الفصل السابع عشر: دليل وأدلة
الطوفان، كما هو مذكور في سفر التكوين، يشكل جزءاً أساسياً من الكتاب المقدس. لكن، واأسفاه، هناك اليوم النشوئيون وبعضٌ من المسيحيين الذين لا يقبلون الرواية عن طوفان كوني وعن فلك نوح. إنهم يرفضونها بالاستناد إلى أسس علمية، على ما يبدو.
إذا تناولنا هذا الموضوع بذهن منفتح لم تستولِ عليه النظريات المغلوطة، فعندئذٍ نجد أن الأدلة كلها تدعم حصول طوفان كوني تماماً كما يحدثنا عنه الكتاب المقدس بالتفصيل. ونستعرض الآن بعض الأمثلة في هذا الخصوص.
1. المستحجرات
تتكوّن المستحجرات عندما يعلق أحد الكائنات الحية ضمن دوّامة من الرواسب ويُدفن فيها بسرعة من دون تعرّضه لظاهرة الفساد الطبيعي أو الافتراس أو التفكك.
إذاً فإن مجرد وجود المستحجرات هو دليل على حصول موت فجائي ومأساوي بواسطة الماء. كما أن انتشار المستحجرات في كل أنحاء العالم يدل أيضاً على حدوث كارثة على مستوى الطوفان الكوني المذكور في الكتاب المقدس.
لنتناول الآن بعض التصريحات التي أدلى بها العلماء حول المستحجرات التي تمّ اكتشافها. فهذه التصريحات تُظهر، ولا شك، مدى جسامة تلك الكارثة.
يكتب فليكوفسكي (Velikkovsky) في كتابه "الأرض في حالة جَيَشان" (Earth in Upfeaval) ما يلي:
عندما تموت سمكة، يطفو جسمها على سطح الماء أو يغرق إلى القعر لكي تلتهمها أسماك أخرى بسرعة فائقة، وبالتحديد في غضون ساعات فقط. أمّا السمكة المستحجرة داخل الصخور، فغالباً ما تظهر محفوظة وجميع عظامها سليمة. كما أنه عثر على أفواج بأكملها من الأسماك ، تعد أفرادها بالمليارات، في حالة كرب وذعر، ولا أثر عليها لتعرّضها لأي افتراس" [1].
يكتب هريبرت نلسون (Heribert- Nilson) التابع للمعهد النباتي السويدي ما يلي:
"عثر داخل قطع الكهرمان، التي قد يبلغ وزنها خمسة كيلوغرامات أو أكثر، على حشرات وأجزاء من زهور محفوظة في أدق تفاصيلها... والغريب في الأمر هو أنها تخص جميع مناطق الأرض..." [2].
هناك أمثلة في جميع أنحاء العالم عن الاكتشافات التالية:
مدافن مستحجرات في نبراسكا (Nebraska) تحوي آلافاً من عظام مستحجرات الثدييات داخل تلة أفقية من تلة جيرية تغمرها المياه طبعاً. وهذه المستحجرات تخص حيوانات من نوع وحيد القرن والجمل والخنازير الضخمة وعدد كبير من أصناف غريبة جداً مختلطة بعضها ببعض.
أكثر من مليار مستحجرة لسمكة الرنة (من صنف السردين)، يراوح طول الواحد بين 15و20 سنتيمتراً، محصورة ضمن رقعة في كاليفورنيا مساحتها 10 كيلومترات مربعة.
الحفر المسمّاة "لا بريا (La Brea) في لوس أنجلوس، تحوي جميع أصناف الحيوانات الموجودة والمنقرضة والتي بحسب التفسير الاتنظامي (Uniformitarian Explanation)، سقطت جميعها في لآن على سبيل الصدفة داخل هذا المدفن اللزج. وبالطبع، هذا الاحتمال غير معقول ولا يُصدَّق.
إن مواقع فرس البحر (Hippopotamus) في صخور صقلية، والمواقع الصخرية الضخمة الحاوية ثدييات في منطقة الصخريات (Rockies) ومواقع الديناصورات في التلال السوداء (Black Hills) كما في صحراء غوبي (Gobi)، كل هذه لا تشكل سوى أمثلة قليلة المدفن الكوني: الدليل الكئيب على إدانة الله هذه الأرض بالطوفان في أيام نوح.
2. الصخور الرسوبية
الصخور الرسوبية على الأرض، أي تلك الصخور الحاوية مستحجرات، قد تكوّنت جميعها تقريباً بفعل المياه الجارية. وهذا التصريح واضح جداً ومقبول على نطاق واسع، حتى إنه لا يحتاج البتة إلى أي برهان أو شرح. فالصخور الرسوبية، بحسب تعريفها، هي التي تكونت بفعل ترسب المواد. وهكذا يعرّف قاموس أوكسفورد هذه الصخور بأنها "مواد أرضية أو فتات حجرية قد استقرت في أماكنها بفعل جريان المياه". ومن الواضح أنه كان ينبغي لهذه الكميات الهائلة من الترسبات أن تكون قد تآكلت من موقع سابق قبل أن جرى نقلها لكي تستقر في مكانها الجديد. وهذه الظاهرة ترافق دائماً حصول أي طوفان. وكان لا بد من وقوع ذلك على نطاق واسع جداً وفريد في نوعه خلال الطوفان العظيم كما ورد في سفر التكوين.
3. المستحجرات المنتشرة على عدّة طبقات صخرية
إن هذه المستحجرات، كما أسلفنا ضمن فقرة سابقة من هذا الكتاب، قد تعود إلى حيوانات أو نباتات، لكنها تتعلق، بشكل خاص، بجذوع الشجر. وهي تنتشر على مدى عدة طبقات صخرية بطول ستة أمتار أو أكثر. وبحسب نظرية النشوء، من المفروض أن يكون تكوين هذه الطبقات قد استغرق ملايين السنين. ومع هذا فإن مستحجرات الأشجار وُجدت في وضعها العمودي أو مقلوبة رأساً على عقب، وهي ممتدة عبر ثلاث أو أربع طبقات صخرية.
وممّا لا شك فيه أنه كان من الضروري أن يُدفن هذا الصنف من المستحجرات بسرعة وإلا لما تسنّى له أن يّحفظ سليماً وفي حالة جيدة خلال تراكُم الطبقات الصخرية فوقه على مدى السنوات المزعومة والتي تُقدّر بالملايين. ولا يبقى لدينا لتفسير ظاهرة هذه المستحجرات سوى عمل الطوفان العظيم وهكذا يأتي وجودها ليقدم دليلاً آخر على طوفان سفر التكوين.
4. الفلقات الجيولوجية
إن العمود الجيولوجي، الذي يرى الجيولوجيون أنه ناجم من تعاقب الطبقات الصخرية بدءاً من الطبقات الأقدم في قعره إلى الطبقات الحديثة العهد في رأسه، لا وجود له كما يزعمون. فثمة صخور قديمة منتشرة على مدى آلاف الكيلومترات فوق طبقات صخرية حديثة، وهي ضخمة وموضوعة عليها بشكل سلس جداً ما ينفي احتمال تفسيرها على أنها وليدة فلقات جيولوجية [4].
5. آثار أقدام الإنسان والديناصورات
وهذا يأتي بنا إلى حوض نهر بالوكسي (Paluxy) الشهير في تكساس حيث عُثر على آثار أقدام الإنسان والديناصور معاً. وقد أدى ذلك إلى نشوء مناقشات حادة حول مدى صحة آثار الأقدام البشرية هذه. ولا نستغرب هذه الغيرة كلها التي تدفع النشوئيين إلى محاولة إبطال برهان كهذا، ذلك لأنه إن كان الناس والديناصورات قد ساروا معاً على هذه الأرض قبل طوفان سفر التكوين الذي حدث منذ أربعة آلاف أو خمسة آلاف سنة، فستظهر نظرية النشوء عندئذٍ على حقيقتها كأعظم خديعة في تاريخ البشرية.
لقد استمرت أعمال التنقيب في موقع غلن روز (Glen Rose) ونهر بالوكسي على مدى عدة أعوام. ثم شُيّد "متحف الأدلة على موقع الخلق" (Creation Evidences Museum) على مقربة من الموقع، كما أن آخر دفعة من التنقيبات جرى دعمها بالوثائق أمام وسائل الإعلام وفي محضر مراقبين مؤهلين مستقلين تجنباً لتكرار المزاعم أن هذه الأدلة قد اصطُنعت [5].
لقد جرى التنقيب عن أكثر من 50 أثراً لأقدام بشرية، وعن عدد أكبر من آثار أقدام الديناصورات. وخُطوات السير تتبع نمطاً منتظماً يمنةً ويسرةً. كما أن بعض آثار الأقدام هذه جاءت أكبر من معدل قياس الرجل البشرية في أيامنا، إذ بلغت 41 سنتيمتراً. وهذا إنما يذكرنا بالآية في سفر التكوين: "كان في الأرض طغاة (عمالقة) في تلك الأيام" (تكوين 6: 4). كذلك عُثر في المستوى نفسه على سن بشرية وعلى إصبع إنسان متحجرتان إلى جانب عدد كبير من المستحجرات الأخرى التي عاشت في حقبات تفصل بينها ملايين السنين بحسب نظرية النشوء.
لا تزال أعمال التنقيب ناشطة ما دام الباحثون يعثرون على المزيد من آثار الأقدام بشرية. وأملنا أن عدداً أكبر من الناس الذين يتتبعون أعمال التنقيب هذه ونتائجها، سيتمكنون من التحرر من غسل الدماغ الذي مارسه عليهم النشوئيون.
تحدث الروس عن عثورهم على 1500 مسلك خلفتها الديناصورات وراءها في تركمانيا. وكان بعض آثار أقدام بشرية. واعتبرت هذه التقارير في ختامها أن اكتشافات كهذه هي "كفيلة بإحداث ثورة في العلوم المختصة بالإنسان. فالبشرية ستكون أقدم ثلاثين ضعفاً كما أن تاريخها سيعود إلى 150 مليون سنة خلت على الأقل" [6]. هذه هي الفترة الزمنية السخيفة التي يلجأ إليها النشوئيون للمحافظة على نظريتهم من الزوال أما نحن فنجد هنا دليلاً آخر على تعايش الديناصور مع الإنسان في وقت من الأوقات. ولا عجب في ذلك إذ إنهما خُلقا معاً في اليوم السادس. كما أن آثار أقدامهم في أكثر مكان يشكل الدليل على فرارهم المأساوي من غضب الله خلال طوفان سفر التكوين.
6. التغيرات المناخية
خرج نوح مع أفراد عائلته من الفلك إلى عالم جديد. ثم ظهر القوس قزح للمرة الأولى بعد المطر كعلامة على أن الله لن يرسل، في ما بعد، طوفاناً آخر على كل الأرض. انخفضت الآن درجة الوقاية من الإشعاعات الخطرة، كما أن الضغط الجوي أصبح أقل ، وكذلك أيضاً نسبة الأوكسجين في الهواء... وكان لهذا كله التأثير المروّع في نوح وفي أفراد عائلته كما في الحيوانات أيضاً.
إن المناخ المعتدل الذي كان يعمّ الكون، كما يظهر من الانتشار الكوني للمستحجرات النباتية والحيوانية قبل الطوفان، زال من الوجود لكي تحل مكانه درجات حرارة متطرفة. وهكذا بات الجليد والثلج يتساقطان من دون أي تحذير مسبق.
فرد هويل (Fred Hoyle)، وهو من مشاهير علماء الرصد الجوي وعلماء الفلك، لاحظ أن درجات الحرارة المتطرفة تنتج من انخفاض نسبة بخار الماء في الجو. وهكذا كتب ما يلي في كتابه: "أقصى ما انتهى إليه علم الفلك" (Frontiers of Astronomy).
"سينشأ بالطبع عصر جليدي لدى انتفاء ظاهرة الاحتباس الحراري من غلافنا الجوي. وهذا يحصل عندما تنخفض، بشكل ملموس، نسبة تلك الغازات في غلافنا الجوي المسئولة عن عرقلة عبور الأشعة تحت الحمراء. وبخار الماء هو الغاز الأهم في هذا المجال. والسؤال الذي يُطرح هنا هو عن السبيل لخفض نسبة بخار الماء في الجو بشكل منتظم، ولا سيما على علو نحو 6000 متر فوق سطح البحر. هنا قد تكمن الإجابة عن لغز العصر الجليدي" [7].
إذاً، من التأثيرات المنطقية لاختفاء المظلة وزوالها خلال الطوفان، هو التجمد المفاجئ الذي ضرب بعض المواقع حيث يدل سجل المستحجرات على أن مناخاً أكثر اعتدالاً كان يخيم في المكان قبلاً. د
ومن الدلائل الرائعة على ما سبق عشرات الآلاف من حيوان الماموث الميتة والمتجمدة في سيبيريا [8]. فبعض هؤلاء عُثر عليها متجمدة وفي حالة جيدة وسليمة بالتمام حيث أن أمعاءها كانت لا تزال تحوي طعاماً. وهذا إنما يشير إلى حصول موت فجائي بسبب التجمد. كما أن عالِمين روسيين كانا قد تمكنا من اكتشاف بقايا مجموعة من الماموث في جزيرة بعيدة تقع عند الناحية الشمالية الشرقية من سيبيريا، أثبتا أنها ماتت قبل 4000 سنة وليس قبل 000,10 سنة كما كان يُظن قبلاً. وهكذا أقرّ في الآونة الأخيرة الدكتور أدريان لستر (D. r Adrian Lister) من جامعة لندن، بحصول خطأ ما، إذ إن عملية إعادة تقويم تاريخ الماموث مع ما رافقها من غيرة وحماسة اعتُبرت "الأعنف بين قصص الباليونتولوجيا".
ولنا برهان آخر أشدُ روعة إذ تمّ اكتشاف الرجل الجليدي في عام 1991 في جبال الألب. وهكذا عرضت مجلة "تايم" في عددها الصادر بتاريخ تشرين الأول (أكتوبر) 1992 تقريراً مفضلاً عمّا أسمته "الاكتشاف الذي أثار المشاعر والمجادلات في آن". لقد تم العثور على الرجل الجليدي بعد ذوبان الثلج جزئياً في منطقة الألب الواقعة على الحدود بين النمسا وإيطاليا. واعتبرت مجلة "تايم" في تقريرها أن هذا الاكتشاف كان قد بدأ يهز أركان بعض المفاهيم المختصة بأواخر العصر الحجري والتي طالما تمسك الناس بها. ومن جهة أخرى، صرح الدكتور لورانس بارفيلد (D.r Lawrence Barfield) في دائرة علم الآثار في جامعة برمنغام، بما يلي: "إن هذا الاكتشاف قد صُمم، على ما يبدو، لإرباك البحاثة في حقبة ما قبل التاريخ" [8].
كان الجسد مكسواً بالثياب وعليه وشمات وقد قُص سعره. كان يحمل معدّات معقدة، ويعرف عن المصنوعات الجلدية. كان معه أيضاً بعض الأسهم ذات التصاميم المعقدة، إلى جانب قوس يبلغ مداه 8,1 متر وفأس من النحاس الصرف بنسبة 99 في المئة. وكانت حقيبته تحوي بعض الفطر الذي كان يستخدم كمضاد للجراثيم.
هذا الاكتشاف أدهش العلماء الذين لم يظنوا أن الناس في ذلك الوقت كانوا متقدمين بهذا الشكل. لمن الكتاب المقدس يحدثنا عن رجال عاشوا قبل الطوفان: يابال الذي كان يسكن الخيام ويرعى المواشي، ويوبال الضارب بالعود والمزمار، وتوبال قايين الذي كان يضرب كل آلة من نحاس وحديد (تكوين 4: 20- 22). كان العالم قد بلغ مستوى من التقدم في زمن الرجل الجليدي، وهذا ما أيّده الاكتشاف.
إن الرجل الجليدي يعود عهده إلى فترة سابقة تراوح بين 4600 سنة و5300 سنة، وذلك استناداً إلى أساليب التأريخ التي تعتمد الكربون. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الزيادة في تقدير التواريخ التي تفوق 4000 سنة بحسب أسلوب الكربون، كما أشار إلى ذلك الدكتور لبّي الجائز جائزة نوبل في هذا الحقل، ومخترع هذا الأسلوب، باستطاعتنا اعتبار أن هذا الشاب المتمتع بالصحة الكاملة قد مات متجمداً على أثر التغير المفاجئ في المناخ الناجم عن طوفان سفر التكوين.
References in English:
1- Velikkovsky, I. Earth in Upheaval, Doubleday and Co., New york, 1955, p.222.
2- Heribert- Nilsson, N. Synthetische Artbildung, pp. 1194- 1195.
3- Whitcomb. J. C. and Morris, H. M. The Genesisi Flood, Presbyterian and reformed Publishing Company, New Jersey, USA, 1993, PP. 160- 161.
4- ibid. PP. 180- 200.
5- Baugh, C. e. and Wilson, C.A. Dinosaur, Promise Publishing Co, CA, 1987.
6- Robstov, C. "Tracking Dinosaurs", Moscow News, No. 24, 1983, p. 10.
7- Hoyle, F. Frontiers of Astronomy, Harpers, New York, 1955, p. 8.
8- Whitcomb, J.C. The World that Perished, Baker Book House, Michigan, 1993, pp. 76- 81.
9- Jaroff, L. "Iceman", Time Magazine, No. 43, October 26, 1992, pp. 56- 60.
- عدد الزيارات: 3244