الإقتراب والدخول إلى محضر الله
(عبرانيين 10: 19 – 25) الثقة والايمان-الاغتسال والتطهير-الصدق والشفافية-الاقتراب جماعي. "فاذ لنا ايها الاخوة ثقة بالدخول الى الاقداس بدم يسوع طريقا كرّسه لنا حديثا حيا بالحجاب اي جسده وكاهن عظيم على بيت الله لنتقدم بقلب صادق في يقين الايمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير" (عبر 10: 19). خلق الله الانسان، واراده قريبا منه، لكن الخطية والعصيان ابعدتا الانسان عن خالقه واغلقتا الباب امامه. وصارت خطايانا فاصلة بيننا وبين القدير، وهذا سبب تعاستنا..
ومهما كدّسنا من املاك واموال ومجد عالمي ، نبقى ضائعين شاعرين بغربة وتعاسة.. وهكذا في المسيح، عاد الله وفتح الباب من جديد، لدخول الانسان الى محضره، وشيّد الطريق لنصل الى خالقنا، الذي صار في المسيح ابا لنا، يغمرنا بالمحبة والعطف والاحسان..
وعندما نرجع الى الله ونصل اليه وندخل محضره ونقترب منه، نتمكن من الحديث معه في الصلاة، وسماع صوته من خلال كلامه في الكتاب المقدس.. وهكذا نحيا في شركة يومية متواصلة مع خالقنا، فقط عندها يكون للامور معنى.. ما دمنا منفصلين عن الله، لا يكون للزواج معنى وللعائلة هدف والعمل غاية، وتفقد الصداقة قيمتها، ويفقد كل ما نفعله في هذا العالم معناه. وهكذا نعيش بدوامة وفراغ، محاولين اقناع مَن حولنا ان الوضع على ما يرام...والله يدعونا للاقتراب منه والتمتع بالشركة معه. ولكن هنالك شروط، علينا اتّباعها لكي ندخل محضر الله القدير نحن واهل بيتنا..
الخطوة الاولى ... الايمان : بدون ايمان لا يمكن ارضاء الله (عبر 11)، لان الله روح (يو 4) ولا نراه بالعين المجرّدة، ولكي نلتقي به، علينا ان نؤمن ونصدّق ونقبل اعلانه هو في كلمته اي الكتاب المقدس.. مهما عمل الانسان، ومهما حاول، لا يستطيع التعرف على الله، الا من خلال اعلانه هو.. ومنطق الانسان وفلسفته وتحليله لا يمكنها الوصول الى الله، ولكن شكرا لله، لانه ترك لنا اعلانه ووحيه، اذ تكلم من خلال انبيائه وقديسيه، واعلن للبشر فكره وطريقه هو للوصول اليه... فعلينا ان ندرس كلمته باكملها، وليس مجرد اجزاء منها نختارها، وعلينا ان نجتهد لفهم فكره، ومن ثم نصدّق اعلانه ونقبله بالايمان، مهما كان الامر غير منطقي وغير مفهوم.. وحتى الايمان هو عطية من الله (افسس 2: 8).. والله اعلن ان المسيح بموته على الصليب صار طريقا لنا الى الله. ولو لم يمت المسيح، لا يقبل الله القدوس الانسان الخاطئ مهما فعل من امور دينية واعمال صالحة ومحاولات متنوعة.. لكن يسوع الكامل اتى كانسان، ومات بديلا عن الخاطي، ومَن يقبل خطة الله للخلاص، يقبله الله، لان المسيح هو الوحيد الذي اعاد لله مجده، ووفّى مطاليب العدالة الالهية.. اي ان الله اعلن انه عمل الكل، ليفتح الطريق اليه من جديد، والان الباب مفتوح، والطريق متاح للخاطي ليرجع الى محضر الله.. فالخطوة الاولى ان يقتنع الانسان انه خاطي وان الله لا يقبله مهما فعل، وان يكتشف الانسان اعلان الله: ان الله نفسه جهّز خطة لخلاصه، ولرجوعه اليه اي الى الله.. وعلى الانسان ان يقبل فكر الله، لان البدائل لن تجديه نفعا... نحن نرى بسبب الخطية ان الله بعيد ولا يسمعنا، ولكن نؤمن ان الله قريب ويسمعنا ويقبلنا وينتظرنا، والطريق اليه مفتوح... وكل هذا نعلمه من اعلان الهي، وما علينا الا ان نؤمن به ونصدّق الله ونقبله كحقيقة لحياتنا.. والان نفرح لان الله فتح الطريق بالمسيح، ونريد ان نرجع، ولكن خطايانا ما زالت امامنا، لاننا ما زلنا نخطئ يوميا ونزلّ كل ساعة..
الخطوة الثانية.....التطهير: الخطوة الثانية بعد ان نعرف ان المسيح بالصليب شق الطريق الى الاب، وبعد ان قبلنا اعلان الله ان دم المسيح يطهرنا من كل خطية، فعند رجوعنا الى الله بالتوبة نعلم ان دمه غسلنا من كل خطايانا واثامنا منذ ان ولدنا الى لحظة رجوعنا الى الله... لكن خطايانا اليومية تحتاج الى حل ايضا، فيقول الكتاب ان اعترفنا بخطايانا، وان حكمنا على انفسنا .. فعلينا ان نعتاد الاعتراف بكل خطايانا ضد الله او ضد اي انسان اخر، سواء بالفكر او بالكلام والاعمال... التطهير من الخطايا اليومية يتم بالاعتراف بها، اي الاقرار بها الى الله، وقبول غفران الله .. خطايانا تسد وجه الله امامنا، واعترافنا بها ترد الشركة معه.. هل رجعت الى الله؟ هل تقبل اعلان الله ان الطريق الى محضره مفتوح؟ هل هنالك اي خطية فكرية او عملية تعلم بها؟ هل تؤمن ان الاعتراف بها هو الحل؟ .. ان الاعتراف ينبغي ان يرافقه الصدق، والاكتشاف ان الله يقبلنا فقط على اساس ما فعله يسوع على الصليب، اي بفضل الامه وموته عنا وصليبه بسبب خطايانا نحن، لان يسوع هو الكامل والقدوس ولم يفعل اي خطأ..الاعتراف امام الله، وامام مَن اخطأنا اليه، واحيانا يتضمن الاعتراف للانسان التعويض بالمحبة لمَن اخطأنا اليه اي معاملته بالمحبة المضاعفة..
الخطوة الثالثة.....الصدق: من اهم المواقف التي يطلبها الله القدير، الذي يرى اعماقنا ودوافعنا ونوايانا، هو ان نكون صادقين.. فالادعاء والتمثيل والرياء والمداهنة يبعدوننا عن الله... لكي ندخل الى محضر الله القدير، علينا ان نكون صادقين الى ابعد حدود، فعند الاعتراف لا يمكننا ان نقدّم لله الاعذار الواهية والذرائع الباهتة، وان نلوم الاخرين، بل علينا ان نعترف باخطائنا نحن، ونترك الاخرين وحالهم... فقط الله يحق له محاكمتهم، وعلينا نحن ان نتحمل كل المسؤولية لما نفعله، وبتواضع نعترف بخطيتنا بشكل محدد، وان نكشف كل قلوبنا امام الله.. لذلك جزء من الصلاة الى الله، ان نهدأ امامه ونهدئ ذواتنا، لنسمع صوت الروح لنا، ونكون مستعدين لقبول اي ملاحظة بما يتعلق بسلوكنا او دوافعنا، وان نكون صادقين مع الله، لانه يعلم كل شيء حتى اعماق قلوبنا. لانه بدون الكشف الصادق الجريء، يبقى الله بعيدا عنا ولا يسمعنا، بل نتوهم اننا قريبين منه بالشفاه لكن قلوبنا بعيده عنه.. الصدق والشفافية لا تعنيان اننا كاملين، بل ان نقترب الى الله عند ازاله كل عائق بيننا وبين الله لان المسيح هاجم الرياء والنفاق اكثر من انتقاد الخطاة والزناة...
الخطوة الرابعة...الاجتماع: بعد الايمان وتصديق اعلان الله والتطهير بالاعتراف والصدق والشفافية مع الله ، نتمتع بالشركة مع الله القدير، ونكون في محضر الله ليس فقط في ساعة معينة من النهار بل كل ساعات النهار.. ويخطئ مَن يظن اننا ندخل محضر الله فقط عند اجتماع الكنيسة وباقي ساعة النهار نكون خارج محضر الله، وان الله لا يقودنا فقط ساعة في النهار.. في اجتماع الكنيسة، ندخل محضر الله جماعيا.. كنيسة الله باكملها تدخل محضر الله، لان قصد الله ان نعبده ليس كافراد بل ايضا كعائلات وجماعات.. فالله دعا اخنوخ كفرد ودعا نوح كعائلة، ودعا موسى وشعبه كجماعة ..فهنالك دعوة جماعية ليعبد الرب شعبا وجماعة.. بعد الايمان والاعتراف والصدق، علينا ان نعبد الرب فقط مع الذين يعبدون الرب من قلب نقي (2 تيمو 2) اي بصدق وليس بالرياء والعبادة الشكلية.. يدعونا الرب الذي قبلنا وطهّرنا، ان نجتهد لنحفظ وحدانية الروح بين المؤمنين (افسس 4).. اي ان الذي هو داخل محضر الله، لا يبقى لوحده ويعبد الله لوحده، بل يبحث عن اولاد الله الحقيقيين ليعبد الله معهم.. من اقوى العلامات لانسان يتمتع بالشركة مع الله هو ان يجتهد ليكون في سلام مع الاخرين، ويكون غافرا للاخرين، صادقا وشفافا مع اخوته... لذلك اكبر خطية يفعلها انسان هو الانفراد والاستقلال عن كنيسة الله، ورفضه للشركة مع باقي الذين خلّصهم الله... لا يمكنني ان اتمتع بمحضر الله، وانا رافض قبول الاخرين، ومسامحتهم على اخطائهم مهما فعلوا (اما اذا رفض الاخرون الشركة معي، فانا لست ملوما، مع انه علي ان افحص نفسي بصدق، وتصليح ما يبدر مني).. ان المؤمن المتمتع بمحضر الله، يكون دائما فاتحا ذراعيه لاحتضان حتى اعدائه، ومستعدا لغفران اي خطأ من الاخرين، جاهزا دائما لفتح صفحة جديدة مع الاخرين ودائما يكون شفافا مع الله ومع الاخرين...
كم نحن جميعا نحتاج في هذه الايام الى الرجوع الى فكر الله وقبوله وممارسته، معترفين بخطايانا ومسرعين للتمتع بالشركة مع الله ومع كل اولاد الله من كل الجماعات، وان نكون بسلام مع الجميع حتى مع البعيدين عن الله.. نعمل الكل لربحهم للمسيح، عسى ان يفتقدهم الله، ويكون لهم ايضا نصيبا في الحياة الابدية...
- عدد الزيارات: 9098