Skip to main content

حجلة تحضن، ما لم تبض!

حجلة تحضن، ما لم تبض!"حجلة تحضن ما لم تبض... محصّل الغنى بغير حق. في نصف ايامه يتركه وفي آخرته يكون احمق" (ارميا 17: 11) في هذه الاية، يقول الوحي المقدس ان حجلة تحضن ما لم تبض، ستخسر في النهاية.... والحجلة هي طير يشبه الحمام، لكنه اكبر قليلا.. وهو طير اتكالي وكسول... وهنا يتحدث الوحي عن الحجلة التي تحضن وتتمتع وتلتذ ببيض لم تبضه، وبفراخ لم تلدها.. وهذه صورة دقيقة للبشر الذين يجمعون ما تعبه الاخرون، ويتمتعون بما جمعه الاخرون، ويحضنون ما لاخرين ويتصرفون وكأنه لهم...

هنا الحجلة تحضن بيضا او فراخا، تعبت طيورا اخرى في تكوينها، واجتازت الام المخاض والجهاد، ولما باضت، اقبلت هذه الحجلة، وحضنت بيض غيرها، وادّعت انها هي صاحبة الامر....

والغريب هنا، اولا لماذا لا تبيض الحجلة بنفسها، بدل ان تحضن ما لغيرها؟ ثم ، أ لا تبالي بمشاعر الأم الحقيقية للفراخ، عندما ضمّتها الى حضنها؟؟... والسؤال الاخير هو، أ نسيت ان الله العادل موجود، ويطالب بما مضى؟ هل اعتقدت انه يمكنها ان تظلم الاخرين، والله يتركها وشأنها؟؟؟

ربما ظنت هذه الحجلة انها ذكية وحكيمة، لانها اتخذت الطريق السريع للحصول على ما تريد، لكن الاية تقول انها حمقاء وغبية في آخرتها، لانها سترد ما سلبته اضعافا شاءت ام أبت.... وربما اعتقدت الحجلة انها يمكن ان تحصل على ما تشاء من دون تعب او عناء...فتعب عشرين سنة، تضمه اليه في لحظات متكلة على ذكائها في اثبات حقها فيه..  فلديها طريقة سريعة للحصول على مشتهاها من تعب الاخرين.... ولا احد يعلم بذلك... لكنها تجاهلت ان الله القدير يعلم كل شيء وان ما يزرعه الانسان فاياه يحصد ايضا....وربما تناست ان ما سببته من معاناة للام الحقيقية عندما سلبت فراخها، ستجتازه هي ايضا بنفسها، ولكن في وقته...

ومع ان الله في كتابه المقدس يحذّر البشر من ان كل مَن يظلم، سيدفع الثمن... وكل مَن يأخذ من تعب الاخرين، سيرده اضعاف، وكل حجلة تحضن ما لم تبض، ستترك كل ما جمعته في لحظات، وتكتشف انها كانت غبية وحمقاء في كل خطواتها... اريد ان اقول، انه رغم تحذير الله للناس، الا ان الكثيرين لا بل الملايين من البشر تغنى وتكبر وتنجح عالميا بهذا الشكل، اي ظلما للاخرين، وبخلا وتقتيرا، وسلبا لحقوق الضعفاء والعاجزين.. وعندما يغنون، يفتخرون كأن ثروتهم هي من تعبهم الخاص فينسبون الفضل الى ذواتهم... نسوا وتناسوا انها من تعب الاخرين، ومن ظلمهم للمساكين الذين لا ينطقون ببنت شفة.. وان تكلموا او احتجوا، ظهر المظلومون مخطئين وضعفاء، لان سالبيهم اقوى منهم اجتماعيا.. والمجتمع يصدّق صاحب المركز، مهما كذب، ولا يصدّق الفقير والمظلوم مهما صدق...كل ما يقوله الغني والقوي وصاحب العائلة الكبيرة وصاحب الثروة العظيمة وصاحب الشأن، كل ما يقولونه، تصدّقه الناس من دون فحص... لان المصلحة تدفعهم الى ذلك.... وكل ما يقوله الضعفاء والفقراء والمساكين والمظلومين، لا يصدّقه احد، حتى ولو رافقه الف دليل والف برهان... لكن الله القدير، لا يحابي الوجوه، وهو رب الفقير والضعيف والمظلوم والعاجز... وسيأخذ الظالم عقابه مهما كان حتى ولو بعد سنين طويلة، ولا يمكن ان يهرب من الله...

وبما ان هذه العبارة وردت في الكتاب المقدس اي كلمة الله، لذلك ليس هنا المقصود فقط الامر المادي والجانب العالمي والاجتماعي.. لا شك ان للقول ابعاد روحية، ودروس عميقة وجدّية... حجلة تحضن ما لم تبض.... كنيسة او جماعة تضم نفوسا من كنيسة اخرى... خادم او واعظ يحضن نفوسا واتباعا، تعب في ربحها خدام اخرون.. طبعا في النهاية النفوس هي للرب، وليست لانسان.. لكن الكنيسة الحقيقة التي يؤيدها الرب، هي التي تسودها كلمة الرب الحية، ويرأسها الرب يسوع، وتحرّكها كلمة الرب بقوة الروح القدس.. الكنيسة الحقيقية هي التي "لها وفيها سلام (وليس فوضى وتشويش)، وتُبنى (اي تزداد في البنيان الروحي وليس الجسدي)، وتسير في خوف الرب (وليس في وجهنة المجتمع) وبتعزية الروح القدس تتكاثر" (اعمال 9: 31).. الكنيسة الحقيقية هي الحجلة التي تتعب في الكلمة وتجاهد في الصلاة والتقوى، ويستخدمها الرب بوضوح في ربح نفوس كثيرين للرب.. ولا تعتبر كنيسة حقيقية، اذا كانت كحجلة تحضن نفوسا من جماعات اخرى، اي من تعب الاخرين.. الكنيسة التي معظم اعضائها هو من تعب كنائس اخرى، لا تعد كنيسة حقيقية بحسب التعليم الصحيح وبحسب الحق الكتابي.. وعاجلا ام آجلا ستخسر كل شيء... والخادم او الواعظ الذي اتباعه او اعضاء كنيسته هم جميعهم او معظمهم من تعب الاخرين، لا يمكن ان يكون خادما حقيقيا لله.. كما قال الرسول بولس "ولكن كنت محترصا ان ابشّر هكذا، ليس حيث سُمّي المسيح،لئلا ابني على اساس آخر" (رومية 15: 20) ...

ولماذا تحضن كنيسة مؤمنين من تعب الاخرين؟، ولماذا يحضن خادما اعضاءا من تعب الاخرين؟؟؟... اولا لانه عاجز عن ان يكون سببا في خلاص النفوس..فحجلة تبيض لا تحتاج الى بيض غيرها.. كذلك مَن اقام نفسه، ودافعه للخدمة كما قال بولس، هو مجرد الغيرة والحسد والتباهي والافتخار.. ثم هو يريد اتباعا له ومستمعين، دون ان يتعب او يجاهد.. فهو يريد الطريق السريع والسهل للوصول الى مبتغاه.. واذا كان صاحب مركز اجتماعي، ينجح بسرعة هائلة.. لان الناس تتبع المراكز، وتركض وراء المصالح، وتعبد اصحاب النفوذ، وتلهث خلف مَن يطعمها.. مَن يعلم، سيحتاجه يوما ما... ولماذا كنيسة ما او جماعة ما، تعتقد ان الحق الكتابي فيها والتعليم الصحيح رايتها، وتفتخر على كنائس اخرى، مع ان الفوضى تسودها، وهي عاجزة عن الاتيان بنفوس جديدة من العالم، بل هي بارعة في اقناع مؤمنين من كنائس اخرى للانضمام اليها... ان الرب قصد ان تكون الكنيسة سبب بنيان وخلاص لنفوس جديدة من العالم الى الفندق الالهي.. وقصد ان يقيم خداما ورعاة قادرين على جذب النفوس الهالكة الى الرب..... والا فالناس تتعب للباطل، وتجاهد عبثا، لكنها في النهاية ستخسر كل شيء وتفقد كل شيء... وسيعطي كل واحد عن نفسه حسابا لله..

  • عدد الزيارات: 5660