Skip to main content

هدف الكون

وأخيراً فإن الكتاب المقدس وحده يمكن أن يخبرنا عن الهدف الأساسي النهائي للكون. الكثير من الفلكيين اليوم يؤكدون على أننا لن نجد أبداً مفتاحاً يدلنا إلى هدف الكون إلى أن نؤسس اتصالاً مع الكائنات المادية العاقلة من مجرات أخرى. يبدو أنه من المؤكد كتابياً أن هذا الباب مغلق بإحكام، لأن الله خلق الحياة على هذا الكوكب وليس في أي مكان آخر.

هناك عدد من الدلالات الكتابية التي تشير بوضوح باتجاه الفرادة المطلقة للحياة المادية على الأرض. يركّز المزمور 115 على لفت انتباهنا إلى فرادة الله كخالق وضابط للكون في تضاد كلي مع الآلهة التي صنعها الإنسان والتي تميز الديانات الوثنية. ويصل صاحب المزامير إلى ذروة رسالته بالقول: "السَّمَاوَاتُ سَمَاوَاتٌ لِلرَّبِّ أَمَّا الأَرْضُ فَأَعْطَاهَا لِبَنِي آدَمَ" (الآية 16). هناك دلالة صحيحة وفي محلها على هذا القول الملهَم وذلك في أن أولئك الذين يعرفون الرب حقاً لا يمكن أن يهددهم أي شيء كان في هذا الكون أو ما وراءه. بمعنى آخر إن الذكاء الوحيد القادم من خارج كوكب الأرض الذي ينبغي أن يُهتمَّ به بعمق أو يُقلقَ بشأنه هو الذكاء الذي من الله نفسه، كما كشف لنا في كلمته.

الآية (أشعياء 45: 18) تضفي ضوءاً هاماً على هذه المسألة الآسرة: "لأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «خَالِقُ السَّمَاوَاتِ هُوَ اللَّهُ. مُصَوِّرُ الأَرْضِ وَصَانِعُهَا. هُوَ قَرَّرَهَا. لَمْ يَخْلُقْهَا أرضاً يباب. لِلسَّكَنِ صَوَّرَهَا. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ". بما أن الكلمة العبرية [tohu ، (תּהוּ)]، تُترجم إلى ((أرض يباب))[19]، وهذه تظهر أيضاً في (تك 1: 2)[20]، فإن هذا القول الوارد في (أشعياء 45: 18) لطالما استُخْدِمَ لتأكيد التفسير الذي يقول بنظرية الفجوة. يفيد هذا الرأي بأن الله قد خلق بالأصل أرضاً كاملة (تك 1: 1) وهذه أصبحت لاحقاً أرضاً "خربةً" بسبب سقوط الشيطان. ومن ثم، وبعد ملايين أو مليارات من السنين، أُعيدَ خلقُ الأرضِ في ستة أيامٍ حرفياً. ولكن، ليس هذا هو مدلول قول أشعياء. فهو يقول أن الله لم يخلق الأرضَ لكي تكون أرضاً "خربةً"، بل خلقها لتكون مسكونةً (خلافاً لكل الكواكب الأخرى). وإذ نعود إلى (تك 1)، نكتشف أن هذه هي الطريقة التي خُلِقَتْ عليها الأرض. فلم تُخلق لتبقى فارغةً خاويةً، بل خُلِقَتْ في ستة أيام وجيزة لتقطنها كل أنواع الكائنات الحية.

بمقارنة القول الوارد في (أشعياء 45: 18) مع (تك 1:2)، بيّنَ معلّمٌ بارز للعهد القديم أن "أشعياء لم ينكر أن الأرض كانت "خربةً" [(tohu، (תּהוּ)]، بل قال أن الرب لم يخلق الأرض لتكون "خربةً"، لأن الأرض الخربة ليست مؤهلة للسكن، ولا تحقق الهدف المرجو من خلقها. بل كان الهدف من خلق الأرض هو أن تكون مأهولة"[21].

إن كانت الحياة المادية العاقلة توجد فقط على الأرض، فلا بد من طرح السؤال: "لماذا تُوجد نجوم ومجرات لا عدد لها في كل أرجاء الكون؟" ولقد تساءل كثير من المسيحيين: "لماذا مضى الله إلى خلق مليارات المجرات ثم وضع الحياة فقط في كوكب صغير نسبياً؟" إجابة على هذا السؤال، لا بد من أن نميز، وقبل كل شيء، أن الجهد أو الطاقة الذي يستهلكه الله ليخلق تريليون مجرة ليس أكثر مما يستهلك منها لخلق كوكب واحد "أَمَا عَرَفْتَ أَمْ لَمْ تَسْمَعْ؟ إِلَهُ الدَّهْرِ الرَّبُّ خَالِقُ أَطْرَافِ الأَرْضِ لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَعْيَا. لَيْسَ عَنْ فَهْمِهِ فَحْصٌ. يُعْطِي الْمُعْيِيَ قُدْرَةً وَلِعَدِيمِ الْقُوَّةِ يُكَثِّرُ شِدَّةً" (أشعياء 40: 28- 29).

لقد تنازل الله ليعطي الناس ثلاثة أسباب لعمله في خلق الكون النجمي. "وَقَالَ اللهُ: «لِتَكُنْ أنْوَارٌ فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتَفْصِلَ بَيْنَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ وَتَكُونَ لآيَاتٍ وَأوْقَاتٍ وَأيَّامٍ وَسِنِينٍ. وَتَكُونَ أنْوَاراً فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتُنِيرَ عَلَى الأرْضِ». وَكَانَ كَذَلِكَ" (تك 1: 14- 15). إن الأهداف الثلاثة المعلَنة لوجود الكون، بما يخص الإنسان، هي: (1) آيات، (2) أوقات، و(3) إنارة ليلاً ونهاراً لسكان الأرض. وليس من داعٍ لسبب رابع لأنه غير مذكور، ألا وهو في الإدعاء القائل بأنه عُني للأرض أن تكون منصات فضائية لمخلوقات عاقلة من خارج الأرض. إن قيمة الرمزية والدلالة العجيبة للأنوار السماوية يؤكدها بشكل واضح المزمور 8، والمزمور 19: 1-2 ورسالة رومية 1: 18-19. بما أنه واضح أن الله قد اعتبر أن هذه الأهداف الرئيسية الثلاثة كافية وافية للخليقة في الكون النجمي، فلذلك ليس من داع لزيادة الأسباب عما قاله الله في الكتاب.

إن الدليل الأكثر أهمية في الكتاب على فرادة الحياة على الأرض هو بلا شك تجسد يسوع المسيح ربنا ومجيئه الثاني. إن الأقنوم الثاني من الله الثالوث، الذي به أتى الكون برمته إلى الوجود (يوحنا 1:1-3؛ كولوسي 1: 16-17؛ عبرانيين 1: 1-2)، قد صار عضواً دائماً باقياً في الجنس البشري بالتجسد (يوحنا 1: 14). إن الدلالات المذهلة لهذه الحقيقة لا يقلل منها أولئك الذين يقرون بأنهم مسيحيون يؤمنون بالكتاب المقدس.

ليس هناك أدنى دليل في الكتاب على أن المجيء الأول للمسيح كان حادثاً غير ذي أهمية نسبياً في حياة ابن الله، وتوقفه لفترة وجيزة على الأرض، في طريقه إلى الكواكب والمجرات الأخرى لكي يحمل إليها رسالة كونية من الوحي والفداء. إن الخالق العظيم الذي صار مخلصنا أخبرنا أيضاً أن نصلي هكذا: "أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى الأَرْضِ" (متى 6: 9- 10). فالأرض، وليس أي كوكب آخر، سيكون مكان ملكوت المسيح.

إذا أخذنا كلَّ واحد على حدا، فسنجد أنه ما من دليل كتابي لوحده كافٍ بذاته ليُظهر فرادة الحياة على الأرض. إلا أنه، في كتاب يُعتبر أنه يعطي البشر كل ما هو ضروري لفهمنا للحياة والكون، من المهم جداً أن ندرك أنه ما من كلمة واحدة قد أُعطيت لتأييد مفهوم حياة عاقلة خارج كوكب الأرض. إن المعرفة العلمية الدنيوية يمكن أن يسعى المرء وراءها من خلال الخشية بأن نكون وحدنا كلياً في الكون. ولكن ليس هذا منظور الكتاب المقدس على الإطلاق. فمليارات من الكائنات الروحية، والتي تدعى "ملائكة" (أي "رسل") مشتركة بعمق في قضايا البشر (مثال: دانيال 10: 20؛ لوقا 20: 36؛ عبرانيين 1: 14). وبالتأكيد، وفوق كل هذه المخلوقات غير المنظورة والقوية الفعالة، نجد الله، خالق كل الأشياء، الذي أعلن نفسه للبشر كآب، وابن، وروح قدس.

 

[19]- في العبرية : (tohu): (תּהוּ)، ومعناها "الأرض اليباب" أو "الأرض البور" (waste land)، ولكنها تُرجِمَتْ إلى (in vain) في الكتاب المقدس الإنكليزي، وإلى "باطلاً" في ترجمة ( (سميث وفاندايك)) العربية. [فريق الترجمة].

[20]- (تك 1: 2): "وَكَانَتِ الأرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً....".

[21]- إدوارد جي. يونغ، "تفسير سفر أشعياء" (غراند رابيدز: إردمانس، 1972)، 3: 211.

  • عدد الزيارات: 6603