Skip to main content

العاطفة، عاصفة خاطفة ام هادفة!

العاطفة، عاصفة خاطفة ام هادفة!خلق الله الانسان من روح ونفس وجسد ... الروح يحتوي على المنطق والعقل وهي الوسيلة او الاداة التي تتواصل مع خالقها.... اما النفس فتحتوي على العواطف والاحاسيس والمشاعر المتنوعة. والجسد هو الجانب المادي الملموس للتواصل مع العالم الفيزيائي المادي من حولنا.. ووظيفة المشاعر التي اوجدها الله هي حتى لا تكون علاقات الانسان سواء مع خالقه او مع العالم من حوله او مع الناس لكي لا تكون ناشفة جامدة وقاسية..

 فالعاطفة هي كالماء الذي يليّن العلاقات، وكالزيت الذي يطري التواصل مع البشر من حولنا... وقد خلق الله الانسان على صورته ومثاله، اي مثل الله عاقل ومفكر وايضا له مشاعر وعواطف يتحكم فيها العقل....

والعاطفة خلقها الله بحكمة متناهية تربطنا مع الوالدين والاولاد والاقارب والمعارف والاصدقاء والوطن حيث ولدنا ومع كل ما حولنا... والعاطفة هي مشاعر جياشة وقوية تهيمن على افكارنا وتستحوذ على كل ما فينا... وكثيرا ما نتخبط بين العقل والعاطفة وبين المنطق والمشاعر وبين التفكير والاحاسيس.... لكن الله قصد رغم اهمية العاطفة في حياتنا وعلاقاتنا، قصد ان يقودنا العقل السليم والمنطق الحكيم ما دام بانسجام كامل مع العقل الاكبر اي الخالق... وقد عبّر الله الخالق عن افكاره ومفاهيمه ومبادئه وآرائه في الكتاب المقدس.. ولكي يعرف المخلوق طريقة تفكير الخالق من اجل ان يكون بانسجام معه، عليه ان يتجه الى النبع الالهي اي الكتاب المقدس بعهديه... والبعض يظن انه يؤمن بالكتاب المقدس ويقصد انه يقبل بعض افكار الله في الكلمة.. لكن هذا نوع من الخداع، لاننا اما ان نقبل كل افكار الله المعلنة في الكتاب المقدس او ان نرفضها جملة وتفصيلا... فلا نقدر ان نكتفي بقبول بعض الآيات في الكتاب المقدس، بل يريدنا الله ان نقبلها كلها من دون اي استثناء وان لا نقبل اي شيء خارجه...

نقصد مما تقدم بلغة اخرى، ان الله هو الفكر او المنطق او العقل الاعظم، وهو النبع لكل حق ومنطق واتزان.. وقد خلق الله في الانسان عقلا. ولكي يكون صحيحا ومتزنا، عليه ان يكون بانسجام كامل وتوافق عميق وحقيقي مع الفكر الاعظم..... ولكي يكتشف الانسان العقل الاعظم، عليه ان يدرس ويقبل ويفهم ويتبنى كل افكار الله المعلنة في الكتاب المقدس.... وقد وهب الله لنا العاطفة، وهي مرافقة ومعاونة وداعمة للعقل او المنطق الذي فينا.... ولكي نتجنب الاخطار التي لا حد لها، علينا اولا ان لا ندع عقلنا يسبح في التفكير والتحليل والتعليل من دون ما اعلنه الله في الكتاب المقدس.... بالاضافة الى ذلك، لا يمكن استبدال المنطق والعقل بالعالطفة التي منحنا الله اياها... فالعاطفة رغم اهميتها، عاجزة لوحدها عن التواصل مع الله ومع باقي البشر..

من جهة، لا يمكن ان تكون علاقتنا وصلتنا وشركتنا مع الله الخالق ومع خلائقه من حولنا، مبنية فقط على العاطفة والمشاعر والاحاسيس المتغيرة والمتبدلة وغير الثابثة، ان كان ذلك هو الحال، ضاع البشر وتاه الناس وسادت البلبلة والفوضى.. لكن من جهة اخرى، لا يمكن ان تكون علاقتنا مع الله والناس من دون عاطفة اي ناشفة وجافة ويابسة وجامدة كالماكنات... علينا الاتزان بين العقل والعاطفة وبين المنطق والمشاعر.. المنطق ثابت وهادئ ومتزن، اما العاطفة فمتغيرة وهائجة ومتخبطة ومتناقضة.....

والعاطفة هي المشاعر القوية التي تربطنا مع الله ومع اهلنا واولادنا واصدقائنا ومعارفنا ومع الاماكن التي تواجدنا فيها كالبيت حيث ترعرعنا والوطن حيث نشأنا ومكان العبادة حيث نتواصل مع خالقنا والمدرسة حيث تلقينا العلم، ومع باقي الناس والاماكن التي خلال وجودنا في هذا العالم، تلامست ارواحنا معهم واحتكينا بهم وتركوا اثرا ما على حياتنا وتفكيرنا وتكوين شخصيتنا... ولا نقدر ان نتجاهل هذه المشاعر القوية ولا يمكن طمسها او محوها، لكن من جهة اخرى لا ينبغي ان تكون هذه العواطف مسيّرة لحياتنا وقراراتنا.. اي انه رغم سيطرة العواطف ومدى تحكمها، علينا ان لا ندعها تقودنا وتتحكم في قراراتنا المصيرية... فكل قرار مبني على المشاعر والاحاسيس، يكون فاشلا ومدمرا.. من جهة لا ينبغي تجاهل المشاعر، لكن علينا ان نستخدم المنطق السليم والعقل الحكيم المبني والمؤسس على افكار الله المعلنة في الكتاب المقدس....

مع اننا لا يمكننا ان نقتلع العاطفة من قلوبنا، الا ان اهم شيء في حياتنا هو اطاعة الرب وقبول ارادته وتتميم مشيئته من خلالنا.. ما دامت العاطفة فينا متناسقة مع فعل مشيئة الله، تكون العاطفة امرا ايجيبيا ومساعدا ونافعا.. اما اذا تناقضت المشاعر مع ارادة الله وتناقضت العاطفة مع افكار الله عندها ندخل في صراع مرير ومعركة نفسية علينا ان ننتصر من خلال وضع العاطفة جانبا وتجاهلها والسير بالتوافق مع افكار الخالق.... فحب العائلة والوطن اوجده الله فينا.. لكن اذا تصادم حب العائلة والوطن مع حب المسيح، نرفض الاول ونختار الثاني.. في كل مرة يكون حب الوطن وحب العائلة معطلنا امامنا لفعل ارادة الرب، علينا ان نختار فكر الرب متحاهلين كل مشاعرنا العائلية والعاطفية.. حتى ان يسوع اعلن مرة قائلا :" مَن هي امي ومن هم اخوتي، فكل من يصنع مشيئة الله هم امي واخوتي".. كثيرا ما يكون ما وهبنا الله معطللا لاطاعة الرب ويكون ما اعطانا الله هو ذاته المانع لصنع ارادة الرب.. فكثيرون بسبب اخ او ام او زوج او قريب او صديق يجدون صعوبة في اطاعة صوت الرب... يجد صعوبة في فعل امر يحزن اما او ابا او قريبا ولا يبالي اذا احزن يسوع الذي مات من اجله.. كثيرا ما يكون السبب الوحيد في رفض الافكار الالهية، مجرد مراضاة المجتمع او العائلة، في هذه الحالة، تكون العاطفة مدمرة ومع ان الله اوجدها لخيرنا، نستخدمها لضررنا... ونستخدم عطية الله كعذر للعصيان ضده بذريعة اننا لا يمكن ان نحزن احد افراد العائلة العزيزين علينا.... ان هذه العاطفة قد اوجدها الله القدير ليس لاستخدامها ضده بل لاستخدامها لتوصلنا اليه.. كثيرون عندما تسألهم لماذا لا تطيع صوت الله، يجيبون عليك حب الوطن والتمسك بالعائلة والوظيفة وكأن ذلك هو اسمى الارتباطات... ان اسمى الارتباطات والالتزتمات هي نحو الله خالقنا ونحو يسوع فادينا الذي اشترانا بثمن فلا يجب ان نكون عبد للنس والبشر اي كانوا.....

  • عدد الزيارات: 17564