هل خطوة الايمان هي خطوة جنونية؟!
هل يطلب الرب السيد من أن الانسان يتخذ خطوة جنونية؟! لماذا لا يطلب الرب شيئاَ يتقبله العقل البشري ولماذا لا يطالبنا الرب أن نفعل أمراً في حدود المنطق؟! لماذا يتحدى الرب كل منطق بشري ويسخر بكل موازين البشر؟ أليس ما طلبه الرب من ابراهيم أن يقدّم ابنه الوحيد الذي يحبه، أمراً جنونياً يرفضه كل منطق بشري؟ لماذا لم يطلب الرب منه أمراً في حدود منطقنا؟
أليس ما طلبه الرب من يشوع امام اسوار اريحا، جنوناً؟ اليس ما حدث في الصليب امر لا يدركه بشر؟! لماذا قتْل البشر لابن الله هو الطريقة الوحيدة لخلاص وفداء البشر؟ اليس ما طلبه يسوع من التلاميذ جنونا ان يتركوا كل شي ويتبعونه، ولما فعلوا ذلك، ذهب ليصلب ويموت ولم يبق معهم؟
حقاً ما يريده الرب منا ويطلبه هو دائما امر يرفضه المنطق البشري ويغضب منه كل الفريسيين وامثالهم، لان ما يطلبه الرب يضرب بعرض الحائط كل افكار وحكمة البشر.
والغريب حقاً انه حتى بعض الذين في داخل الكنائس يحاولون جاهدين ان يجعلوا انجيل ربنا مطابقا للمنطق البشري ويرفضون صوت الرب لانه يدوس حكمة الانسان، لكنهم يتناسون ان حكمة الانسان ومنطقه هما اللذان صلبا رب المجد!. وعندما يطيع احد البشر صوت الرب، يستغرب البعض فيهاجمون شخص كهذا ويقيسون خطوته بكل المقاييس البشرية فيجدونها مخالفه للمنطق، فيرفضونها جملة وتفصيلا ويرفضون حتى مناقشتها في ضوء كلمة الله الحية الفعالة التي ينادون انهم يتبعونها. أليس غريبأ ان نتبع الصليب وندافع عنه وفي نفس الوقت نرفض فكرة الكتاب التي تعلن ان في الصليب صلب ايضاً الانسان القديم مع افكاره ومنطقه وحكمته!، لان حكمة الانسان هي جهالة وغباوة في نظر الله. لكن حكمة الله العجيبة التي ظهرت في الصليب للخلاص هي جهالة وغباوة في نظر الانسان ايضاً.
صديقي عليك ان تقرر وتحسمها مرة والى الابد لكي يكون لك قبول امام الله الحي. ان تقبل صليب المسيح الذي صلب معه انساننا القديم واحرق حكمتنا البشرية ورفض كل منطق بشري حتى لو ظهر حكيماً ويبرق كالذهب. لنسلك بالايمان وليس بالعيان ولنعلم اننا بالنعمة مخلّصون بالايمان ولولا نعمة الرب لهلكنا الى الابد. وكنيسة المسيح لا يمكن ان تخون حبيبها وعريسها بأن نستبدل حكمة المسيح بحكمة العالم وفكر الرب بفكر الانسان الساقط. وعلى الكنيسة الحقيقية ان ترفض مقاييس البشر واستحسانهم بل علينا ان نتبنى فكر الرب ونفتخر به حتى ولو رفضَنا الجميع واحتقَرنا اقرب الاقربين ولنذكر ان البشر رفضوا ايضا رب المجد وخالق الاكوان. مثلاً، على الكنيسة ان ترفض كل مَن يريد القيادة فيها معتمدا على منصبه الاجتماعي وغناه او علمه او كونه من عائلة هامة او كونه فصيحا بل القيادة في الكنيسة يجب ان تكون للروحيين والمقامين من الرب فقط. وعلى الكنيسة الحقيقية ان تشجع خطوات الايمان التي تعتمد فقط على كلمة الرب ولا يهمّها افكار البشر .
لنتامل في حادثة انجيلية واقعية تضعنا امام خيار هام وتفحص دوافعنا اذا كانت تمجد المنطق البشري ام تتبنى فكر الرب العجيب رافضة التحليل والتعليل البشري ولا يهمها فكر حكماء البشر حتى ولو كانوا من الكنائس. ما رأيك في امرأة تهب كل ما لها مدّعية ان هذا هو فكر الرب ولا يهمها معيشتها بعد ذلك؟! ما رأيك ايها الحكيم بالمرأة في انجيل يوحنا اصحاح 12 التي سكبت قارورة الطيب غالي الثمن عند اقدام يسوع المرفوض من الجميع؟!
هنا نقف امام الكثير من الاسئلة والتساؤلات التي يضعها المنطق البشري: أهذا هو الايمان، بان تسكب هذه المراة ما جمعته في سنة كاملة اي كل معيشتها؟ كيف قبل يسوع ذلك؟ لماذا سكبت طيب غالي الثمن؟ لماذا سكبته على الارض عند اقدام يسوع؟ ما الفائدة من ذلك؟ لماذا لم يباع ويعطى للفقراء والمحتاجين كما ادّعى يهوذا الذي باع المسيح ب30 من الفضة؟ مَن سيعيل هذه المراة بعد ان سكبت كل ما لها؟ هل انت مستعد ان تساعد هذه المراة وانت تعلم انها سكبت كل شيء عند اقدام مَن صُلب بعد اسبوع؟ اين تضع هذه المراة الملايين الذين يكدّسون الاموال وفي نفس الوقت يتحدثون عن التكريس والقداسة والامانة للرب؟ لماذا لم تستشر هذه المرأة اخوتها او التلاميذ، اليس من الانسب ان تستشير هذه الاخت تلاميذ الرب يسوع قبل ان تفعل ذلك؟ هل نسيت ان الرب يريد فقط اخوة رجال، فلماذا تصرفت بهذا الشكل دون ان تفكر بتفاهة ما فعلته؟ الا يبدو ان خطوتها كانت خطوة غير حكيمة غير مؤسسة على اي منطق. أليس ما فعلته جنونا وامرا يدعو الى الغضب؟ لو كنا هناك، الا نقرر ان نعاقب هذه المرأة وان نحرّض الجميع الا يساعدوها لانها تجاهلت كل المقاييس والمعايير الموزونة؟
صديقي، الا تضعنا هذه المرأة امام سؤال تاريخي هام وامام تساؤل مصيري واساسي، وألا يضع الكنائس وخاصة القيادة في الكنائس امام فحص ذاتي ووقفة فاحصة لاسلوب حياتهم ودوافعهم ومقاييسهم؟
العجيب ان يسوع ربنا العجيب الحكيم بارك ما فعلته هذه المرأة واعلن عن رضاه مما فعلته ومدح خطوتها وأثنى على ما فعلته، وبهذا يضعنا يسوع امام تحدّي جاد وهام يهز ضميرنا ويثور على مقاييسنا التي ندّعي انها روحية وسامية. ما هو حكم يسوع على ما فعلته هذه المراة؟
طلب الملك الالهي ان يضعوا هذا الحدث في الوحي المقدس وطلب ان يُكرز عن هذه المرأة في كل زمان ومكان، وسرد هذه الحادثة في الاناجيل الاربعة قبل قصة الصليب. مع ان معظم الاحداث لا نجدها في كل الاناجيل الاربعة، فالحدث الذي نجده في الاربع الاناجيل يكون ذي اهمية عظمى! مما يؤكد ان الرب اعجبه جدا ما فعلته هذه المرأة وشعر يسوع امام الصليب المرير ان لا احد يفهمه كهذه المرأة، حتى انه قال انها كفّنته وهو حي ولا نرى هذه المرأة عند الصليب ابدا! يبدو ان ادراكها فاق حتى ادراك التلاميذ!.
الغريب ان تلاميذ الرب لم يعجبهم خطوة الايمان التي اتخذتها هذه المرأة بل اغتاظوا مما فعلته ولم يقدروا ان يتقبلوها وشعروا انها تجاوزت كل منطق وجلبت العار لهم. من المؤكد ان بطرس مثلا بعد يوم الخمسين اي بعد ان انار روح الله فكره وتذكر هذه المرأة لا بد انه خجل من نفسه وعرف مدى ابتعاده عن فكر الله، لا بد انه تعلّم كثيرا مما فعلته هذه المرأة.
لكن نفهم من الوحي المقدس ان موقف التلاميذ الخاطئ بدأ به يهوذا الذي كان الرائد في انتقاد هذه المراه بحجة انه من الافضل ان يباع هذا الطيب ويعطى للفقراء. تظاهر انه يهمّه الفقراء وحاجاتهم مع انه لم يهمّه مجد الرب يسوع. تظاهر انه محسن اجتماعي وقد احتقر رب الحياة. تظاهر انه حكيم وعاقل وهو مَن تصرّف بجنون عندما اسلم رئيس السلام ومضى وشنق نفسه! مَن كان حكيما اكثر: يهوذا الذي قال انه ينبغي ان نساعد الفقراء ام المرأة التي سكبت الطيب غالي الثمن على الاقدام؟
ما زال التاريخ يعيد نفسه حتى يومنا هذا. ما اكثر المدّعين في هذه الايام! ما اكثر "العقلاء الحكماء" الذين يتظاهرون ان همّهم مساعدة الناس، ويهاجمون كل مَن يتّخد خطوة ايمان وكل مَن يريد ان يطيع الرب ويكرمه يبدو في اعين المنافقين احمقا وغبيا.
الغريب ان موقف يهوذا الخائن تبنّاه جميع التلاميذ. بدأ يهوذا في انتقاد مَن يكرم يسوع متظاهرا بالصلاح ثم انتقل المرض الخبيث الى الباقين حتى رسل الانجيل فقد انخدعوا بما قاله يهوذا.
ما زال كذلك ايضا في هذه الايام، ان مَن يريد ان يطيع الرب ويتخّذ خطوة ايمان، لا يأبه بما يفكره البشر حوله حتى ولو انتقده مَن تظاهر بالقداسة. ان وعد الرب واضح واكيد انه يكرم كل مَن يكرمه بمائة ضعف والرب يبقى امين لا يمكن ان ينكر نفسه. ان الرب الذي بذل كل ما له حتى حياته وسكب دمه لاجلنا، يطالبنا ان نطيعه بالايمان ونضع كل ما لنا عند صليبه ولن يرضى بغير الايمان ولن يقبل بأقل من كل ما لنا وكل قلوبنا، فهل نحن مستعدون لذلك؟، ام يهمنا ارضاء البشر واستحسان اصحاب المراكز، خاصة الذين في داخل الكنائس؟. علينا ان نكرم الرب اولا ونحب الرب اكثر من اهلنا واولادنا ومالنا وعملنا، ولا يهمنا رأي البشر وفكر الانسان وحكمة المنتقدين وتعليل الذين يحتقرون الصليب ويخدعون سلماء القلوب. ألا يكفي ان الرب راضي ومسرور؟ ان الرب لن يخزي مَن يكرمه بالايمان. ان الرب امين وقد وعد ان يحفظ ويعيل ويهتم بكل مَن يتّخذ خطوة الايمان. الغريب ان مَن يرفض اطاعة الرب بالايمان ويتمسّك بالعالم والمنصب العالمي والمال والعائلة، يظن ان وعود الرب هي له ايضا! يعتقد ان الرب سيحفظه ويحميه ويعيله. اما مَن يطيع الرب بالايمان، فيشك احيانا ويخشى ان يتركه الرب! . الحقيقة ان مَن يرفض اطاعة الرب يخدع نفسه والاخرين، مستخدما المنطق البشري السقيم ويتميز بانتقاده لمَن اطاع الرب بالايمان ويسعى ليعاقبه مدّعيا ان مَن يسلك بالايمان هو جاهل، فيلجا الى مقاييس البشر ولا يعلم ان الرب قد داس منطق البشر منذ الاف السنين.
لا تنخدع صديقي بكلام الذين يركضون وراء العالم حتى ولو بدا كلامهم منطقياً ويعجب البشر. ضع كل ما يدّعونه امام فكر المسيح وفي ميزان انجيل الايمان وسترى الخداع الواضح. ليشجعك الرب الذي هو ايضا سار في طريق الايمان وبدا ان اعداءه حكماء، لكن رئيس الايمان انتصر وما زال يحصد البركات مما فعله، وما زال المدّعون يحصدون المرار حتى هذا اليوم. لنبق ثابتين، نعلم بالايمان ان الرب سينتصر ووعوده يقينة واكيدة وهو الذي يستطيع كل شيء، هو يكفينا ومعه سنحصل على كل شيء وسيبقى الرب يحدّث بأمانة مَن أكرمه.
لنكرمه اكثر واكثر انه يستحق الكرامة وسنحصد في وقته ولنصلي للرب ليرحم جميع من حولنا. "وَالآنَ يَقُولُ الرَّبُّ: حَاشَا لِي! فَإِنِّي أُكْرِمُ الَّذِينَ يُكْرِمُونَنِي، وَالَّذِينَ يَحْتَقِرُونَنِي يَصْغُرُونَ".(صَمُوئِيلَ الأَوَّلُ الأصحَاحُ الثَّانِي).
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
- عدد الزيارات: 5427