الأعمال الروحية المتعلقة بالناس في العهد القديم وما يقابلها في العهد الجديد
1-التمييز: بالرجوع إلى (لاويين10: 10- 11) يتضح لنا أن الكهنة كانت لهم القدرة على التمييز بين المقدس والمحلل[1]، وبين النجس والطاهر. إذ المفروض فيهم كدارسين لكلمة الله كما ذكرنا في الباب الثاني، أن يعرفوا قضاءه تعالى في كل أمر من الأمور. وهذه المعرفة لا تتوافر في العهد الجديد إلا في المؤمنين الحقيقيين، لأنهم فضلاً عن دراستهم لكلمة الله، فإن الروح القدس يسكن فيهم (1كورنثوس6: 19)، كما أنهم يعرفون مشيئة الله (أفسس1: 9)، ويستطيعون اختبار ما هو مرضي أمامه (أفسس5: 10)، ومن ثم يستطيعون أن يحكموا حكماً صائباً في كل ما يتعلق بأي سلوك في العالم الحاضر (1كورنثوس2: 15)، فيقررون إذا كان مرضياً أمام الله، أم غير مرضي أمامه.
2-التعليم: إن الكهنة لدراستهم لكلمة الله كما ذكرنا، كان في وسعهم أن ينادوا بها للآخرين. ولذلك أوصاهم الله أن يعلموا بني إسرائيل جميع الفرائض التي أعطاها لموسى النبي. وقد قاموا بهذه المهمة في أول الأمر خير قيام. فقد شهد عنهم موسى قائلاً لله "يعلمون (بني) يعقوب أحكامك و (بني) إسرائيل ناموسك" (تثنية33: 10). لأن شفتي الكاهن تحفظان معرفة ومن فمه يطلبون الشريعة، لأنه رسول رب الجنود (ملاخي2: 7).
والمفروض في المؤمنين الحقيقيين، بوصفهم كهنة الله الدارسين لكلمته أن يخبروا بفضائله (1بطرس2: 9)، وأن يعظ بعضهم بعضاً (عبرانيين10: 25). كما يجب أن يقدموا الإنجيل للخطاة بكل قداسة وإخلاص ومحبة، مقتدين بالرسول الذي كان يقوم بهذا العمل بكل تواضع ودموع كثيرة... ولم يكن يحتسب لشيء، ولا كانت نفسه ثمينة عنده حتى يتمم بفرح سعيه" (أعمال20: 19- 23).. فضلاً عن ذلك يجب أن يظهروا المسيح في حياتهم وذلك بحفظ نفوسهم ثابتة فيه، لأن السلوك الكهنوتي في الواقع، هو السلوك كما سلك له المجد على الأرض.
3-استخدام الأبواق: وبالإضافة إلى التعليم الذي كان يقوم به كهنة العهد القديم، كان لهم بوقان من الفضة يستعملونها عند طلب التجمع حول خيمة الاجتماع أو الارتحال في البرية. كما كانوا يستعملونها عند الاستعداد للحرب للدلالة على طلب المعونة من الله، وعند الاحتفال بالأعياد وعمل المحرقات وذبائح السلامة للدلالة على رفع هتاف الحمد لله (العدد10).
والفضة التي كان يصنع منها البوقان رمز إلى كلمة الله (مزمور12: 6) التي يجب أن نخضع لها بكل قلوبنا. وهي أيضاً رمز إلى الفداء (خروج38: 25) الذي على أساسه أصبحت لنا علاقة مع الله. والتجمع حول خيمة الاجتماع رمز إلى اجتماعنا باسم المسيح وحوله (متى18: 20) للعبادة والصلاة. والارتحال يذكرنا بأننا غرباء في العالم (1بطرس2: 11)، وأنه من الواجب علينا أن نتطلع بالإيمان إلى وطننا السماوي. والحرب المادية تذكرنا بالحرب الروحية التي نجتاز فيها من وقت لآخر، والتي يجب أن نعد لها العدة الكافية (أفسس6: 10- 18) ونحن في حالة الاتجاه إلى الله لكي يعطينا الغلبة عليها. والأعياد رمز إلى الأفراح الروحية التي نتمتع بها الآن في عهد النعمة على أساس كفاية كفارة المسيح (1كورنثوس5: 8) والتي تحفزنا لتقديم التسبيح لله. وذبائح السلامة رمز إلى الشركة الروحية التي أصبح لنا امتياز التمتع بها مع الله والتي تحفزنا لتقديم الشكر إليه- ومن ثم فإننا لا نرفع أصواتنا لله في ظروف الحزن فقط، بل وفي ظروف الفرح أيضاً، وذلك حتى لا يدب فينا اليأس في الظروف الأولى، أو تنزلق أقدامنا إلى مهاوي الخطأ في الظروف الثانية.
4-المباركة: كان كهنة اليهود يباركون بني إسرائيل (العدد6: 24- 26) وحدهم، وذلك بسبب تعصبهم لقوميتهم، أما المؤمنون الحقيقيون بوصفهم كهنة الله، فقد تجردوا من الأنانية، وأصبح لهم قلب المسيح الذي يحب كل الناس دون استثناء، ولذلك فإنهم يباركون حتى أعداءهم. فقد قال له المجد لهم "باركوا لاعنيكم" (متى5: 44). وقال الرسول لهم "باركوا على الذين يضطهدونكم. باركوا ولا تلعنوا" (رومية12: 14)، متمثلين بسيدهم الذي عندما كان اليهود والرومان يدقون المسامير في يديه ورجليه، رفع نظره إلى السماء وقال لله "اغفر لهم يا أبتاه، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لوقا23: 34).
5-الاهتمام بالآخرين: كان كهنة اليهود قلما يهتمون بأمور غيرهم كما يفعل الناس بصفة عامة. لكن ليس هذا هو الحال مع المؤمنين الحقيقيين كهنة العهد الجديد. فقد قال الرسول لهم أن يهتم بعضهم للبعض الآخر اهتماماً واحداً، غير مهتمين بالأمور العالية بل منقادين إلى المتضعين (رومية12: 15- 16). كما قال لهم "أسندوا الضعفاء شجعوا صغار النفوس" (1تسالونيكي5: 14). و "لا تنظروا كل واحد إلى ما هو لنفسه، بل كل واحد إلى ما هو لآخرين أيضاً" (فيلبي2: 4). و "فليرض كل واحد منا قريبه للخير لأجل البنيان. لأن المسيح أيضاً لم يرض نفسه، كما هو مكتوب: "تعييرات معيريك وقعت على" (رومية15: 2) و"احملوا بعضكم أثقال بعض" (غلاطية6: 2).
مما تقدم يتضح لنا أن المؤمنين الحقيقيين ليسوا فقط كهنة يسجدون ويتعبدون لله في الأقداس السماوية، بل إنهم أيضاً، في كل خطوة من خطواتهم في العالم، ينشرون المحبة والخير والسلام بين الناس، كما يوجهونهم إلى طاعة الله والسير في سبيله.
36-"المقدس" هو ما يخص الله وحده. و "المحلل" هو ما يجوز للناس التصرف فيه.
- عدد الزيارات: 3070