوَاتِ وَأُظْلِمُ نُجُومَهَا، وَأُغْشِي الشَّمْسَ بِسَحَابٍ، وَالْقَمَرُ لاَ يُضِيءُ ضُوءَهُ" (حزقيال 32: 7).
بالاستناد إلى هذه التحذيرات بعلامات دينونة سماوية في نهاية هذا الدهر، تنبأ المسيح مسبقاً بأن: "وَتَكُونُ عَلاَمَاتٌ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَعَلَى الأَرْضِ كَرْبُ أُمَمٍ بِحَيْرَةٍ...." (لوقا 21: 25). وأكثر تحديداً: "وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ" (متى 24: 29؛ انظر أيضاً مرقس 13: 24- 25).
بعد ستين سنة، وفي حين كان الرسول يوحنا في منفاه في جزيرة منعزلة في بحر إيجه، مُنِحَ رؤيا لحوادث نهاية الزمن الفريدة فقال: "ثُمَّ بَوَّقَ الْمَلاَكُ الرَّابِعُ، فَضُرِبَ ثُلْثُ الشَّمْسِ وَثُلْثُ الْقَمَرِ وَثُلْثُ النُّجُومِ، حَتَّى يُظْلِمَ ثُلْثُهُنَّ، وَالنَّهَارُ لاَ يُضِيءُ ثُلْثُهُ، وَاللَّيْلُ كَذَلِكَ" (رؤيا 8: 12؛ قارن مع 6: 12).
بعد الضيقة العظيمة بانقطاع وظائف الشمس والقمر الفريدة من نوعها والمذهلة بالنسبة لسكان الأرض (قارن يشوع 10: 12-31؛ عبرانيين 3: 11؛ لوقا 23: 4-45)، سيبزغ فجر دهر الملكوت العظيم في نهاية المطاف.[18] سيكون مجدُ ملك الملوك عجيباً جداً عند ظهوره الأول على الأرض لأنه بعد صعوده ومنذ حوالي 2000 سنة "يَخْجَلُ الْقَمَرُ وَتُخْزَى الشَّمْسُ لأَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ قَدْ مَلَكَ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَفِي أُورُشَلِيمَ. وَقُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ" (أشعياء 24: 23). ولكن من منظار آخر، دهر الملكوت سيكون على النقيض تماماً من الظلمة الرهيبة التي ستسبقه مباشرةً، حتى أنه "يَكُونُ نُورُ الْقَمَرِ كَنُورِ الشَّمْسِ وَنُورُ الشَّمْسِ يَكُونُ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ كَنُورِ سَبْعَةِ أَيَّامٍ فِي يَوْمٍ يَجْبُرُ الرَّبُّ كَسْرَ شَعْبِهِ وَيَشْفِي رَضَّ ضَرْبِهِ" (أشعياء 30: 26).
ويصف الرسولُ يوحنا المصيرَ النهائي الأخير للكون الفلكي فيقول: "ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشاً عَظِيماً أَبْيَضَ، وَالْجَالِسَ عَلَيْهِ الَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ! ... ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، لأَنَّ السَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَالْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ. وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا. وَالْمَدِينَةُ لاَ تَحْتَاجُ إلى الشَّمْسِ وَلاَ إلى الْقَمَرِ لِيُضِيئَا فِيهَا، لأَنَّ مَجْدَ اللهِ قَدْ أَنَارَهَا، وَالْحَمَلُ سِرَاجُهَا. وَأَبْوَابُهَا لَنْ تُغْلَقَ نَهَاراً، لأَنَّ لَيْلاً لاَ يَكُونُ هُنَاكَ" (رؤيا 20: 11؛ 21: 1-2، 23، 25).
ولذلك فإن الشمس والقمر والنجوم ستستمر في إنجاز أهدافها الثلاثة التي عيّنها لها الله ألا وهي: نيرات، مؤقت زمني، وآيات (تك 1: 14) طالما بقيت الأرض (قارن مع تك 8: 22)، حتى خلال دهر الملكوت، بتركيز أُخروي على علامات وآيات وضعها لها الله. ولكن هذه الأجرام السماوية ليست أساسية للوجود البشري وهي بالتأكيد ليست آلهة لتُعبد. إنها جميلة، معقدة، وهامة وظيفياً بالنسبة لسكان الأرض، إلا أنها أدنى أو أقل مستوى من الله الذي خلقها.
السماوات وراء القمر تظهر تنوعاً لا نهاية له (مرصد الولايات المتحدة البحري). مجموعة الثريا المكشوفة، المذكورة في أيوب 9: 9، أيوب 38: 1، وعاموس 5: 8.
[18]- لدراسة دقيقة عن الدهر الآتي، انظر ألفا جي. ماكلين، "عظمة الملكوت" (وينونا ليك، ‘نديانا، منشورات BMH، 1959).
- عدد الزيارات: 5811