لا تطرحوا ثقتكم التي لها مجازاة عظيمة
"إن وثق احد بنفسه انه للمسيح فليحسب هذا ايضا في نفسه انه كما هو للمسيح كذلك نحن ايضا للمسيح" (2كو10: 7). في الرسالة الى العبرانيين يتكلم الرب الينا ايضا في هذه الايام الاخيرة. وما زال التاريخ يعيد نفسه، وتبقى كلمة الله حية وفعالة ومناسبة لكل مكان وزمان. ويمكننا ان نتعلم دروساً حية وعملية من الرسالة الى العبرانيين، ان تمكنّا من تطبيق كلمة الله على واقعنا اليوم من دون محاباة او حكم مسبق، لانه علينا ان نخضَع للكلمة لا ان نُخضِع الكلمة لنا.
كُتبت الرسالة عام 63 بعد ولادة ربنا يسوع، اي 3 سنوات قبل عام 70، عندما اتى الرومان وهدموا الهيكل واحرقوا مدينة اورشليم وقتلوا اهلها ونهبوا كنوزها وبقي الكل اطلالا وحطاما تدعو للرثاء والبكاء.
وقد كتبت الرسالة الى اليهود الذين آمنوا بالرب يسوع، فتركوا اليهودية وتبعوا المسيحية. اما اليهود الذين رفضوا الانجيل فقد اضطهدوا وقاوموا كل الذين آمنوا بيسوع، وبسبب الضيق والاضطهاد من اخوتهم واهلهم، رجع البعض الى اليهودية من جديد وتركوا المسيحية. اي ان هنالك ثلاث مجموعات: اليهود المتمسكون باليهودية واليهود المتمسكون بيسوع الذين تركوا اليهودية واليهود الذين تبعوا المسيحيين ثم رجعوا الي اليهودية بسبب الضيق.
وقد كتب الرسول هذه الرساله ليشجع الذين آمنوا بالرب يسوع وتركوا اليهودية ولكي يحذر الذين بسبب الضيق ارادوا الرجوع الى النظام القديم من جديد، واعلن الرسول ان اخطر خطية يمكن ان يقترفها انسان هي ترك المسيحية بعد اختبارها والتمتع بها، والرجوع الى نظام قد رفضه الرب. ولكن المشكلة المزدوجة هي انه كان على مَن يريد اتّباع يسوع حتى النهاية اولا ان يدفع الثمن وهو الرفض حتى من اعز الناس من الاهل والاصدقاء والاقرباء واحتمال الضيق حتى سلب الاملاك والاموال وترك كل شيء لاجل ربح المسيح. والصعوبة الثانية ان اتباع المسيح كان بالايمان اي ان المؤمن الثابت الصامد كان عليه مقاومة الاغراء امامه: فكيف يترك ديانة اعطاها الله بنفسه ونبي عظيم كموسى وهيكل الله العظيم الذي بناه الملك سليمان والمدينة المقدسة والمذبح ونظام الذبائح، كيف يترك ويحتقر كل هذا ويتبع يسوع المرفوض الذي لا منظر له ولا جمال، يتبع مجموعة تبدو في الظاهر انها لا تملك شيئا فهي تنادي بالايمان بدون مذبح او هيكل او كاهن او نبي!؟ . بالحقيقة كانوا امام تحدي تاريخي عظيم واغراء ديني شديد وضغوط جهنمية من كل جانب ربما من اب او ام او اخوة او زوجة او زوج او اعزّ الاقرباء. فقد كانوا يبدون كالمجانين الذين فقدوا صوابهم، يتركون اعظم ما اعطاه الله ويتبعون السراب والمستقبل الغامض وهم امام الف سؤال بدون جواب.
وهكذا كتب الرسول لهم قائلا ان المسيحية هي حقيقة ما كان في اليهودية، الذي كان رموزا فقط لامور روحية في المسيح: فالمسيح يسوع هو المذبح الحقيقي والكاهن والذبيحة والهيكل، مع ان هذا الكلام كان لغير المؤمنين هذيانا وغباءاً. واراد الرسول ان يشجع الاتقياء على اتباع المسيح بالايمان حتى النهاية فأظهر ان يسوع هو اعظم من كل ما كان في العهد القديم وهو اعظم من الانبياء والملائكة. وكل من له يسوع، له الكل، وان كل القديسين والانبياء في العهد القديم ساروا وعاشوا بالايمان واحتملوا الضيق والاضطهاد وبقوا امناء حتى النهاية. فعلينا نحن ايضا ان نتابع نفس الطريق، لا يهم ما يقوله اعزّ الناس لدينا، وما ينصّه المنطق ويقوله المجتمع. وحتى ما قاله الله الحي ذاته في الماضي في الكتاب المقدس ربما هو يستبدله بآخر!.
يا له من امتحان قاسي وتحدّي جبار. من اجل هذا كثيرون رجعوا الى الوراء بسبب الضيق وضغوط الاقرباء ولامنطقية حياة الايمان، فحذّرهم الرسول قائلا ان مَن يرجع الى الوراء، لا يبقى اي رجاء امامه ولا قبول له لدى الله بل دينونة وغضب بلا رحمة. فكان الخيار صعباً اما ان يكونوا امناء حتى النهاية كالانبياء او يرفضهم الله رفضاً كاملا وابديا. لذلك كانت لهجة الرسول صارمة وحازمة ووضع امام الامناء كل تشجيع وامام المترددين كل تحذير. كان الخطر امام الامناء ان يطرحوا ثقتهم ويبتلعهم اليأس والاحباط والتساؤلات والحيرة : العل هكذا حياة الايمان؟ أهكذا علينا ان نتحمل الى هذا الحد؟
كان كلام الرسول واضحا جدا وهو الاعلان عن فناء النظام القديم باكمله، مع ان الله اعطاه. ان مجيء الرب يسوع قد الغى كل ما في العهد القديم، ويسوع استبدل الكل، ومَن اراد اطاعة الرب، عليه ان يتبع يسوع المرفوض بالتمام. في البداية، بدا للاكثرية ان كلام الرسول كان ضعيفا، واما كلام الذين قاوموه ودافعوا عن اليهودية بكل قوة فقد بدا كلامهم قويا ومقنعا، فقد استخدموا تارة التودد والمداهنة والخداع وتارة استخدموا التهديد والتخويف، فرجع البعض الذين خضعوا للالحاح، مع انهم لم يستطيعوا اسكات ضميرهم الذي بكّته الروح القدس. وقد استخدم الرسول حججا واقناعا من الكتاب المقدس في العهد القديم، فكل مَن كان صادقا ومخْلِصا امام الرب، استطاع ان يميز الحق، اما الذين يهمّهم كلام الناس، فقد انخدعوا ورجعوا ظانين ان كلام الناس هو المهم وتجاهلوا كالنعامة صوت الرب.
هل بقيت الامور هكذا؟ هل بقي الغموض ونجح الخداع؟ هل ترك الرب الامور تسير كما يشاء الانبياء الكذبة؟ هل اختلط الحابل بالنابل وضاعت الطاسة بين آراء الناس وادعاءات وحجج الكثيرين؟! ان الله حي وهو لا يخضع لما يفكره البشر، وهو حر السيادة ويبقى السيد الوحيد وكلمته حية وفعالة، وستأتي النبوة حتى ولو تأنّت قليلا، وكل حرف من كلمة الرب سيتم تماما مهما اعتقد خلاف ذلك فلاسفة هذا الدهر وحكماء هذا العالم وحتى رجال من اعضاء الكنيسة!.
بعد وقت قليل جدا اي عام 70 ميلادي، حدث ما لم يتوقعه احد ولم يدركه معلموا الناموس الذين ظنوا ان الهيكل ابدي ونظام العهد القديم حتى الله لا يستطيع تغييره! أتى الرومان بقيادة تيطس الى مدينة اورشليم واحرقوا المدينة وهدموا الهيكل وقتلوا الناس، فالتغى النظام القديم والتغت الذبائح ونظام الكهنوت، وخلال 2000 عام، لم يستطع احد ان يُرجعه!. بالتأكيد اصيب المقاومون بالصدمة والذهول: كيف يسمح الله القدير بهدم بيته ومذبحه وقتل شعبه!. وما زالوا حتى يومنا هذا يتحيرون لا يستطيعون ان يدركوا او يعوا ما حدث.
ان الله القدير اعلن تأييده لما قاله الرسول وثبّت انجيله والايمان بيسوع، وصرّح ان ما بدا كلام سخيف وما بدا خطوة جنونية، هو بعينه ما اراده الرب. وما يريده الرب لا يستطيع احد مقاومته. واما ما بدا منطقيا وحكيما، اعلن الرب عن رفضه الكامل حتى ولو كان هو الذي اعطاه. فالله غير محكوم لأحد حتى وليس لاقوال قالها الله بنفسه، فالانسان لا يستطيع ان يتحكم بالرب باستخدام كلامه!.
ماذا نتعلم اليوم من كل هذا؟ نحن نجتاز وضعا مشابها اليوم. يعلن الرب ارادته الواضحة. ويستغرب الكثيرون ويتحيّرون، فيقاومون هذه الخطوة بكل قوتهم مستخدمين آيات من الكتاب المقدس تارة، والتهديد او التودد والوجهنة والعاطفة العائلية تارة اخرة، ينادون قائلين هنا هيكل الرب وهنا كنيسة الله. واما الذين اطاعوا صوت الرب الواضح بالايمان، يواجهون الضيق والضغوط والخسارة والمقاومة حتى من الاقرباء والاعزاء، فكلمة الرب لنا اليوم: لا تطرحوا ثقتكم لان لها مجازاة عظيمة ومكافأة اكيدة من الرب ولا تنخدعوا بكلام المنافقين، حتى ولو كانوا من اعز الناس لدينا واستخدوا الآيات الكتابية وحتى ولو بدا كلامهم مقنعا وقويا، وبدا موقفنا ضعيفا. لكن ارادة الله دائما هي الايمان، وبدون ايمان لا يمكن ارضاء الرب ابداً. ولنتحذر بكلام الرسول لئلا ننخدع ونرجع عن الايمان ونرفض صوت الرب الواضح، مستخدمين شتى الاعذار.
ان اللحظة آتية لا محالة والوقت قريب جدا عندما يتدخل الرب ويقلب الاوضاع، عندها سيواجه المقاومون والمخادعون والمخدوعون غضب الرب ودينونته. وكما بقي المقاومون مشدوهين من رد فعل الله 2000 عام، سينذهل ايضا كل الذين افتخروا بافكار العالم واحتقروا خط الايمان وازدروا برجال الايمان، وسيتلقّون ضربة موجعة لن ينسوها ابدا وليس من شفاء او دواء. وكل الذين رذلوا رجال الله وسخروا بانبياء الرب الامناء وتهاونوا برسل القدير، سيثور عليهم غضب الرب ولن يكن شفاء (2 اخبار الايام 36: 16). ليرحم الرب.
وليتشجع كل الذين اطاعوا صوت الرب واكرموا رجال الله الحقيقيين وتجاهلوا كلام الناس وواظبوا على طريق الايمان واحتملوا كل شيء لاجل الرب، ولم يرجعوا الى الوراء ولم يطرحوا ثقتهم لان لها مجازاة عظيمة، لأنه بعد قليل سيأتي الآتي ولا يبطئ اما البار بالايمان يحيا وان ارتد لا يسر به الرب لانه بدون ايمان لا يمكن ارضاء الرب.
صديقي، هل لديك اي سؤال؟ لماذا لا تتصل بنا للتحدث بارادة الرب لنا في هذه الايام؟!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
- عدد الزيارات: 7656