Skip to main content

الفصل الثالث: سفر الأمثال

سفر إستير هو آخر أسفار العهد القديم التاريخية. وبينها وبين الأسفار النبوية مجموعة من الأسفار الشعرية لتدريب النفس على حياة القداسة. فسفر أيوب يعمل على إماتة الحياة الذاتية. وبعد هذا الموت لنا في سفر المزامير تعليم عن الحياة الجديدة بعد القيامة، وعن روح العبادة. ولنا في الأمثال حكم سماوية للاسترشاد بها في الحياة الدنيا. وسفر الجامعة يعلمنا أن العالم أعجز من أن يشبع نفوسنا الخالدة. ونشيد الأنشاد يعلمنا أن الذي يشبع نفوسنا إنما هو الحبيب.

حكمة سليمان: إن سليمان، بصرف النظر عن الوحي، كانت له المواهب والصفات العالية التي تؤهله لكتابة هذا السفر. لقد منحه الله "حكمة وفهماً كثيراً جداً ورحبة قلبٍ كالرمل الذي على شاطئ البحر" (1 مل 4: 29). كان سليمان فيلسوفاً حكيماً ومهندساً معمارياً عظيماً. فهو عالم كما هو ملك. خاب الذين سعوا في تخطئة بعض أقواله المتعلقة بالحقائق العلمية، وبات الخطأ في جانبهم. بصوابٍ قال "بعلمه انشقت اللجج وتقطر السحاب ندى" (3: 20). قال المعارضون: لا ينـزل الندى إلا في ليالي الصحو. والحقيقة أنه ينـزل من سحب لطيفة لا ترى للعين بحيث يظن الجو صحواً.

وعدا معرفته الواسعة بالطبيعة كانت له ملكة حادة لاستكشاف وفرز أخلاق البشر بداهةً، ومعرفة ما يدفعهم إلى أعمالهم. وظهرت ملكته الغريبة في الوسيلة التي استنبطها لتمييز أم الصبي الحي في الدعوى المشهورة التي رفعت إليه في صدر ملكه. ولما علم بنو إسرائيل بذكائه المفرط الذي أظهره في هذه الدعوى هابوه "لأنهم رأوا حكمة الله فيه لإجراء الحكم" (1 مل 3: 28).

شرائع لحياتنا اليومية: الغرض من هذا السفر معين بصراحة في بداءته (ص 1: 2 – 4) وهو قوله "لمعرفة حكمةٍ وأدبٍ لإدراك أقوال الفهم. لقبول تأديب المعرفة والعدل والحق والاستقامة لتعطي الجهال ذكاء والشاب معرفة وتدبراً". فهو يدرب النفس على طلب الحكمة التي بها خلقت السموات والأرض للسير بها في هذا العالم الشرر المشوش.

مخافة الله المرفقة بطاعة الوالدين لها المنـزلة الأولى في سفر الأمثال. ويرتب وجوب تأديب الآباء لأبنائهم على الإقتداء بالله في تأديب أولاده. ويأخذ بالتأمل في تأثير الأم الصالحة حتى يبلغ إلى أرقى أدواره في الإصحاح الأخير حين يصف المرأة الفاضلة. ولكن، بكل أسف، خالف سليمان في الجزء الأخير من حياته حكمته وأمثاله، وخصوصاً هذا الإصحاح الذي يطنب في مدح المرأة الفاضلة لأنه تزوج بنساء غير فاضلات.

ورسالة الله لنا بهذا السفر هي أن نبتعد عن الخطية والمعاصي – بصرف النظر عن حياة الرسول الذي يبلغنا إياها. إن الكاتب يشدد على ما خبره في والده من حكمة ورشاد لكي يحث ابنه على قبول نصيحته، ويشرح ذلك بأسلوب جميل مؤثر. إنه يحذر الشبان على نوع خاص من تأثير الأصحاب الأردياء، ومن الدنس والدعارة والخصام والشقاق والغضب وفرطا اللسان والكذب والخداع في الأخذ والعطاء وضروب المعاملات والرشوة، ويهدد الكسلان والمتراخي والمتكبر كما يهدد طلاب الثروة بإفراط، ويأمر بالإحسان إلى المسكين.

مخافة الله: يعلم سفر الأمثال أن رأس الحكمة مخافة الرب. وليست المخافة هنا عبارة عن روع القلب من هول القصاص، بل هي الاحتراس من تكدير محبة الآب السماوي (أي التقوى مع الطاعة).

الحكمة: جمال سفر الأمثال يرجع إلى معنى مستتر في كلمة الحكمة. من المؤكد أن لها معنى آخر أسمى من الصفة المعلومة. لا مجال للريب أن الحكمة هنا هي الذات المدلول عليه بلفظة "الكلمة" المتجسد في العهد الجديد. ويعلم ذلك من أنها تمثَّل بكائن عاقل موجود مع العزة الإلهية من الأزل، كالصانع الذي خلق به السموات والأرض (8: 30).

الحكمة الكلمة
(أم 8: 23) منذ الأزل مُسحت منذ البدء منذ أوائل الأرض (يو 1: 1) في البدء كان الكلمة
عد 27 لما ثبَّت السموات كنت هناك أنا. والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله.
لما رسم دائرة على وجه الغمر ... لما رسم أسس الأرض. عد 3 كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان
عد 30 كنت عنده صانعاً (عب 1: 2) ابنه ... الذي به أيضاً عمل العالمين
عد 22 الرب قناني أول طريقه من قبل أعماله منذ القدم. (كو 1: 17) هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل
عد 30 كنت كل يوم لذته. (لو 3: 22) أنت ابني الحبيب بك سررت
فرِحةً دائماً قدامه (يو 17: 24) أحببتني قبل إنشاء العالم
عد 14 لي المشورة والرأي. أنا الفهم (1 كو1: 30) المسيح يسوع ... صار لنا حكمة
ص 2: 4 إن طلبتها (الحكمة) كالفضة وبحثت عنها كالكنوز (كو 2: 3) المذَّخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم
8: 5 يا جهال تعلموا فهماً (لو 10: 21) أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال
1: 20 و 23) الحكمة تنادي ... ارجعوا عند توبيخي (مت 18: 4) إن لم ترجعوا ...
1: 33 أما المستمع لي فيسكن آمناً ويستريح من خوف الشر (مت 11: 28) تعالوا إليّ يا جميع المتعبين ... وأنا أريحكم
8: 1 و 4 ألعل الحكمة لا تنادي ... لكم أيها الناس أنادي (يو 7: 38) وقف يسوع ونادى قائلاً إن عطش أحد فليُقبل إلى ويشرب
9: 5 هلموا كلوا من طعامي واشربوا من الخمر التي مزجتُها (يو 6: 35) أنا هو خبز الحياة. من يقبل إلي فلا يجوع
8: 17 أنا أحب الذين يحبونني
والذين يبكرون إليّ يجدونني
عد 35 من يجدني يجد الحياة
(غل 2: 20) ابن الله ... أحبني
(مت 7: 7) اطلبوا تجدوا
(يو 6: 47) من يؤمن بي فله حياة أبدية
عد 32 طوبى للذي يحفظون طرقي (يو 15: 10) إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي
عد 6 اسمعوا فإني أتكلم بأمور شريفة (لو 4: 22) وكان الجميع ... يتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه
عد 20 في طريق العدل أتمشى (مز 23: 3) يهديني إلى سبل البر

 

ما اسم ابنه: "من صعد إلى السموات ونـزل. من جمع الريح في حفنتيه. من صر المياه في ثوب. من ثبت جميع أطراف الأرض. ما اسمه وما اسم ابنه إن عرفتَ" (أم 30: 4)؟ إن هذه الآية عجيبة جداً. إن سألت يهودياً السؤال الأول "ما اسمه" يجيبك فوراً "الرب"؛ ولكن إن سرت معه إلى الأمام وسألته: ما اسم ابنه؟ فإما أن يسكت أو يقول: من التجديف أن تنسب إلى الله ابناً. غير أن الآية تنسب الصعود إلى السماء وإدارة الكون إلى الله وإلى ابنه "نعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق" (1 يو 5: 20).

  • عدد الزيارات: 4228