الدرس الثاني والأربعون: أساس التبرير
عندما تكلمنا في درسنا السابق عن موضوع قبولنا لدى الله نحن الخطاة الأثمة، لاحظنا أن تبريرنا هو بواسطة الإيمان. وشددنا على أهمية التسلح بإيمان شخصي وقلبي صادق مُظهرين أن ذلك الإيمان وحده هو الذي يصلنا بفوائد العمل الخلاصي الذي أتمه السيد المسيح على الصليب. وصفنا الإيمان الذي يُبرر صاحبه قائلين أنه اليد الفارغة وذلك لإلبعاد أي فكرة خاطئة عن كون إيمان الإنسان هو الأساس الذي يُبنى عليه التبرير.
فعندما نقول أننا نتبرر بالإيمان لا نكون قائلين بأن الله يَعُدُّنا أبرارا ومستحقين لدخول ملكوته السماوي المجيد نظرا لاستحقاق أو عظمة إيماننا. لو كنا نكسب البر على تلك الطريقة لكان إيماننا قد تحول على عمل أو جهد بشري محض. عندما نقول أننا نتبرر بالإيمان نكون مُوجهين أنظارنا إلى أساس التبرير ألا وهو عمل الله الخلاصي الذي تم في يسوع المسيح وعلى الصليب. بالإيمان أحصل على التبرير ولكن التبرير مبني على الحقيقة العظمى بأن السيد المسيح دفع عني أنا الخاطئ ثمن أو أجرة خطيتي وأعطاني بره وقداسته. فالتشديد على الإيمان لا يعني أن أساس البر هو في الإنسان المؤمن بل إنما يعني أن الواسطة الوحيدة التي تُمكننا من الحصول على البر الإلهي المجاني هي الإيمان. وهذا الذي دفعنا إلى القول بأن الإيمان هو كَيَدٍ فارغة تقبل الخلاص المجاني من الله. الإيمان هو كالفتاة التي تجلب المياه المنعشة على سكان بلدة ما، وكما أننا لا نقدر أن نقول أن الفتاة عي التي تُفجِّر المياه أو تكونها لا نقدر أن نقول أن الإيمان هو أساس التبرير، الإيمان هو الواسطة لا الأساس وهكذا يُحافظ على مجانية الخلاص أي الخلاص بالنعمة بواسطة الإيمان.
وهذه بعض التعاليم الكتابية الخاصة بموضوعنا هذا:
" لأنه ماذا يقول الكتاب: فآمن إبراهيم بالله فَحُسِب له برا. أما الذي يعمل فلا تُحسب له الأجرة على سبيل نعمة (أي هبة مجانية) بل على سبيل دين، وأما الذي لا يعمل ولكن يؤمن بالذي يبرر الفاجر فإيمانه يُحسب له برا. كما يقول داود أيضا في تطويب الإنسان الذي يَحسب له الله برا بدون أعمال: طوبى للذين غُفرت آثامهم وسُترت خطاياهم، طوبى للرجل الذي لا يَحسب له الرب خطية" (رسالة بولس الرسول إلى رومية 4: 3- 8).
" وإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح الذي به أيضا قد صار لنا الدخول بالإيمان إلى هذه النعمة التي نحن فيها مُقيمون ونفتخر على رجاء مجد الله" (رومية 5: 1و 2).
" فانظروا دعوتكم أيها الأخوة إن ليس كثيرون حكماء حسب الجسد ليس كثيرون أقوياء ليس كثيرون شرفاء بل اختار الله جهال العالم لِيُخزي الحكماء واختار الله ضعفاء العالم لِيُخزي الأقوياء، واختار الله أدنياء العالم والمُزْدرى وغير الموجود لِيُبطل الموجود لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه. ومنه أنتم بالمسيح يسوع الذي صار لنا حكمة من الله وبرا وقداسة وفداء، حتى كما هو مكتوب: من افتخر فليفتخر بالرب" (الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 1: 26- 31 ).
وهنا من يقول: لماذا لا يقدر الإنسان أن ينال بره أو على الأقل جزءا من بره بواسطة الأعمال؟ ألا يستطيع الإنسان أن يعمل على تكميل بره بواسطة حياة مقدسة ومبنية على إطاعة الوصايا الإلهية؟ وبكلمة مختصرة: أليس هناك من تعاون بين الله والإنسان في موضوع التبرير؟
الجواب الذي نحصل عليه من دراستنا للكلمة الإلهية هو أننا لو أردنا أن نُرجِع قسما من برنا إلى أنفسنا أو أعمالنا أو سيرتنا فإن ذلك يعني أننا قادرون على العيش بطريقة كاملة ومتجانسة بشكل مطلق مع الإرادة الإلهية. من أراد أن يُرجِع إلى أعماله أو إلى حياته سبب بره عليه أن يحيا حياة كاملة خالية من الخطية والشر والإثم. من هو الإنسان الذي يستطيع أن يقوم بذلك؟ ألم يقل أشعياء النبي عن نفسه وعن شعبه:
" وقد صرنا كلنا كنجس وكثوب عِدة كل أعمال برنا، وقد ذبلنا كورقة وآثامنا كريح تحملنا" (64: 6).
ألم يقل بولس وهو الذي كان قبل الاهتداء إلى نور الإنجيل من المعتقدين بأن أعمال الإنسان تؤول إلى تبريره:
" لأن جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة/ لأنه مكتوب: ملعون كل من لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به. ولكن أنَّ ليس أحد يتبرر بالناموس(أي بواسطة الأعمال التي يأمر بها الناموس أو الشريعة الإلهية عند الله فظاهر لأن البار بالإيمان يحيا" (الرسالة إلى غلاطية 3: 10و 11).
فجميع أعمالنا التي نقوم بها هي أعمال ناقصة أو غير كاملة وإن فكرنا بأنها ستكون سبب قبولنا لدى الله فإننا سنمنى بخيبة أمل مريرة. فالله الذي ينظر لا إلى أعمال فقط بل إلى القلوب يعلم تماما أننا ذوي قلوب قد نجستها الخطايا والآثام والشرور والمعاصي وأن كل ما يصدر عنا مهما ظهر صالحا إنما هو ملوث بآثار الخطية.
فخلاصنا بأسره إنما يرجع إلى محبة الله ورحمته ونعمته المجانية لا إلى أي عمل أو جهد شخصي نقوم به. هذا هو تعليم الإنجيل الذي يُفهمنا أيضا أن الطريقة الوحيدة لحصولنا شخصيا وفرديا على هذا البر الإلهي إنما هي الإيمان.
- عدد الزيارات: 2798