الدرس الثالث والسبعون: الطلبة الثالثة: لتكن مشيئتك
لا زلنا نقوم بدراستنا لطلبات الصلاة الربانية وقد ذكرنا أن الطلبات الثلاث الأولى إنما تتعلق بالله تعالى. لا بد أننا نلاحظ العلاقة الوثيقة الكائنة بين هذه الطلبات الثلاث لأننا عندما نصلي بأن يتقدس اسم الله وأن يأتي ملكوت الله إنما نكون أيضاً مصلّين بأن يعمل بمشيئة الله هنا على الأرض كما يقوم بذلك الملائكة الأطهار في السماء. ولكننا لا نكون مردّدين لهذه المواضيع عندما ندرس كل طلبة على حدة لأنه في كل طلبة من طلبات الصلاة الربانية درس خاص علينا أن نتعلمه وكذلك أن نطبقه في حياتنا ولاسيما في حياة الصلاة.
ماذا نطلب من الله عندما نقول له: لتكن مشيئتك؟ نطلب من الله في هذه الطلبة الثالثة من الصلاة الربانية بأن يطيعه جميع الناس في دنيانا هذه أي أننا نصلي ليقوم الناس أجمعين بالعيش حسب نواميس ووصايا الله. ونظراً لوجود الخطية في عالمنا هذا فإن هذه الطلبة تعني أيضاً أننا نتضرع إلى الله القادر على كل شيء والمسيطر على جميع مقدرات عالمنا هذا بأن يخمد كل ثورة وعصيان على إرادة السنية.
ونردف قائلين في الطلبة الثالثة: كما في السماء كذلك على الأرض. وهذا يعني أننا نقر ونعترف بأن الملائكة في السماء يطيعون الله بصورة دائمة بكل حرية وأنهم يقومون بعمل كل شيء حسب مشيئة الله وهكذا فنحن نتضرع إلى الله بأن يجعل الناس في هذه الدنيا مطيعين له كما يطيعه الملائكة في السماء.
وعندما نرفع هذه الصلاة إلى الله نكون طالبين منه أن يساعدنا شخصياً لنحيا بمقتضى مشيئته تلك المشيئة المعلنة في كتابه المقدس. وهذا يعني أن كل مؤمن يصلي هذه الصلاة من قلبه إنما يكون متنازلاً عن القيام بالأمور التي تنبع من مشيئته الخاصة. شعار حياته هو: لتكن مشيئتك يا الله لا مشيئتي. وهذا ليس بالأمر السهل لأننا نحن البشر تحت تأثير الخطية وحياتنا تدور على محور الأنانية ومحبة الذات وبما أن المؤمنين لا يصلون إلى حياة الكمال والقداسة التامة في هذه الدنيا فإنه يجدر بهم أن يصلوا بكل لجاجة إلى الله ليساعدهم على التخلي عن محور الذات فتدور حياتهم على محور مشيئة الله. وهكذا فإن كل مؤمن يبعد عن حياته- إن كان أميناً كل الإيمان لنص وروح هذه الطلبة الثالثة- جميع الأمور التي تعارض مشيئة الله ويعمل بكل قواه لكي تنتشر معرفة الله الحقيقية بين الناس لأنه بهذه الواسطة يصل الناس إلى معرفة مشيئة الله.
وهذه بعض الآيات الكتابية التي تتعلق بموضوع مشيئة الله والعمل بها في حياتنا:
"ليس كل من يقول لي: يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات. بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات. كثيرون سيقولون في ذلك اليوم: يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟ فحينئذ أصرّح لهم: أني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الاثم" (الإنجيل حسب متى7: 21- 23).
وجاء في الإنجيل حسب متى ما يلي:
وفيما هو (أي الرب يسوع المسيح) يكلم الجموع إذ أمه وأخوته قد وقفوا خارجاً طالبين أن يكلموه. فقال له واحد: هوذا أمك وأخوتك واقفون خارجاً طالبين أن يكلموك. فأجاب وقال للقائل له: من هي أمي ومن هم أخوتي؟ ثم مد يده نحو تلاميذه وقال: ها أمي وأخوتي: لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السموات هو أخي وأختي وأمي" (12: 46- 50).
وعلينا أن نتذكر أن شعار الرب يسوع المسيح كان: لتكن إرادتك في جميع أيام حياته على الأرض. ونرى الدور الهام الذي لعبه هذا الشعار في ليلة المسيح الأخيرة على الأرض كما يصفها لنا متى البشير:
"حينئذ جاء معهم يسوع إلى ضيعة يقال لها جشيماني فقال للتلاميذ: اجلسوا ههنا حتى أمضي وأصلّي هناك. ثم أخذ معه بطرس وابني زبدي وابتدأ يحزن ويكتئب. فقال لهم: نفسي حزينة جداً حتى الموت. امكثوا ههنا واسهروا معي. ثم تقدم قليلاً وخرّ على وجهه وكان يصلي قائلاً: يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت" (26: 36- 39).
فليكن شعار كل مؤمن ومؤمنة أن يصليا بكل لجاجة وفي كل مناسبة من مناسبات الحياة: لتكن إرادتك يا الله في حياتنا وفي دنيانا وهكذا ليتقدس اسمك وليأت ملكوتك، آمين.
- عدد الزيارات: 6440