Skip to main content

الفصل الحادي والعشرون: انتصب، ترَ

"أَلَمْ أَكْتُبْ لَكَ أُمُوراً شَرِيفَةً مِنْ جِهَةِ مُؤَامَرَةٍ وَمَعْرِفَةٍ لِأُعَلِّمَكَ قِسْطَ كَلاَمِ الْحَقِّ لِتَرُدَّ جَوَابَ الْحَقِّ لِلَّذِينَ أَرْسَلُوكَ" (أمثال 22: 20و21).

إنها الليلة الأولى من سلسلة الاحتفالات المعقودة في عام 1996 في عاقة ألبرت الملكية (Royal Albert Hall) بلندن. وكانت الفرقة الموسيقية تعزف مقطوعة "الخلق" لموسيقار هايدن (Haydn). أوضح المعلق أن هايدن كان يومياً، وقبل إقدامه على التأليف، قد دأب على الصلاة حتى تنجح هذه الموسيقى في تجسيد عظمة الخالق الله الخالق وجلاله.

وخلال فترة الاستراحة، قام ت هيئة الإذاعة البريطانية تشرح لنا أن الناس في أيامنا لم يعودوا يؤمنون بالخلق. ثم قالوا لنا إن العلماء يعرفون أن العالم قد تكوّن بفعل  الانفجار الهائل الذي حدث في القديم الغابر.

كذلك أجروا مقابلات مع عدد من الناس الذين دعموا هذا الرأي. وعندما جاء دور أسقف أكسفورد لتقديم النظرة المسيحية حول هذا الموضوع، صرّح بالقول: "نحن نعلم أن الفصول القليلة الأولى في سفر التكوين هي أسطورة".

إن كان المذيعون والعديد من العلماء لا يخجلون من الوقوف مع نظرية الانفجار الهائل، هذه النظرية الرديئة والمشكوك في صحتها، وإن كان بعض قادة الكنيسة الطقسية لا يتوانون عن المجاهرة، من دون أي خجل، بأن رواية الكتاب المقدس عن الخلق لا تتعدى كونها مجرد أسطورة فلماذا نخجل نحن بعد في الوقوف لأجل إيماننا لكي نعلن للملإ ثقتنا  الكاملة بسلطان ومصداقية الكتاب المقدس بجملته، من سفر التكوين إلى سفر الرؤيا، كونه كلمة الله الكاملة؟

من جملة الأسئلة التي غالباً ما تُطرح عليّ لدى انتهائي من الكلام عن هذا الموضوع، ما يلي: "لماذا لم يخبرنا أحد بهذا من قبل؟" فالأحداث في الإيمان يصارعون ضدّ ادعاءات معلميهم وأصدقائهم. ثم تراهم يبحثون عن إجابات من دون معين. لقد بلغني حديثاً، وبالتحديد خلال كتابتي لهذه الفقرة، عن إقدام أحد الطلاب في السادسة عشر من عمره فجأة على إعلام ذويه المسيحيين والمؤمنين بأنه لم يعد يؤمن بالله على الإطلاق. والسبب وراء هذا كله هو مسالة النشوء، إذ إن مدرسته علمتها كأنها حقيقة علمية. ثم كان عليه أن يقرأ أولاً بعض المقالات التي تدعم قضية الخلق وترفض نظرية النشوء، إذ أن هدأ روعه وأدرك أن الكتاب المقدس كامل. وعلى  أثر ذلك امتلأ هذا الشاب غيرة لأجل الرب. من هنا ضرورة أن نقوم بمشاركة أكبر عدد ممكن من الناس في هذه الحقائق. كما يلزمنا أن نأخذ موقفاً صريحاً وجريئاًُ مع خالقنا بمعزل عمّا يقوله الناس أو يفتكرون فيه.

علينا أن نكون مستعدين دائماً لمجاوبة كل من يسألنا.

وذات مرة وبعد انتهائي من محاضرة حول هذا الموضوع، صُعقت إحدى خريجات الجامعة التي كانت تعالج المصابين بحوادث وأمراض بغية تأهيلهم إلى المشي ثانية؛ فخاطبتني بالقول: "إن ما كان تقوله صحيحاً، فأنا باستطاعتي الآن أن أفهم السبب وراء عدم نجاحنا". ثم أردفت تقول أن عملها كان بجملته يتأسس على افتراض أن الجنس البشري نشأ من القرود، وأنه كان بالتالي يسير على أربع قوائم. وهكذا راح الأخصائيون يبنون معالجتهم على عميلة تطوّر من السير على أربع قوائم إلى السير على اثنتين فقط. فإن كان النشوء غير صحيح، فذلك يعني أننا لم نمشِ قط على أربع قوائم؛ والمعالجة لا تؤتي النتائج المطلوبة إذ إنها لا ترتكز على أي دليل علمي. هذه هي إحدى العقوبات التي يتحتم على البشرية مكابدتها بسبب تصديقها أمراً كاذباً.

صرّح أحد العاملين الآخرين في الحقل الطبي أيضاً أن أحد الأطباء لحظ ما يلي في معرض رده حيال عجز أحد مرضاه عن المشي: "إن الحقيقة الأساسية تكمن هنا في حاجتنا كبشر إلى التكيّف بالتمام مع وضع السير على قدمين". (وقد قصدنا عدم الإفصاح عن الأسماء للمحافظة على سرية الأمر وخصوصيته). وهذا يدفعك إلى التفكير في عدد الملايين من السنين التي يحتاج هذا الشخص أن ينتظرنا للتخلص من عجزه هذا. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل من أثر للعلم في هذه الحقول؟ نحن نعيش، ولا شك، في الأيام الأخيرة عندما الناس "فَيَصْرِفُونَ مَسَامِعَهُمْ عَنِ الْحَقِّ، وَيَنْحَرِفُونَ إِلَى الْخُرَافَاتِ". لكن الرب يناشدنا بالقول: "وَأَمَّا أَنْتَ فَاصْحُ فِي كُلِّ شَيْءٍ" (2 تيموثاوس 4: 4، 5).

الحق متوافر بين أيدينا: "كلامك هو حق" (يوحنا 17: 17). لننتصبْ فيَِرونا. فهناك العديد من المخدوعين في الخارج والذين يقعون يومياً ضحية المعلمين والأخصائيين والكتب والمجلات وبرامج الراديو والتلفاز التي تعرض شتى أنواع البرامج. وكان بولس قد كتب عن هذا الأمر إلى تيموتاوس منبهاً إياه على الناس في الأيام الأخيرة: "يَتَعَلَّمْنَ فِي كُلِّ حِينٍ، وَلاَ يَسْتَطِعْنَ أَنْ يُقْبِلْنَ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ أَبَداً...             لَكِنَّهُمْ لاَ يَتَقَدَّمُونَ أَكْثَرَ، لأَنَّ حُمْقَهُمْ سَيَكُونُ وَاضِحاً لِلْجَمِيعِ" (2 تيموثاوس 3: 7، 9). ومن مسؤوليتنا أن نجعل حمقهم واضحاً للجميع قبل أن ينجحوا في تضليل المزيد من الماس بحملهم على تصديق الكذبة.

  • عدد الزيارات: 3075