الفصل السابع: لم يكن موت المسيح مجرد موت شهيد (2)
كل من يأخذ تعاليم الكتاب بصورة جدية لابد له من الإقرار بأن عمل الفداء الذي أنجزه السيد المسيح بموته الكفّاري على الصليب هو أعظم بكثير من عمل الخليقة. فعندما ظهرت النجوم للوجود وامتدت وسط حدود الفضاء الواسع فإن ذلك اقتضى قوة وحكمة عظيمتين – وقد تم ذلك, حسب تعاليم الكتاب, بأمر كلمة من الله. وكانت هذه الخليقة سهلة نسبياً فقد أشير إليها بأنها مجرد "عمل إصبعه تعالى." (من المزمور 8: 3) وورد أيضاً في سفر المزامير ما يلي عن موضوع الخليقة "لأنه قال فكان, هو أمر فصار" المزمور (33: 9).
ولكننا عندما نأتي إلى موضوع عمل الله الفدائي فإننا نرى أن الله في شخص يسوع المسيح أخذ على نفسه طبيعة بشرية مع ضعفاتها الملازمة, ووُلِدَ كطفل عاجز وفي حالة متواضعة, وعانى صعوبات هذه الحياة, فقد استهزئ به ورُفِضَ من قبل زعماء إسرائيل الروحانيين والسياسيين, واحتمل الآلام الشديد حتى الموت اللعين على الصليب, ودُفن وبقي تحت سلطة الموت إلى حين. وبينما أُنجِزَ عملُ الخليقة بواسطة مجرد ممارسة قوة وحكمة الله, فإن عمله الفدائي إنما أُنجِزَ بثمن غير محدود من الآلام. وكما أن قيمة نفس الإنسان هي عظيم جداً وأكثر بأن تُقاس بقيمة الجسد هكذا أيضاً فإن فداء نفوس الناس هو عمل أعظم بما لا يُقاس من عمل الخليقة الأصلي. ولذلك أصبح عمل السيد المسيح الفدائي محور التاريخ البشري بأسره.
يُعدّ موت السيد المسيح – حسب تعاليم الكتاب المقدس – الحقيقة الرئيسية في العقيدة المسيحية للفداء. موت المسيح هو حلقة الوصل التي تصل سائر العقائد المميزة الأخرى. وليس هناك من سبب معقول للإدعاء بأن جوهر المسيحية هو اتباع مثال أو سيرة المسيح كما يُعلّم أولئك الذين ارتدّوا عن الإيمان القويم, ذلك الإيمان الذي سلّمنا إياه الله بواسطة الرسل, ذلك الإيمان الذي تمسّكت به الكنيسة الأمينة عبر الأجيال المتعاقبة. طبعاً إن الذين قبلوا في قلوبهم تعاليم الفلاسفة غير المؤمنين بالوحي الإلهي وغير المنقادين بسلطة كلمة الله, هؤلاء يصفون المسيحية وكأن قصدها الرئيسي هو بناء نظام اجتماعي جديد وأن غاية الكنيسة أو سبب وجودها هو للخدمة الاجتماعية. لكنه من الواضح جداً أن الله لم يعطنا هكذا تعاليم. لقد كلّمنا تعالى في الأنبياء والرسل وعلّمنا أن أهم شيء في تاريخ البشرية هو ذلك العمل الفدائي الجبار الذي قام به المسيح بموته الكفّاري على الصليب.
طبعاً يتطلب منا الله – نحن الذين اختبرنا الفداء والخلاص والتحرير – يتطلب منا تعالى أن نقتفي آثار السيد المسيح في حياتنا اليومية وأن نطبق سائر التعاليم الكتابية في الحياة الاجتماعية لأن الله لا يعرف ولا يعترف بالإيمان العقيم. إلا أنه لا يجوز لنا أن نُغمض أعيننا عن الحقيقة الناصعة الواردة على صفحات الكتاب ألا وهي أن أهم شيء قام به المسيح هو موته على الصليب وأن أهم شيء تقوم به الكنيسة هو المناداة بهذا الخبر المفرح للغاية: يُقدم الله الغفران والمصالحة مجّاناً. كل ما يطلبه من الإنسان هو الرجوع إليه تائباً والنظر بعين الإيمان إلى المسيح الذي مات وقام مكفّراً عن خطايا الناس.
هل يخطر على بال إنسان عاقل أن يُقلّد عمل الله في الخليقة؟ كلا. إنه تعالى وحده يقوم بذلك الأمر ولذلك ندعوه بالخالق, ونحن لسنا سوى مخلوقاته. هكذا أيضاً لسنا نحن الذين نفدي أنفسنا أو غيرنا من الناس. هناك فادي واحد وهو المخلص المسيح ولذلك ندعوه باسم يسوع (أي المخلص أو المنقذ). فديانة الكتاب المقدس وإن كان من الواجب أن تُطبق في سائر نواحي الحياة الفردية والعائلية والاجتماعية – إلا أنها قبل كل شيء وفوق كل شيء ديانة فدائية, ديانة تنادي بعمل الله الجبار الذي تم في وسط العالم وبواسطة يسوع المسيح الذي مات على لصليب وقام في اليوم الثالث فأنجز لنا خلاصاً عظيماً قيمته لا تُحصَر.
- عدد الزيارات: 3858