Skip to main content

الفصل الثالث: الصليب في الرموز والنبوات

هذا الخيط القرمزي الذي يتخلل صفحات الكتاب المقدس من تكوينه إلى رؤياه ! ما دلالته وما معناه ؟!؟

هذه الذبائح التي نحرت على مذبح الله خلال القرون والأجيال إلى من ترمز والى أي شخص تشير ؟!؟

هذه النبوات التي نطق بها أنبياء العهد القديم والتي تتحدث عن شخص آت سيتألم ويموت ! من هو هذا الشخص الذي تعنيه ؟

إن هذا الخيط القرمزي , وهذه الذبائح الكثيرة , وهذه النبوات العديدة , تشير كلها إلى شخص واحد هو ((يسوع المسيح)) الذي قال عنه بطرس الرسول وهو أحد كبار الحواريين ((ونحن شهود بكل ما فعل في كورة اليهودية وفي أورشليم الذي أيضاً قتلوه معلقين إياه على خشبة الصليب له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا)) أعمال 39:10 و 43

فقبل أن يأتي المسيح بمئات السنين ويصلب على الصليب تنبأ الأنبياء عن مكان ولادته , وكيفية هذه الولادة المعجزية , وموته على صليب العار كفارة لخطايا البشر !!

ومعنى هذه النبوات أن الله في عليه الواسع , ومعرفته المطلقة يعرف النهاية من البداية , كما يقول في سفر أشعياء ((أنا الرب هذا اسمي ومجدي لا أعطيه لآخر هوذا الأوليات قد أتت والحديثات أنا مخبر عنها قبل أن تنبت أعلمكم بها)) أش 9:42 ((اذكروا هذا وكونوا رجالا رددوه في قلوبكم أيها العصاة , اذكروا الأوليات منذ القديم لأني أنا الله وليس آخر , الإله وليس مثلي مخبر منذ البدء بالأخير ومنذ القديم بما لم يفعل قائلا رأيي يقوم وأفعل كل مسرتي)) أش 108:46 وهذا يتفق تماما مع ما قاله يعقوب الرسول ((معلومة عند الر ب منذ الأزل جميع أعماله)) أع 18:15

فسقوط الإنسان لم يكن مفاجأة لله لم يعمل لها حسابا , لكنه عرف بسابق علمه أن الإنسان سينحدر إلى هاوية السقوط , لأنه خلق الإنسان حراً واحترم حريته , فأي تدخل من جانبه تبارك اسمه كان يعتبر امتهانا للحرية التي منحها للإنسان وبالتالي يجعل من الإنسان أداة مسيرة في يد الله , وليس هذا هو قصد الله في خلقه الإنسان , لأنه خلق الإنسان حراً , ووضعه تحت التزام أدبي أمامه , وكان من واجب الإنسان أن يستمر مطيعا لوصية الخالق العظيم , لكنه أصغى لصوت الشيطان وسقط سقوطه المشين.

ومع هذا فان الله في حكمته الأزلية التي جلت وعلت , اتخذ من سقوط الإنسان وسيلة لإظهار بره وقداسته , وعدالته ورحمته , في الوقت الذي أبقى فيه للإنسان كامل حريته و وكان الصليب هو مفتاح التدبير الحكيم !!

ولا يغرب عن بالنا أنه بعد سقوط الإنسان , أعلن له الله خلاصه بواسطة ((الدم)) , وخلال هذه الآلاف من السنين التي سبقت مجيء المسيح, كان الله يعد البشرية عن طريق الذبائح الرمزية والإعلانات النبوية لترى الوسيلة الحكيمة التي رتبها لفدائها , ولتعرف خلاصه الثمين الذي سيجريه لأجلها بالصليب

فالصليب إذا لم يكن حادثاً عابراً في حياة المسيح , ولكنه كان تدبيراً أزلياً في مشورات الله , ولذا فان موت المسيح ليس كموت الأنبياء , والشهداء , وأصحاب الرسالات , ومن يموتون حباً في الوطن الذي يعيشون فيه , لأنه يختلف كل الاختلاف عن موت هؤلاء , ذلك لأن المسيح ولد لكي يموت !! ومات طوعاً واختياراً لا لأن اليهود أرادوا له أن يموت , ولا لأن بيلاطس الوالي الروماني حكم عليه بالموت , لكن لأنع جاء خصيصاً لكي يموت وأعلن وهو الصادق الأمين هذا الحق بقوله ((إن ابن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين)) مت 28:20 , وقد تكلم له المجد عن موته على الصليب عدة مرات فأنبأ به نيقوديموس في مستهل خدمته قائلا ((وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكونه له الحياة الأبدية)) يو 14:3 وأعلنه لليهود في قلب خدمته حين قال ((وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب اليّ الجميع قال هذا مشيراً إلى أية ميتة كان مزمعا أن يموت)) يو 32:12 و 33 وأخبر به تلاميذه قرب نهاية خدمته فقال لهم ((انه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة , ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم)) متى 21:16 فلم يكن الصليب اذاً أمراً جديداً على المسيح , بل كان شيئا منتظراً ثبت وجهه لكي ينطلق نحوه

ويكشف لنا بطرس الرسول عن الحقيقة الأزلية فيقول في عظته التي ألقاها يوم الخميس ((هذا ] أي المسيح]  أخذتموه مسلما بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه)) أع 23:2 ثم يعود مؤكداً هذا الحق في رسالته قائلا ((عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح معروفا سابقا قبل تأسيس العالم ولكن قد أظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم)) 1 بط 18-20 وعلى هذا فان المسيح لم يمت على الصليب موت شهيد , أو موت نبي مضطهد , لأنه لم يمت على الرغم منه , بل مات طوعا واختياراً وأعلن عن موته الاختياري قائلا : ((لهذا يحبني أبي لأني أضع نفسي لآخذها أيضا ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي 0 لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضا)) يو 17:10 , فموت المسيح الذي تم باختياره على الصليب لأجل خلاص البشر كان أمراً معروفا ومرتبا قبل تأسيس العالم وأصدق دليل على هذا هو الرموز الكثيرة الواضحة التي تذخر بها كتب العهد القديم , والنبوات العديدة الصريحة التي تمت بصورة جلية في الصليب

يحدثنا المهندس الانجليزي ((لندزى جلج)) في كتاب له عن منظر آخاذ رآه في قاعة كبرى ملحقة بإحدى الكنائس في بلاد الغرب

يتوسط هذه القاعة البديعة التنسيق تمثال رائع للمسيح المصلوب , وحول هذا التمثال عدة تماثيل لأنبياء العهد القديم وقد أشار كل منهم بإصبعه إلى ذلك الصليب المرتفع في جلال وبهاء , وتحت تمثال كل نبي الآية المركزية في نبواته عن المسيح وموته مصلوباً على الصليب

فتحت تمثال موسى الذي يشير بإصبعه إلى الصليب العجيب كتبت هذه الكلمات ((يقيم لك الله الرب إلهك نبيا من وسطك من إخوتك مثل له تسمعون)) خر 15:18

وتحت تمثال اشعياء سجلت هذه الآية الجليلة ((كنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا)) أش 6:53

وتحت تمثال داود كتبت هذه الكلمات ((لأنه قد أحاطت بي كلاب جماعة من الأشرار اكتنفتني , ثقبوا يدي ورجلي)) مز 16:22

وتحت تمثال دانيال كتبت هذه الآية الكريمة ((يقطع المسيح وليس له)) دا 26:9

وتحت تمثال يوحنا المعمدان تلمع هذه الكلمات ((هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم)) يو 29:1.

وهكذا يرى الواقف في هذه القاعة الجميلة , جميع أنبياء العهد القديم , وهم يشيرون إلى مجيء المسيح ليخلص العالم الأثيم

فلندخل إذاً إلى مقادس الوحي , ولنتابع السير وراء هذه الرموز والنبوات لنتأكد مدى انطباقها على شخص المسيح الكريم ولنبدأ أولا بدراسة :

  • عدد الزيارات: 6631