Skip to main content

الحجج التي يقال بورودها في العهد القديم، والرد عليها

1-(إن كون جميع المؤمنين في العهد الجديد هم كهنة بالمعنى الروحي لا يتعارض مع وجوب وجود كهنة بالمعنى الحرفي بينهم، لأن الله قال لليهود جميعاً من قبل "وأنتم تكونون (جميعاً) لي مملكة كهنة"(خروج19: 6)، ومع ذلك كان بينهم كهنة يقدمون لله ذبائح كفارية عنهم).

الرد: فضلاً عن أن الكهنوت بالمعنى الروحي لم يكن سائداً في العهد القديم، كما يسود الآن في العهد الجديد الأمر الذي لا يدع مجالاً لهذه الحجة، نقول: بما أنه ليس هناك مجال لوجود ذبيحة كفارية في العهد الجديد، لأن الكفارة التي قدمها المسيح مرة على الصليب، لبقاء فعاليتها إلى الأبد، كافية للتكفير عن خطايا كل من يؤمن به إيماناً حقيقياً في كل العصور والبلاد كما ذكرنا، لذلك ليس هناك مجال لوجود كهنة بالمعنى الحرفي في هذا العهد ومع ذلك نقول:

(أ)-إذا وضعنا أمامنا أن اليهود لم يقيموا من تلقاء أنفسهم كهنة يقدمون عنهم الذبائح الكفارية لله، بل الله نفسه هو الذي أقامهم وعين أيضاً واجباتهم وامتيازاتهم، في حين أنه لم يقم في العهد الجديد كهنة يقدمون عنا أي ذبيحة كفارية (وذلك لعدم وجود أي مبرر لها، كما ذكرنا)، اتضح لنا أن إدخال أي نظام كهنوتي في المسيحية على مثال الكهنوت اليهودي، ولو من بعض الوجوه، يعتبر تهويداً للمسيحية. وهذا مالا يرضاه أي مؤمن حقيقي، لأن المؤمنين الحقيقيين في المسيحية هم شعب سماوي (يوحنا15: 19، 1كورنثوس15: 48)، وبركاتهم هي بركات سماوية (أفسس1: 3)، ودائرة عبادتهم بالروح هي السماء عينها (عبرانيين4: 16). وذلك على النقيض من اليهود، كما ذكرنا فيما سلف.

(ب)-كما أننا إذا رجعنا إلى الكتاب المقدس، نرى أن الله لم يعين بني إسرائيل مملكة كهنة، بل وعدهم فقط بذلك إذا حفظوا وصاياه (خروج19: 6). فلما لم يحفظوها أزال الله عنهم هذا الكهنوت العام وحصره في هرون وأولاده- أما المؤمنون الحقيقيون في العهد الجديد، فلم يعدهم الله أن يكونوا كهنة، بل عينهم جميعاً فعلاً في هذا المركز (رؤيا1: 6)[1]إنما ليس لتقديم ذبائح كفارية، بل ذبائح روحية (1بطرس2: 5). ومن ثم ليس هناك مجال لوجود كهنوت بالمعنى الحرفي بينهم.

2-(إن الله أقام الكهنة قديماً لكي يكونوا وسطاء بينه وبين اليهود، ومن ثم يجب أن يكون هناك الآن وسطاء مثلهم يقربون المسيحيين إلى الله).

الرد: إن العهد القديم يختلف كل الاختلاف عن العهد الجديد من جهة أساس العلاقة مع الله. ففي العهد الأول لم يكن للناس أن يقتربوا إلى الله إلا بواسطة الذبائح الكفارية، ومن ثم استلزم الأمر وجود كهنة يقدمونها له نيابة عنهم، وذلك حسب القواعد التي وضعها تعالى لهم. أما في العهد الجديد، فنظراً لأن كفارة المسيح قد وفت كل مطالب العدل الإلهي إلى الأبد، لم تعد بعد حاجة إلى ذبيحة كفارية أياً كان نوعها... ولذلك قال الرسول "وإنما حيث تكون مغفرة لهذه (الخطايا)، لا يكون بعد قربان عن الخطية" (عبرانيين10: 17). كما أنه بفضل هذه الكفارة، قد شق الله الحجاب الذي يحول بينه وبين الناس بسبب خطاياهم (متى27: 51)، ففتح بذلك المجال أمام المؤمنين الحقيقيين منهم للإتيان إليه مباشرة دون عائق أو مانع. ومن ثم قال الرسول لنا جميعاً: "فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة (مباشرة) لكي ننال رحمة ونجد نعمة عوناً في حينه" (عبرانيين4: 16).

وإذا كان الأمر كذلك، فإن كان هناك داع لوجود وسيط أو شفيع أو كاهن بيننا وبين الله، فإنه لا يكون شخصاً سوى المسيح كما أعلن الوحي (1تيموثاوس2: 5، 1يوحنا2: 1، عبرانيين10: 21).. ونظراً لأنه لا يموت ولا تتعطل خدمته، أو جزء من خدمته، لأي سبب من الأسباب، فلا تكون هناك حاجة إلى أحد يساعده في تأديتها، أو يحل محله فيها فترة ما. كما ذكرنا.

3-(إن الكتاب المقدس يعلن لنا أن قورح ورفقاءه الذين أقاموا أنفسهم كهنة متحدين بذلك هرون الذي عينه الله، رفضهم تعالى وأهلكهم (العدد16). وهكذا يكون مصير الذين يقولون عن أنفسهم أنهم كهنة في العصر المسيحي، دون أن يكونوا قد أقيموا رسمياً من الله بصفة خاصة).

الرد: إن الله قد حصر الكهنوت في العهد القديم في هرون وبنيه، ولذلك كانت مقاومة قورح ورفقائه لهرون وبنيه (أو بالحري رغبتهم في تولي الكهنوت عوضاً عنه وعنهم) تمرداً على تدبير الله. أما في العهد الجديد، فلم يقم الرب له جماعة خاصة من بين المؤمنين، يكونون كهنة بالمعنى الحرفي، بل جعل كل المؤمنين الحقيقيين كهنة له بالمعنى الروحي. ولذلك فالذين يريدون التفرد في هذا العهد بكهنوت خاص دون باقي المؤمنين، هم الذين يشبهون قورح ورفقاءه، على النقيض مما ذهب إليه صاحب هذه الحجة، إذا كان من الجائز أن تدعى حجة.

4-(جاء في (إرميا33: 18) إنه لا ينقطع للكهنة اللاويين إنسان من أمام الله يصعد محرقة ويحرق تقدمة ويهيئ ذبيحة كل الأيام. وجاء في (ملاخي3: 3) إن الله سينتقي بني لاوي ليكونوا مقربين للرب تقدمة بالبر- وبما أن الكهنوت اللاوي أو اليهودي انتهى من زمن بعيد، لذلك فهاتان الآيتان هما نبوة عن أشخاص يكونون كهنة من بين المؤمنين الحقيقيين في العهد الجديد).

الرد: فضلاً عن أنه ليس هناك مجال لإصعاد محرقة وحرق تقدمة وتهيئة ذبيحة في العهد الجديد، لأن هذه كلها كانت رموزاً مؤقتة إلى كفارة المسيح من نواح متعددة كما ذكرنا، الأمر الذي لا يدع مجالاً للظن بأن الآيات الواردة في الاعتراض، يراد بها نبوة عن وجود كهنة بالمعنى الحرفي في العهد الجديد، نقول:

(أ)-إن العشاء الرباني ليس ذبيحة (كما اتضح لنا بكل جلاء في الباب الأول، من هذا القسم)، حتى كان يستلزم الأمر وجود كهنة بالمعنى الحرفي للقيام به.

(ب)-إن بني لاوي لا يراد بهم إلا بنو لاوي أنفسهم، وليس مؤمنين بالمسيح من قبائل وأجناس مختلفة، كما هي الحال في العهد الجديد الذي نعيش فيه الآن.

(ج)-إن الكتاب المقدس، كما اتضح لنا مما سلف، ينفي وجود أي ذبيحة كفارية في العهد الجديد، ومن ثم ينفي وجود كهنة بالمعنى الحرفي في هذا العهد، ولذلك لا يمكن أن تكون هناك نبوة في العهد القديم عن وجود هؤلاء الكهنة في العهد الجديد، لأن الكتاب المقدس لا يناقض نفسه.

(د)-أما عن الزمن الذي ستتحقق فيه هذه النبوة، فواضح من (ملاخي3: 1- 2) أنه بعد إتيان المسيا أو المسيح بالقوة للقضاء على الشر، وتولي الملك العام على العالم، وذلك عند مجيئه الثاني (متى25: 31- 36، 26: 64، 2بطرس3: 7- 10) كما ذكرنا بالتفصيل في كتاب "الصلاة الربانية- تفسيرها ومجال استعمالها".

أخيراً نقول: إذا وضعنا أمامنا أن المسيح بدخوله بدم نفسه إلى الأقداس السماوية (عبرانيين8: 1- 5، 9: 11و 24)، نقل دائرة الخدمة الكهنوتية نهائياً من الأرض إلى السماء (عبرانيين8: 12)، اتضح لنا ما يأتي:

1-كما أنه لم يعد هناك مجال للهيكل اليهودي (لأنه بمجرد أن قال المسيح على الصليب "قد أكمل"، انشق حجاب الهيكل المذكور من أعلى إلى أسفل (لوقا23: 45))، كذلك لا يكون هناك مجال لإقامة هيكل أرضي على مثاله في المسيحية، لأن الهيكل الأول كان رمزاً إلى الأقداس السماوية (عبرانيين8: 5)، والله لا يستعيض عن هيكل رمزي بآخر رمزي مثله. ومما يثبت ذلك أننا إذا رجعنا إلى العهد الجديد، لا نرى أن الله أمرنا بإقامة هيكل أو مذبح في هذا العهد، كما أمر اليهود من قبل. بل أعلن لنا أننا نحن المؤمنين هيكل الله (2كورنثوس6: 16)، لأنه تعالى لا يسكن في هياكل مصنوعة بأيدي الناس (أعمال7: 48) كما أعلن لنا أنه ليس هناك مكان على الأرض أقدس من غيره، نسجد لله فيه (يوحنا4: 21).

2-وبما أن الله لم يأمرنا بإقامة هيكل أو مذبح في العهد الجديد، لذلك لم يعد هناك مجال لتقديم أي ذبيحة كفارية مهما كان شأنها. فقد قال الوحي "وإنما حيث تكون مغفرة لهذه (الخطايا)، لا يكون بعد قربان عن الخطية" (عبرانيين10: 18)- ذلك لأن المسيح، على أساس ذبيحة نفسه التي تفوق في قدرها كل شيء في الوجود، قد أبطل الخطية من أمام الله بالنسبة لنا، وأبطلها إلى الأبد (عبرانيين9: 26). وبما أن الغرض الأساسي من إقامة كهنة بالمعنى الحرفي هو تقديم الذبائح الكفارية لله، وهذه الذبائح لا مجال لها في العهد الجديد، لذلك ليس هناك مجال لهؤلاء الكهنة على الإطلاق.

ولكن وإن لم يكن هناك مجال لوجودهم في هذا العهد، غير أنه (كما يتضح من الكتاب المقدس)، يوجد قسوس (أو أساقفة)، وشمامسة[2]ورعاة، ومدبرون، ووعاظ، ومعلمون، وذلك حسب المواهب التي أعطاها الله لكل فريق منهم- وهؤلاء، والحمد لله كثيرون، وبانقيادهم بالروح القدس يمكن أن يقوموا بأعمالهم خير قيام.



57-وإذا كان الأمر كذلك، أدركنا أن حفظ وصايا الله بالنسبة إلى المؤمنين الحقيقيين في العهد الجديد، ليس شرطاً للبقاء في مركز الكهنوت الذي عينهم الله فيه، إنما هو شرط لإمكانية ممارستهم لخدمات الخاصة به، على الوجه الذي يرضي الله. لأن بقاءهم في هذا المركز، ليس متوقفاً على أعمالهم بل على استحقاقات كفارة المسيح الدائمة الأثر.

58-يتضح من (أعمال الرسل6) أن عمل الشمامسة الرئيسي هو العناية بالأرامل والفقراء- وهذه الخدمة لم تكن لتمنع بعضهم من القيام بالوعظ أو التعليم، أو غيرهما من الخدمات، إذا كانوا حصلوا من الله على المواهب الخاصة بها.

  • عدد الزيارات: 3055