مريم كمرسلة من الرب
وقبل أن نتناول هذه النقطة من الضروري أن نحدد بكلمات قليلة مركز مريم. ونقتبس هنا لغة جميلة وحلوة قالها أحدهم: "أنا لا أشك أنا مريم (قبلما يجعل الرب نفسه معروفاً لها كالقائم من الأموات) كانت تمثل البقية اليهودية في ذلك اليوم والمرتبطة جداً بالرب ولكنها لم تعرف قوة قيامته. كانت وحيدة في محبتها وقوة عاطفتها التي جعلتها في عزلة. لم تكن هي وحدها التي خلصت ولكنها أتت بمفردها تطلبه وتبحث عنه – صحيح أنها بحثت عنه بطريقة خاطئة – قبلما تستعلن شهادة مجده في عالم الظلمة لأنها أحبته شخصياً.... يا له من قلب محب.... ومشغول بيسوع، عندما كانت شهادة الإنسان لا تزال مطلوبة. إنه لها أعلن بيسوع نفسه أولاً عندما قام من الأموات". وهذا يوضح لنا تماماً كلمات يسوع لها "لا تلمسيني". لابد أن مريم قامت بإيماءة أو مدت يدها للتعبير عن حرارة محبتها كما لو أن يسوع القائم يصبح الآن المسيا على ا لأرض ولكنه لم يعد الآن ليؤسس ملكوته على الأرض إذ قال لمريم أنه لم يصعد إلى أبيه. وقبل أن يظهر مجده في هذا العالم كان عليه أن يربط مفدييه بنفسه بروابط سماوية. قال قبل ذلك إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فيه وحدها ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير. لقد مات وظهر الثمر والآن يضع خاصته معه على أساس الفداء في علاقاته السماوية. وهنا نجد لمحة لمقاصد الله إذ يجعل خاصته مشابهين لصورة ابنه الذي مجد الله على الأرض وأكمل العمل الذي أعطاه إياه أن يعمل، وهو يقترب الآن من تمجيده كالإنسان – كرجل مشورات الله – عن يمين الله.
بهذه الحقائق المجيدة كانت مريم مكلفة لكي تُرسَل. قال لها الرب "اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم". وقبلما تتمكن مريم من حمل رسالة كهذه (إذ كان لابد لها أن تكون في هذا الحق بقدر ما) كان عيلها أن تتعلم من ذلك الوقت أنها لن تعرف المسيح حسب الجسد كما كانت تعرفه قبلاً فالأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً وليس عليها بعد ذلك أن تتبع سيدها على الأرض ولكن صار لها الامتياز المبارك أن تتبعه إلى حيث يسكن بعد. وبالاختصار هي لا تعد تعرفه في وضع اللحم والدم بل كالإنسان السماوي الممجد عن يمين الله – هذا لا يعني أنها قد دخلت إلى جميع هذه الامتيازات لأن الروح القد س لم يكن بعد ولكننا متحققين بأن قلبها كان مفتوحاً لتقبل مثل هذه الأمور، وسواء أدرن قليلاً أم كثيراً فإنه كان عليها أن تقبل هذه الإرسالية لتسرع في تتميمها. قال لها الرب "اذهبي إلى إخوتي".... "فجاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب وأن قال لها هذا".
كان لها الامتياز فعلاً أن تحمل مثل هذه لأخبار الطيبة فأظهرت تقديرها بطاعتها الحقيقية والسريعة للأمر الذي تقبله. كانت مؤهلاتها لهذه الخدمة أولاً وقبل كل شيء عواطف محبتها للمسيح التي كانت شديدة وتحصرها فأسرعت لتوصيل تلك الرسالة الشفهية، كما أنها امتلكت أيضاً مؤهلات مطلوبة للشاهد الحقيقي إذ رأت وسمعت (قارن يوحنا 3: 11، 1 يوحنا 1: 3). ولذلك أمكنها أن تشهد للتلاميذ.
ونضيف هنا كلمات قليلة من جهة فحوى هذه الرسالة. فإنه حتى تلك اللحظة لم يكن الرب قد حدد تلاميذه من قبل بأنهم إخوته. سبق أن قال عنهم عبيداً وأصدقاء ولكنه الآن بفضل موته وقيامته استطاع أن يضعهم على ذات المستوى من القيامة حيث يقف الآن. والكلمات التالية تشرح هذا المعنى "إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم". "إني أصعد إلى أبي" – وهو يريد أن يعلمنا ذات مشهد العلاقة الجديدة التي يضعهم فيها وهي السماء، لقد عرفوه وأحبوه وتبعوه وهو هنا على الأرض ولكن كل هذا في الوقت الذي كانوا فيه كشعب أرضي بحسب أفكار الله من جهتهم أما الآن فعليهم أن يجتازوا إلى المكان والعلاقة الجديدة كقديسين سماويين بسبب ارتباطهم به كالمقام من الأموات. وتجب الملاحظة بأكثر دقة عند شرح هذه الرسالة الشفوية أن المكان والعلاقة التي دخل إليها المسيح نفسه كالمقام من الموت والصاعد إلى السماء إنما تحدد شعبه كذلك. وبكلمات أخرى نقول أنه في المسيح المقام والممجد نستطيع أن نقرأ ما هي مشورات الله تجاه مفدييه "كما هو السماوي هكذا السماويون أيضاً. وكما لبسنا صورة الترابي هكذا سنلبس صورة السماوي". (1 كو 15: 47 - 49).ويتفق مع هذه الحقائق المباركة ما يقوله الرسول بولس "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح". ويستمر في عرض كل تلك البركات التي أدخلنا إليها لتنساب لنا من خلال هذين اللقبين – إله وأبو ربنا يسوع المسيح. وكنتيجة لتلك المشورات فقد أحضرنا لنقف في ذات المكان والعلاقة كالمسيح نفسه. يا لها من نعمة لا ينطق بها! وكم تربطنا معاً بقلب الله وبقلب ربنا المبارك.
لا يقال شيئاً بعد ذلك عن المجدلية ولكن تبقى أمامنا ملاحظتان: الأولى نتيجة تبليغها تلك الرسالة أن التلاميذ اجتمعوا معاً – صحيح أنهم كانوا في ضعف وخوف من اليهود ولكنهم كانوا مجتمعين والأبواب مغلقة أمام عداوة الإنسان وفي استبعاد للعالم. لقد كانوا دائرة سماوية جديدة – الكنيسة – والتي تشكلت في العيشة من ذلك اليوم إنه أول الأسبوع الجديد والذي جاء فيه يسوع ووقف في الوسط وقال لهم سلام لكم ولما قال لهم هذا أراهم يديه وجنبه عندئذ فرح التلاميذ إذ رأوا الرب. ولذلك امتلأت هذه الدائرة بالسلام – السلام الذي استحضره المسيح بموته لهم بعدما مجد الله. وقد جاء به عند حضوره المبارك في وسطهم. كانوا قد استمتعوا برفقته من قبل ولكنهم الآن عرفوه – بالرغم من ضعف إدراكهم – بطريقة جديدة كالشخص المقام وقيامته الحقيقية تثبت لهم في ضعفهم وهو يظهر لهم بغنى نعمته يديه وجنبه. كانوا قد عرفوا محبته من قلب بقدر ما، أما الآن فعرفوها أنها المحبة التي هي أقوى من الموت والتي تربطهم بقلبه إلى الأبد ولذلك كانوا سعداء عدا رأوا الرب.
والنقطة الثانية كيف أصبحت مريم بعد ذلك؟ والإجابة أنها اختفت وذابت في الكنيسة – وصارت واحدة من الرفقة المباركة حيث كان الرب يأتي في وسطهم ويقف ليختفي كل ما هو من الإنسان وتختفي فرديته ليغمر كما هو في تلك الرفقة المقدسة حيث ليس يهودي أو يوناني مختون أو أغلف بربري سكيثي عبد حر بل المسيح الكل (أي كل شيء) وفي الكل. وبالغبطة كل مؤمن عندما يذوب بذات الطريقة في المكان حيث المسيح، والمسيح وحده يتفوق، حيث مجده يغمر النفس.
انتهى
- عدد الزيارات: 2799