Skip to main content

الفصل الثامن عشر: لغز الديناصورات

إن الذين يقبلون بسلطان كلمة الله وبكمالها لا يستصعبون البتة الإيمان بأن الله خلق الإنسان والديناصور في اليوم عينه. ففي سفر التكوين، نقرأ أن الله في اليوم السادس من أسبوع الخلق "عمل وحوش الأرض". وفي اليوم عينه، "قال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تكوين 1: 25و26).

لكننا نُجابَه بالتصريح القائل إن الديناصورات انقرضت قبل ظهور الإنسان على الساحة بفترة 70 مليون سنة. إن أفكاراً كهذه ينشرها ويروجها بكل نشاط المعلمون والكتب والمجلات العلمية وبرامج الإذاعة والتلفاز وحتى قصص الأولاد أيضاً. يُقال لنا إن هذا الأمر حقيقة، ما دام العلماء قد أجمعوا عليه. ولهذا السبب يُعلَّم بكل سلطان.

أودّ طمأنة القارئ العزيز على أنه ليس هناك أي دليل علمي يؤكد أن الديناصورات عاشت قبل ملايين السنين. فنحن رأينا  في الفصول السابقة من هذا الكتاب كيف أن أساليب التأريخ المعتمدة تفتقر إلى جميع أشكال المصداقية العلمية، وكيف أن السبب الوحيد الذي يدفع النشوئيين إلى اختيار الملايين والمليارات من السنين هو حماية نظرية النشوء من الانحلال والزوال.

من جملة التساؤلات التي يثيرها الناس لدى طرح موضوع الديناصورات، نذكر ما يلي:

- إن كانت الديناصورات قوية بهذا المقدار، فلماذا سها الكتاب المقدس عن ذكرها؟

- كيف كان بالإمكان إدخال الديناصورات إلى فلك نوح؟

- كيف انقرضت الديناصورات، ولماذا؟

سأعرض الإجابات عن هذه الأسئلة بالاستناد إلى كل من الدليل العلمي وكلمة الله.

إن التسمية "ديناصور" أُطلقت على تلك المستحجرات الضخمة التي عثر عليها علماء الباليونتوجيا. لذا، يجب ألا يتوقع أحدنا إيجاد هذه الكلمة عينها في الكتاب المقدس. إلا أن هذا لا يعني أن الكتاب المقدس سها عن ذكر تلك الحيوانات الضخمة. فنحن نقرأ في سفر أيوب عن حيوان يُدعى "بهيموث" . وكل من يطالع بدقة وصف بهيموث في الكتاب المقدس، يستنتج، من دون أدنى شك، أنه ديناصور. يمدّنا الفصل الأربعون من سفر أيوب بالتفاصيل الضرورية:

1. "هوذا بهيموث الذي صنعته معك..." (أيوب 40: 15). إن كلمة الله واضحة منسجمة مع نفسها، بما لا يرقى إليه أي شك: لقد خُلق أيوب (الإنسان) وبهيموث (الديناصور) معاً في اليوم عينه: "الذي صنعته معك".

2. "يخفض ذنبه كأرزة. عروق فخديه مضفورة" (أيوب 40: 17). يقول بعض المسفرين إن بهيموث هو فيل، غير أن لا شبه على الإطلاق بين ذنب الفيل وشجرة الأرز. فاتجاه شجرة الأرز هو على فوق. فلو كان النشوئيون، ولا سيما القيّمون على متاحف تاريخ العلوم الطبيعية، يقرأون كتبهم المقدسة لعرفوا من سفر أيوب أن ذنب الديناصور يرتفع إلى فوق على شاكلة الأرزة. وكان هذا وفر عليهم الإحراج حين أقفلوا جميع المتاحف تاريخ العلوم الطبيعية المنتشرة في جميع أنحاء العالم قبل عدة سنوات، بقصد تحويل أذناب الديناصورات في الاتجاه الصحيح إلى فوق. كانوا في بداية الأمر قد جعلوا ذنب الديناصور إلى أسفل. ثم اكتشفوا أن الذنب في هذه الحال كان يجب أن يخلّف وراءه "آثار أذناب" بسبب ضخامة وزنه، وذلك حيثما تم العثور على آثار  أقدام الديناصور. وأخيراً، وبسبب عجزهم عن اكتشاف أي أثر لهذه الأذناب، قرروا أنه كان يجب أن تتجه هذه الأذناب إلى فوق. يصف القسم الثاني من العدد الصفائح التي غطت بعض الديناصورات والتي ظهرت كعروق مضفورة معاً.

3. "عظامه أنابيب نحاس، جرمها حديد ممطول" (أيوب 40: 18). هذا يشكل وصفاً دقيقاً جداً لقوة عظام الديناصور كما أظهرت المستحجرات المكتشفة.

4. "هو أول (أضخم) أعمال الله" (أيوب 40: 19). هناك إجماع على أن الديناصورات كانت الأضخم بين الحيوانات. ولعلّ أيوب كان يشاهد ما نسميه اليوم "براخيوسوروس" (Brachiosaurus)، والذي كان يزن نحو 90 طناً، وكان يقارب طوله 25 متراً. حقاً إنه أول أعمال الله.

5. "هوذا النهر يفيض فلا يفر هو" (أيوب 40: 23). يصف هذا العدد حجم هذا الحيوان، إذ إنه يتنقل ببطء بسبب ضخامة جسمه وثقل وزنه.

6. "... هل يثقب أنفه بخزامة" (أيوب 40: 24). من الخصائص التي انفرد فيها براخيوسوروس هو أن أنفه لم يكن يحمل عند طرفه ثقبين، على غرار معظم الحيوانات الأخرى، لكنها كانت تقع داخل قبة عظيمة فوق رأسه.

في ظني أن كل من يقرأ وصف بهيموث في سفر أيوب، لن يبقى عنده أي شك في أن الاسم الحقيقي للديناصور هو بهيموث. والجدير ذكره أن هذه التسمية تتكون من اللفظتين "به" و"موت" أي "به موت". ويا للفارق الشاسع بينه وبين الرب يسوع الذي قيل عنه "فيه كانت الحياة" (يوحنا 1: 4).

يتناول السؤال الثاني فلك نوح والسبيل لإمكانية إدخال الديناصورات إليه. سبق لنا أن رأينا في الفصل 15 أنه كان هناك متسع من المكان داخل الفلك لاحتواء اثنين من كل نوع من الحيوانات بما في ذلك الديناصورات. لقد كان باستطاعة إحدى الطبقات الثلاثة داخل الفلك، التي بناها نوح بموجب تعليمات الله له في سفر التكوين، أن تستوعب هذه الكائنات جميعها. ولنتذكر أن نوحاً لم يكن في حاجة إلى أن يصطحب معه على متن الفلك الديناصورات الضخمة جداً. لكنه أخذ معه، على الأرجح، عينات عن حيوانات شابة وصحيحة البنية.

ثم يأتي السؤال الثالث كيف انقرضت الديناصورات؟ يجد النشوئيون أنفسهم في ورطة لدى محاولتهم الإجابة عن هذا السؤال. لذا قدّموا على مر السنين أكثر من عشرين نظرية لتفسير ظاهرة انقراض الديناصورات. كانوا في كل مرة يعرضون دراسة جديدة تحتوي على أفكار جديدة، يمهدون لذلك بكشف نقائض النظرية السابقة ومدى ابتعادها عن المفاهيم العلمية الصحيحة. وفي الآونة الأخيرة، نشرت مجلتنا "تايم" و"نشِنال جيوغرافيك" [1] عن اضطرار بعض النشوئيين إلى الاعتراف بأن الجواب المنطقي يبقي القول إن الديناصورات يجب أن تكون قد انقرضت على أثر حدوث كارثة طبيعية من صنف الطوفان. لكنهم لم يأتوا على ذكر نوح أو سفر التكوين، وذلك لأسباب واضحة.

باستطاعتنا تفسير ظاهرة غياب الديناصورات الضخمة اليوم، بشكل يتفق مع العلم الحقيقي. فالعلم يعتبر أن الديناصورات هي "سحالي رهيبة". والسحالي تختلف عن سائر الحيوانات في قدرتها على الاستمرار في النمو في الحجم طيلة فترة حياتها. فالإنسان مثلاً، يستمر نموه في الطول حتى بلوغه نحو الثامنة عشر من عمره، حين لا يعود يشهد طوله أي ازدياد ولو عاش هذا الإنسان حتى سن المئة. يشرح لنا الكتاب المقدس أن نوحاً مع الكائنات الأخرى خرجوا بعد الطوفان إلى عالم آخر مختلف عن العالم السابق. فالمنطقة المائية (أو الجَلَد المذكور في تكوين 1: 7)، كانت قد أفرغت ملء سعتها على الأرض خلال الطوفان. كذلك يخبرنا الكتاب المقدس بأن الله قصر حياة الإنسان لكي لا تعود تتعدى نحو عِشر ما كانت عليه قبل الطوفان (تكوين 6: 3). وبإمكاننا افتراض أن هذا الأمر عينه سرى مفعوله أيضاً على حياة الحيوانات حتى الديناصور الذي كان يعيش، فرضاًَ، حتى سن المئة قبل الطوفان، وكان ينمو حتى علو 15 متراً، بات يعيش ربما بعد الطوفان بين 10و20 سنة فقط، ولا يتعدى طوله ثلاثة أمتار. وهذا يفسر علمياً ظاهرة زوال الديناصورات الضخمة، إلى جانب توافر أنواع من السحالي الضخمة، حالياً، من صنف الديناصور في أماكن كجزيرة كومودو (Komodo) الأندونيسية، والتي قد يفوق طولها ثلاثة أمتار [2].

ومن التغيرات الرئيسية التي طرأت بعد الطوفان كان انخفاض نسبة الأكسجين داخل الغلاف الجوي وانخفاض مماثل في الضغط الجوي كما ذكرنا في الفصل الرابع عشر. كان لهذه التغييرات، ولا شك، انعكاسات سلبية على الديناصورات الضخمة. فسجل المستحجرات أظهر أن قدرة صدور الديناصورات على استيعاب الهواء كانت قليلة بالنسبة إلى ضخامة حجمها. وهكذا على أثر انخفاض كمية الأكسجين في الهواء مع انخفاض الضغط الجوي بعد الطوفان، بات صعباً على الأكسجين أن يبلغ إلى جميع أقسام أجسادها. وهذا كلُّه جعل من الصعب جداً على الديناصورات الضخمة أن تبقى على قيد الحياة، الأمر الذي أدّى إلى انقراضها.

لا يرى العلم الحقيقي أية صعوبة في قبول رواية الخلق بحرفيتها كما تظهر في سفر التكوين. لقد خلق الله الإنسان والديناصور في اليوم عينه. وكلاهما دخلا فلك نوح ثم خرجا منه إلى عالم آخر لكي يعيشا حياة أقصر من قبل. وعلى هذا الأساس، لم تعد الديناصورات لتنمو حتى تبلغ ذلك الحجم الضخم نفسه الذي كان طبيعياً في الفترة التي سبقت الطوفان. ونحن كمسيحيين نملك الأجوبة للرد على أولئك الذين يشكّكون في صحة الكتاب المقدس، وعلى الذين يلقّنون أولادنا وشبابنا أفكاراً مغلوطة عن الديناصورات. إنهم يحاولون استخدام هذه القصص لزعزعة إيمانهم بكلمة الله أو للازدراء بها.

ليس في وسعنا المساومة مع نظرية النشوء حول أية مسألة مهما بدت بسيطة كمسألة الديناصورات مثلاً. فإذا سمحنا لمعلمينا وكتّابنا بأن يعلّموا أولادنا أن الديناصورات انقرضت 70 مليون سنة قبل ظهور الإنسان، فعندئذ لن يعود هؤلاء الأولاد يثقون بالكتاب المقدس ولا بالله أله الكتاب المقدس. فإنهم بذلك يتصورونه تعالى أنه يجهل كل ما يتعلق بالعلم. إنهم يرفضون الكتاب المقدس، ويخسرون بذلك فرصة التعرّف بالمخلّص، فرصة ربما لا تتكرّر. من هنا ضرورة أن نقف ثابتين وراسخين لتقديم الحق في كل فرصة "في وقت مناسب وغير مناسب" (2 تيموثاوس 4: 2).

References in English

1. Gore, r. "Dinosaurs", National Geography Magazin, Vol. 183, No. 1, January 1993, P. 26.

2. Whitcomb, J. C. The World that Peished, Baker Book House, Michigan, 1993, PP. 30- 31.

  • عدد الزيارات: 6234