Skip to main content

مريم المجدلية

إذا كان الظن صحيحاً بأن مريم المجدلية تعني ببساطة أنها مريم التي انحدرت من مدينة مجدل (أو مجدالا) فهذا يعني أنها جليلة وجاءت من شواطئ بحر الجليل. والملاحظات في لوقا 23: 49 و 55 تؤكد لنا أن مريم (انظر ص 8: 2 و 3) أتت من الجليل وبالتالي يتأكد لنا الاستنتاج عليها. فإذا كان الأمر كذلك يصبح الاعتقاد بأن مريم المجدلية هي بعينها مريم التي من بيت عنيا، والذي افترضه كتاب قدامى كثيرون، بلا أساس صحيح مطلقاً. كما نعتقد أن محاولة الرب بينها وبين المرأة التي كانت "خاطئة" وغسلت قدمي الرب بدموعها ومسحتهما بشعر رأسها وكانت تقبل قدميه كما جاءت في لوقا 7 إنما هي محاولة باطلة فعند دراسة النصوص جيداً نجد أن المرأة التي كانت خاطئة ومريم من بيت عنيا ومريم المجدلية، ثلاث شخصيات متميزة، وعلينا أن نميز كذلك بين مسح قدمي الرب في لوقا 7 وبين دهن قدميه المسجلة في كل من متى ومرقس ويوحنا. لاشك أيضاً اختلاف أدبي واضح ذات معنى متميز تجعلهما مختلفتين تماما فعندما نقرأ النصين في روحهما لا في حرفيتهما نصل إلى الحقيقة بأن الروايتين تختلف فيهما حالة النفوس ومراحل الاختبار الروحي التي توصف بهما كل حالة.

ويرد أول ذكر لمريم المجدلية في لوقا 8 وعلينا أن نقرأ النص كله ليمكننا أن نفهم فهماً صحيحاً معناه الحقيقي "وعلى إثر ذلك كان يسير في مدينة وقرية يكرز ويبشر بملكوت الله ومعها الاثنا عشر. وبعض النساء كن قد شفين من أرواح شريرة وأمراض. مريم التي تدعى المجدلية التي خرج منها سبعة شياطين. ويونا امرأة خوزى وكيل هيرودس وسوسنة وأخر كثيرات كن يخدمنه من أموالهن" (ع 1 - 3). في هذه الكلمات المختصرة نتبين حقيقة موضوع الإصحاح أساساً وهو خدمة الكلمة وبشارة ملكوت الله التي يرافقها تأثيرها على النفوس بقوة الله. ويذكر أولاً كمثال مريم المجدلية بعد الاثني عشر – فحالتها السابقة التي بلغت قمة المأساة إذ كان قد امتلكها سبعة شياطين وصارت تحت سيطرتهم الكاملة. أما كيف وصلت إلى هذا الحد أو ما هي الصورة التي كانت هذه القوى الشيطانية تظهر بها نفسها فلا يخبرنا الكتاب. ومن الصعب أن نقتنع بأن الشيطان يمكنه أن يؤكد على سيطرته التامة على النفس ما لم تنغمس النفس في حياة الإثم والخطية. وفي الإصحاح عينه نرى في رواية مجنون كورة الجدريين النتائج المؤلمة لسيطرة إبليس التامة. وتكفينا هذه الحقيقة بأن سبعة شياطين قد اتخذوا مسكنهم في نفس المجدلية وجعلوها إناءً لقوتهم الشريرة. ولقد دعاها الناس بأنها شيطانية خطيرة وبالتالي تجنبوها فصارت مكروهة، وأضحوكة بسبب عواطفها غير المنضبطة، وبؤسها وحزنها الذي لا يوصف.

ولكن عيني الله كانت تتتبع، بحسب مقاصد نعمته الأبدية في المسيح، لتستريح في هذه النفس المسكينة التي فسدت وتدنست لقد جاءت في طريق الرب يسوع في زمانه إذ كانت من بين النفوس الهالكة التي جاء ليطلبها ويخلصها. لم يعلن لنا أين وجدها ولكننا نعرف أن قدميه المباركتين كانتا تطئا شواطئ بحر الجليل. ومجدالا لم تكن بعيدة جداً عن كفرناحوم حيث كان الرب أحياناً يقيم في بيت أثناء خدمته (انظر مرقس 2: 1). والتقى بهذه النفس المنبوذة والمسكينة وبقوة كلمته طرد منها السبعة الشياطين. وحررها من سلطان الظلمة ونقلها إلى ملكوت الله الذي جاء ليعلنه. قيا له من تغيير مبارك! تلك التي كانت عبدة لإبليس تتمم أوامره وكيفما كانت بغيضة وشريرة في جسدها ونفسها وهي تحت حكمه الشرير ولكنها أحضرت الآن إلى دائرة مباركة حيث تتعظم النعمة ويتمجد الله وحيث تجلس عند قدمي الرب يسوع لابسة وعاقلة. حقاً إنه انتقال من الظلمة إلى النور ومن العبودية إلى الحرية. وبكل يقين فإن قلبها صار في لحن منسجم بالشكر مع مخلصها. ومرة أخرى نقول يا له من تغيير مبارك! قبلاً كانت سبعة شياطين تحكم قبضتها عليها وأما الآن فقد امتلك قلبها الرب يسوع وحفظها لنفسه واجتذبها من ذلك الحين لتتبعه في طريق التكريس والمحبة.

إن النتيجة الأولى لكلمة الرب هي التحرر و العتق وبعد ذلك الانجذاب. نقرأ "ومعه (أي يسوع) الإثنا عشر وبعض النساء كن قد شقين من أرواح شريرة وأمراض مريم التي تدعى المجدلية. إلخ". لذلك فقد كانت مريم واحدة من أولئك الذين كان لهم الامتياز الذي لا يوصف بأن يكونوا مع الرب في بعض رحلاته التبشيرية. كيف تأتي لها أن تكون في رفقة وكيف صار لها أن تتوقع البركة مع أولئك الذين في مجد ملكوته سيتبعون الخروف حيثما يذهب؟ الإجابة البسيطة لهذا السؤال أنها اجتذبت بالنعمة لمخلصها. إنها صفة هذا الإنجيل التي تنساب فيها النعمة بكل قوة من ربنا ومخلصنا حتى أن أولئك الذي صاروا غرضاً لها في أعوازهم وأحزانهم قد أخضعوا وتحرروا من كل ما يعوقهم، واجتذبوا مثل لاوى ليتبعوه في طريق التلمذة والتكريس له ولهذا لا يمكنهم بدونه أن يفعلوا ذلك إذ صار هو الغرض المشبع لقلوبهم. هكذا كان الأمر مع مريم ومنذ يوم عتقها تميزت بهذه الخاصية وهي المحبة الشديدة. إنها أحبت ذاك الذي أحبها قبلاً وكما نلاحظ غالباً فإنه لا شيء يرضي المحبة بخلاف رفقة غرضها. ولذلك وجدنا أن مريم كانت مع يسوع، ومعه في فرح منقطع النظير لخلاصها من قوة الشيطان، ومعه في آلام سياحته، ومعه في يوم رفضه، ومعه في جاذبية وتعبد إذ فتحت عيناها بقدر ما لتميز مجد شخصه. إنها بلا شك كانت تتعلم أكثر (كما نرى ذلك عندما نتتبع تاريخها) ولكنها الآن في رفقة ابن الله المحبوب ذاك الذي تركزت فيه كل مقاصد الله وأفكاره. كانت تسر بذاك الذي كان هو مسرة الله به. وإذ كانت في رفقة فلا مجال لنوال أي بركة بدونه. ولذلك لم يكن هناك مكان على الأرض يساوي ما شغلته مريم والذين كانوا معها في رفقة يسوع.

يبقى هناك نتيجة أخرى لإعلان المسيح لقلبها بواسطة كلمته. فبعدما يعدد الأسماء مريم ويونا امرأة خوزى وكيل هيرودس وسوسنة، يرجع فيقول "وأخر كثيرات كم يخدمنه من أموالهن". ونفهم من الجملة الأخيرة أنها تنطبق على جميع النساء المذكورات ومنهن مريم وهي واحدة ممن صار لهن امتياز التمتع بهذه الخدم المباركة. ويستتبع هذه الحقيقة التي تقررت أمران أولهما الاعتراف بأن مريم ارتبطت تماماً بالرب. وثانيهما أنه مهما امتلكت فهذه تحت صرفه ولصالح خدمته. هذان الأمران يرينا كيف افتدي مريم تماماً من يد العدو وكيف أقرت تماماً بسلطان الذي فداها. ونجد ذات الشيء في حالة حماة سمعان بطرس التي أخذتها حمى شديدة. وعندما أجاب الرب لتوسلات الذين طلبوا لأجلها فإنه "وقف فوقها وانتهر الحمى فتركتها وفي الحال قامت وصارت تخدمهم" (ص 4: 38 و 39) وحسناً نطلب إن كنا نتتبع هذين المثلين مريم وحماة سمعان. وهكذا يجب أن تكون البداية للنفس المتجددة إنها ليست النهاية التي تصل إليها نفوس بعد سنوات طويلة من اللامبالاة والاختبارات المؤسفة ولكنها هي البداية. إن حياتنا المسيحية ستكون أكثر سعادة إذ كانت كذلك وشهادتنا للمسيح ستضيء بلمعان في الظلمة المحيطة بنا. وإذا كان تقديرنا لهذا المثال وهو مريم يؤكد هذا قوة لنا ويصبح فعالاً في قلوبنا نحتاج أن يشرق النور ليظهر كل المعوقات ونحتاج إلى نعمة لنحكم عليها لتكون نفوسنا في حرية مبهجة لنكون مع الرب في ألفة في عواطفه لنتبعه أينما يقودنا ولكي نخدمه حسبما يعطينا الامتياز والفرصة لذلك.

  • عدد الزيارات: 8643