الفصل العاشر: سفر أخبار الأيام الثاني
بناء الهيكل: أرسل سليمان إلى حيرام ملك صور يطلب منه أن يمده بالصناع الحاذقين والمهمات لأجل بناء الهيكل.
رفع سليمان الأرض المجاورة لبيدر أرنان اليبوسي إلى مستوى الجانب المرتفع منها بواسطة أحجار كبيرة الحجم من الرخام الثمين فبنى أساساً هائلاً جداً. ولما نظر الرب يسوع إلى الهيكل وقال أنه لا يترك حجر على حجر لا ينقض لم يقصد حجارة الأساس التي نتكلم عنها الآن بل أراد ما بني فوقها. بني أساس الهيكل على صخرة ثابتة تمثل من قيل عنه صخر الدهور أساس الله الراسخ الذي لا يتزعزع. والهيكل – في تقسيمه وخدماته وأوانيه – هو رمز للمسيح وعمله العظيم في افتداء الإنسان. ومن اطلع على الرسالة إلى العبرانيين وكان يؤمن بأنها العهد القديم والجديد مرتبطان، وتعليمهما واحد في الجوهر.
قال يوحنا الرائي عن المدينة السماوية "لم أر فيها هيكلاً لأن الرب الله القادر على كل شيء هو والخروف هيكلها". وبما أن الهيكل يمثل عمل الفداء فبطبيعة الحال يمثل المفديين أيضاً. إن تتمة عمل الله في كل الأجيال أن يكون متحداً مع شعبه في المجد. بلغت بعض أحجار الأساس ثلاثين قدماً طولاً، وكانت مرصوصة بأحكام وصناعة حتى تكاد لا ترى فارقاً بين حجر وآخر. من زمن قصير اكتشفوا محاجر سليمان تحت المدينة لأنه ورد في سفر الملوك الأول (6: 7) ما يفيد أن الحجارة كانت تنحت بمعزل عن البيت الذي يبنى. وعلى ذلك قوله "والبيت في بنائه يبنى بحجارة صحيحة مقتلعة ولم يسمع في البيت عند بنائه منحت ولا معول ولا أداة من حديد". المؤمنون في كل زمان ومكان هم الحجارة الحية التي يتركب منها هيكل السماء. وإن الله يعدها للبنيان في ذات مقلعها أي وسط الغوغاء والضجة بحيث يكون كل حجر ملائماً لموضعه في الهيكل السماوي. الحجر، في بادئ الأمر، بلا شكل ولا هندام. فينـزل عليه الأزميل والمقطعة بقوة على كل جوانبه حتى ينتظم ويوافق البناء. ليتنا نسلم نفوسنا لله تماماً حتى يصوغنا على الشكل الذي يرضاه.
يجب أن يمتلئ بالتعليم الروحي كل جزء من الهيكل، فقد قال داود لسليمان أن الله أعطى له مثال الهيكل بالروح. فهو بناء متفوِّق في الأبهة والجلال، يضيء في الشرق ككومة من الذهب الوهاج.
الهيكل الممتلئ من المجد: لما تم بنيان البيت جمع سليمان شيوخ إسرائيل ليصعدوا التابوت من صهيون إلى المكان المعد له في الهيكل. حينئذ "ملأ السحاب بيت الرب ولم يستطع الكهنة أن يقفوا للخدمة بسبب السحاب لأن مجد الرب ملأ بيت الرب". وهذا يمثل حلول الروح القدس في القلب الذي تطهر بدم المسيح وأُعدّ هيكلاً وتسلم له "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم" (1 كور 6: 19).
صلاة سليمان: في صلاته تعليم مهم لنا. إنها مبنية على مواعيد الله، وهذا شرط لازم لكل صلاة حقيقية. ثم أنها إعتراف صريح بسوء حال الإنسان وشر قلبه، وبأن لا أحد يعرف أعماق قلوب بني آدم غير علام الغيوب. ولا يخفى أنه حالما نعترف بخطايانا لله نطمئن بالاً ويسكن روعنا لأننا لا نشك في أنه يعلم بخطايانا أكثر مما نعلم نحن "أن لأمتنا قلوبنا فالله أعظم من قلوبنا ويعلم كل شيء". الله وحده يقدر أن يميز من دوننا هل الملامة التي نشعر بها نتيجة تبكيت روحه الأقدس أو مجرد شكوى علينا من العدو "أيها الأحباء إن لم تلمنا قلوبنا فلنا ثقة من نحو الله ومهما سألنا ننال منه" (1 يو 3: 21 و 22).
وذكر سليمان في صلاته سبعة أنواع من تقلبات الحياة البشرية، وطلب إلى الشعب أن يتوبوا ويصلوا متجهين نحو ذلك البيت الذي بناه فيستجيب لهم الله. فقبل الله أن يعامل الشعب بهذا الشرط، وأجاب بنار علامة لقبوله. وإن فهمت ذلك تفهم السبب الذي من أجله يصلي الشرقيون مولين وجوههم نحو مقادسهم كما يولي المسلمون وجوههم شطر المسجد الحرام وغيرهم نحو مقامات أوليائهم وهلم جراً. وطلب سليمان من الله أن لا يجيب فقط شعب إسرائيل بل الأجانب عبدة الأصنام متى صلوا إليه وولوا وجوههم نحو الهيكل لكي يتمجد اسمه في الأرض كلها. وفوق ذلك كان الهيكل رمزاً عن المسيح وعمله وعلاقاته بشعبه. إنه في كلياته وجزئياته، في المحرقات والفصح ورئيس الكهنة، يظهر المسيح. ولو أن سليمان لم يعلم ذلك غير أنه بطريق النبوة غير المقصودة يسأل الله أن يجيب سؤال الذين يسألونه وهم مولون وجوههم نحو يسوع. فكأنه قصد بطريقة التمثيل ما قصده يسوع بالقول الصريح: "إن كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم" (يوحنا 16: 23).
رأينا في سفر الملوك الأول والثاني المصاب العظيم الذي خُتم به ملك سليمان، ألا وهو انقسام الشعب إلى قسمين. وما أسرع ما توالت المصائب بعد ذلك إذ أن رحبعام بن سليمان ملك على سبط يهوذا وبنيامين "فصعد شيشق ملك مصر على أورشليم وأخذ خزائن بيت الرب" (أخبار الأيام الثاني 12: 9) فانظر كيف بادر الخراب إلى الهيكل الجميل. ومن ذلك الوقت فصاعداً أخذ ينهب الملوك من ذخائره ويرشون الأعداء حتى انصرفوا عن محاربتهم.
نقط بيضاء: إن كان الفشل قد عم واستمر إلا أنه كان يقوم بعض الأحيان في يهوذا ملوك صالحون يدافعون عن حق الله ويشهدون لمجده العظيم ويعبدونه باستقامة وإخلاص. ومن هؤلاء آسا ملك يهوذا فإن الله أرسل إليه عزريا بن عوديد برسالة فلما سمعها "تشدد ونـزع الرجاسات من كل أرض يهوذا وبنيامين". ثم خلع أمه من أن تكون ملكة لأنها عملت للسارية تمثالاً، وقطع عهداً مع الرب وأدخل أقداس أبيه وأقداسه من الذهب والفضة والآنية إلى بيت الله.
وبث ابنه يهوشافاط اللاويين في كل المدن ليعلموا الشعب كتاب الناموس، وفي هذا دليل على أن الأسفار المقدسة كانت موجودة في ذلك العصر. إن إنتصارات يهوشافاط على العمونيين والموآبيين لمن أعظم المحرضات على اعتماد الله في الشدائد العظام التي لا يقوى عليها "لا تخافوا ... لأن الحرب ليست لكم بل لله ... ليس عليكم أن تحاربوا في هذه قفوا اثبتوا وانظروا خلاص الرب معكم". "ولما ابتدأوا في الغناء والتسبيح جعل الرب أكمنة" فانكسر الأعداء.
فشل: خلف يهوشافاط على مملكة يهوذا ابنه يهورام وحفيده أخزيا. ولما قتل أخزيا بيد ياهو ورأت عثليا أن ابنها (أخزيا) قد مات قامت وأبادت جميع النسل الملكي من بيت يهوذا. ولم ينج سوى يوآش بي أخزيا الأصغر الذي خبأته يهوشبعة بنت الملك في الهيكل ست سنين. ثم جاء به يهوياداع الكاهن وملكه وقتلوا عثليا. ورمم يوآش بمساعدة يهوياداع الهيكل بعد ما أتلفته عثليا لأجل أن تعطي أمتعته للبعليم. ولكن بعد موت يهوياداع سقط يوآش ويهوذا في عبادة السواري والأصنام ولما لبس روح الله زكريا بن يهوياداع ووبخ الملك والشعب على شرورهم رجموه.
وأخطأ حفيده عزيا إلى الرب في إيقاده البخور في الهيكل لأن ذلك من اختصاصات الكهنة فضربه الله بالبرص ومات به.
وحزقيا ابن حفيد عزيا فتح أبواب بيت الرب ورممها وطهر الهيكل وأمر الكهنة واللاويين أن يقدسوا أنفسهم وقدم ذبائح ومحرقات وحافظ على فريضة الفصح "وكان فرح عظيم في أورشليم لأنه من أيام سليمان بن داود لم يكن كهذا في أورشليم.
ويوشيا ابن حفيد حزقيا أجرى الاصلاحات التي أجراها حزقيا: رمم بيت الرب وأحيا الديانة في البلاد وطهر أورشليم من العبادة الباطلة. وفي أثناء ترميم البيت وجد حلقيا الكاهن سفر شريعة موسى فبعثه إلى الملك بيد شافان الكاتب وقرأه أمامه. فلما سمع يوشيا أقوال الشريعة مزق ثيابه حزناً وأسفاً على إهمالهما، وأرسل يسأل الرب على يد خلدة النبية، فأخبرتهم بالشر الذي سيجلبه الرب على أورشليم وأهلها. ولكن يوشيا تذلل أمام الرب فلم تأت المصائب في أيامه.
وقف الملك الشاب بجانب عمود من أعمدة الهيكل وعقد عهداً مع الرب إلهه وعمل فريضة الفصح "ولم يُعمل فصح مثله في إسرائيل من أيام صموئيل النبي. وكل ملوك إسرائيل لم يعملوا كالفصح الذي عمله يوشيا" (2 أي 35: 18).
السبي: جاءت أيام الاضطرابات والويلات بعد هذا الملك الصالح. كان الله قد أرسل رسله إليهم فتهاونوا برسله ورذلوا كلامه "حتى ثار غضب الرب على شعبه حتى لم يكن شفاء فأصعد عليهم ملك الكلدانيين فقتل مختاريهم بالسيف في بيت مقدسهم ولم يشفق على فتى أو عذراء ولا على شيخ أو أشيب بل رفع الجميع بيده وجميع آنية بيت الرب الكبيرة والصغيرة وخزائن بيت الرب وخزائن الملك ورؤسائه أتى بها جميعاً إلى بابل وأحرقوا بيت الله وهدموا سور أورشليم وأحرقوا جميع قصورها بالنار وأهلكوا جميع آنيتها الثمينة. وسبى الذين بقوا من السيف إلى بابل فكانوا له ولبنيه عبيداً إلى أن ملكت مملكة فارس.
- عدد الزيارات: 3499