الفصل السادس عشر: الطوفان
تكلم الله فحدثت ثلاثة أمور:
1. "انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم" (تكوين 7: 11)
2. وانفتحت طاقات السماء" (تكوين 7: 11)
3. "وكان المطر على الأرض أربعين يوماً وأربعين ليلة" (تكوين 7: 12)
لنتناول أولاً سؤالين مألوفين:
- من أين أتت المياه؟
- أين ذهبت المياه التي غطّت الجبال؟
إن الجواب عن السؤال الأول، "من أين أتت المياه؟"، بسيط: كانت تلك المياه المختزنة داخل المظلة المائية منذ اليوم الثاني من أسبوع الخلق. وكان الله قد أوجد هذه المظلة لحماية خليقته ولتأمين الغلاف الجوي الكامل والأنسب لصحة الإنسان ونموّه. لكن عندما تفاقم عصيان الإنسان في نظر الله، أصبحت هذه المظلة عينها مصدراً كافياً للمياه التي تسببت بالطوفان المروّع.
أما الجواب عن السؤال الثاني، أين ذهبت المياه التي غطّت الجبال؟"، فقد ورد أيضاً في الكتاب المقدس، كما أن الدليل على هذه الحقيقة منتشر في كل مكان حولنا. فالكتاب المقدس يخبرنا بان المياه غطت جميع الحبال الموجودة آنذاك، والمشار إليها في سفر التكوين كتلال عالية، وذلك حتى ارتفاع 15 ذراعاً: "فتغطت جميع الجبال (التلال بحسب الترجمة الانكليزية) الشامخة التي تحت كل السماء. خمس عشر ذراعاً في الارتفاع تعاظمت المياه" (تكوين 7: 19و20).
ولنتذكر أن الأرض، قبل الطوفان، كانت مختلفة عمّا هي عليه الآن. فالمطر لم يكن معروفاً قبل الطوفان، وذلك بشهادة الكتاب المقدس:
"... لأن الرب الإله لم يكن قد أمطر على الأرض... ثم كان ضباب يطلع من الأرض ويسقي كل وجه الأرض" (تكوين 2: 5و6).
لم يكن هناك أية جبال شامخة، ولا رياح هوجاء أو ثلج أو مطر قبل الطوفان. ذلك لأنه لم يكن لهذه جميعها أي دور داخل العالم الكامل الذي خلقه الله. فالأرض كلها كانت تشهد مناخاً معتدلاً كما يظهر من سجل المستحجرات. غابت أية طبوغرافيا للأرض كما زالت من الوجود جميع سماتها أو معالمها السطحية، وذلك بفعل مياه الطوفان الطامية التي غطت العالم بأسره. وبعد هذا بدأت الجبال الشامخة تظهر.
"كسَوْتَها (أي الأرض) الغمرَ كثوب. فوق الجبال تقف المياه. من انتهارك تهرب من صوت رعدك تفر. تصعد إلى الجبال. تنزل إلى البقاع إلى الموضوع الذي أسسته لها" (المزمور 104: 6- 8).
وهكذا يتبيّن لنا أن سلاسل الجبال المنتشرة الآن في العالم قد تكونت إبان الطوفان أو بعده. والأدلة على ذلك كثيرة:
يرى معظم الجيولوجيين أن المساحات الجبلية الشاسعة كانت قد ارتفعت منذ وجود الإنسان على الأرض.
كانت هذه المساحات غارقة تحت المياه. ويؤكد ذلك قمم الجبال المكونة إلى حد كبير من طبقات صخرية بحريو وغالباً ما تحوي مستحجرات بحرية حديثة العهد.
إن عملية تكوين الجبال لا تزال موضوع جدل بين علماء الفيزياء الأرضية، إلا أن ما رافق الطوفان العظيم من تآكل، يعرض الحلَّ الأنسب والمنطقي لإيجاد الجواب الصحيح.
إن الارتفاعات الجبلية العظمى مع الانخفاضات في أحواض البحار ظن كان سيرافقها حتماً وفرة من نشاطات أخرى متعلقة بالزلازل، من صنف الفلقات في قشرة الأرض والطيات والضغوط وحركات الأرض على أشكالها. وهكذا باستطاعتنا تفسير ظاهرة حزام الزلازل في الوقت الحاضر مع نشاط الزلازل المتواصل حول العالم، على أنهما من الإفرازات الباقية من تكوين المرتفعات العظيمة بعد الطوفان.
وهذا الأمر عينه ينطبق أيضاً على ظاهرة البراكين المنبعثة من الأرض: انفجار ينابيع الغمر (تكوين 7: 11). إن عملية توازن القشرة الأرضية، ولا سيما المرتفعات الجبلية، التي حصلت بعد الطوفان، لا بد من أنها كانت قد تسببت بإطلاق كميات إضافية من المواد البركانية. ويظهر هذا من خلال العدد الهائل من السهول البركانية الحديثة العهد المنتشرة حول العالم. كما يدل على ذلك أيضاً العدد الكبير من البراكين التي لم تنطفئ إلا في الآونة الأخيرة، ناهيك بتلك التي لا تزال ناشطة حتى اليوم.
لكن ، على أي عمق تغطت الجبال؟ يذكر الكتاب المقدس أن مياه الطوفان تعاظمت حتى ارتفاع 15 ذراعاً فوق الأرض. وإذا قام أحدنا بحساب كمية المياه الضرورية لجعل فلك نوح يطفو فالنتيجة التي يحصل عليها، ويا للعجب، هي 15 ذراعاً. فالله يقول لنا اليوم إنه حرص على جعل الفلك يطفو بأمان فوق أعلى الجبال من دون أن يصاب بأي أذى حتى خشب الجفر في أقضى أسفل المركب. فما أعظم إلهنا الذي يهتم بكل تفاصيل حياتنا.
يذكر لنا الكتاب المقدس أن الفلك استقرّ على جبال أراراط. ثم سرعان ما تبدل المناخ كما سنرى فيما بعد، وبدأ تساقط الثلوج. وفي نهاية المطاف، أصبح الجبل محتجزاً باستمرار داخل قلنسوة من جليد. ولعل الفلك بقي هو نفسه محفوظاً في الجليد على مدى آلاف السنين، كأنه أشبه بنصب يشهد بصمت على دينونة الله على عالم الفجار.
من حين إلى آخر، على مر العصور المتعاقبة، يتحدث المسافرون، خلال فترات ذوبان الثلج، عن رؤيتهم ناتئاً من قلنسوة الجليد. ثم ازداد عدد هذه التقارير، حتى باتت مقنعة أكثر فأكثر، الأمر الذي أسفر عنه تنظيم سلسلة رحلات انطلق فيها عدد من المغامرين سعياً لتحديد موقع الفلك. ولم يخلُ ذلك من الصعوبات والأخطار، بسبب طبيعة الجبل ونظراً للاضطرابات السياسية التي تشهدها المنطقة [1].
هل سيتمكن أحدنا من العثور على فلك نوح؟ يعتمد هذا كلُّه على مدى رغبة الرب في إعلان هذا الفلك للعالم في الوقت الحاضر. إلا أن هذا لا يؤثر بشيء في إيماننا بكلمة الله. ففلك نوح حقيقة لكونه موجوداً في الكتاب المقدس.
والدعوة للمؤمنين هي من جديد إلى التمسك بحرفية كلمة الله، لأنها كاملة من كل وجه. فالعلم الحقيقي يتفق مع رواية الطوفان؛ والبرهان منتشر في كل مكان حولنا: على طوفان كوني حصل فجأة قبل آلاف السنين؛ وعلى فلك صمم على نحوٍ كامل لمقاومة الظروف القاسية المذكورة في سفر التكوين. هذا الفلك الذي حَضَنَ نوحاً وعائلته مع اثنين من كل نوع من الحيوانات وحفظهم جميعاً سالمين إلى حين تراجع مياه الطوفان. كذلك يشهد هذا البرهان على غلاف جوي مختلف وغير مألوف لدينا لأنه قادر على إعلان وعد الله: قوس القزح.
هذا البرهان هو إذاً واضح كنور الشمس، وهكذا لا يبقى أي عذر للذين اختاروا ألا يؤمنوا.
References in English
1. Morris. J. D. Noah s Ark and the Ararat Adventure, Master Books Colorado Springs, USA, 1994.
- عدد الزيارات: 4112