Skip to main content

الدرس الثاني والسبعون: الطلبة الثانية: ليأت ملكوتك

لا زلنا نقوم بدراستنا للصلاة الربانية تلك الصلاة النموذجية التي علمنا إياها الرب يسوع المسيح بواسطة تلاميذه الأوفياء والتي يجب أن تكون دليلنا في حياة الصلاة التي نحياها كجزء من حياة الشكر والامتنان التي ندين بها لله، نظراً لأنه خلّصنا وأنقذنا من الخطية والموت بواسطة السيد المسيح وعمله الفدائي على الصليب.

لقد تكلمنا عن المقدمة وعن الطلبة الأولى في درسينا السابقين وها إننا نأتي الآن إلى دراسة الطلبة الثانية وهي: ليأت ملكوتك.

أولاً نتكلم عن ملكوت الله: ما هو ملكوت الله؟ إن ملكوت الله هو سلطانه على كل شيء في الكون لأنه الإله القادر على كل شيء الذي خلق السماء والأرض وكل ما يُرى وما لا يُرى والذي يعتني بكل شيء ويسوس جميع أمور العالم. إن سلطان الله هو سلطان تام وشامل.

ونحن نعلم من تاريخ البشرية وخاصة من كلمة الله المقدسة أن البشرية ثارت على الله في البدء أي عندما عصي آدم وحواء على أوامر الله وانقاد إلى سبيل الشر والخطية.وهكذا نقول أن البشرية الثائرة المتمردة على الله تحاول التملّص من سلطان الله ولا تعترف بملكوته. هذا ما يفسر لنا الانحراف الكبير عن الطريق المستقيم في حياة الإنسان الدينية والأخلاقية. فوجود الوثنية مثلاً دليل كبير على الظلمة الشديدة التي تُخيم على قلب الإنسان، إذ هل هناك من شر أعظم من أن يعبد الإنسان المخلوق عوضاً عن الخالق عز وجل؟

ونتعلم من الكتاب المقدس أن الله لم يترك الإنسان ليعيش في وهدة الشر والهلاك الروحي بل بادر منذ القديم إلى مساعدة الإنسان الساقط بإرسال الأنبياء والرسل القديسين الذين كانوا ينادون بكلمة الله ويبشرون ببزوغ فجر عهد جديد عهد تتميم تدبير الله الخلاصي في وسط التاريخ والعالم. وهكذا حدث أنه في الوقت المعين من قِبل الله (أي في ملء الزمن) جاء السيد المسيح وقام بعمله الكفاري الخلاصي على الصليب وانتصر انتصاراً تاماً وشاملاً على الشيطان والخطية والشر والموت. وأرسل المسيح المنتصر رسله القديسين إلى سائر أنحاء العالم لينادوا بخبر الإنجيل المفرح داعين الناس إلى التوبة والإيمان وهكذا إلى قبول سلطة الله والاعتراف بسيادته المطلقة على حياتهم بشتى نواحيها.

ونحن عندما نتكلم عن ملكوت الله إنما نعني هذين الأمرين: أولاً، سلطة الله التامة والمطلقة في هذا العالم تلك السلطة التي ينكرها جميع الذين لا يزالون تحت سلطة إبليس الرجيم والخطية. وثانياً، سلطة الله هذه المعترف بها من قبل المؤمنين الذين تصالحوا مع الله بقبولهم لخبر الإنجيل والذين أُعطوا الصلاحية بأن يصيروا مواطنين في ملكوت الله.

وهكذا عندما نصلي إلى الله الآب ونتضرع إليه قائلين ليأت ملكوتك، نقول في نفس الوقت:

"اللهم قُدنا بواسطة كلمتك وروحك القدوس لكي نخضع لك أكثر وأكثر في حياتنا. اللهم ساعدنا بواسطة روحك القدوس لكي يحيا فينا الرب يسوع المسيح. اللهم كثّر من عدد خدّامك في هذا العالم واملأهم بنعمتك لكي يقوموا بخدمتك منادين بكلمتك الخلاصية وداعين الناس أجمعين لنبذ سلطة وسطوة الشيطان ولقبول سلطتك المحررة. اللهم دمّر أعمال إبليس وأعوانه الشياطين. اللهم قرّب يوم عودة المسيح يسوع إلى عالمنا ذلك اليوم الذي يأتي فيه ملء ملكوتك المقدس وندخل جميعاً (نحن المؤمنون) في مرحلته المجيدة والنهاية والأبدية"

نلاحظ أن الطلبة الثانية كبقية الطلبات الواردة في نص الصلاة الربانية هي طلبة عملية لها علاقة تامة وكلية بحياة المؤمن. لأن ملكوت الله في عالمنا هذا ويمتد وينتشر عندما يعمل كل مؤمن على تكييف حياته حسب المشيئة الإلهية وذلك بالتقيد التام بتعاليم كلمة الله الخلاصية وبنشر هذه التعاليم بين الناس أجمعين. لأننا كلما عملنا وجاهدنا في سبيل ربنا ومخلّصنا يسوع المسيح كلما نكون عاملين ومجاهدين في سبيل نشر ملكوت الله بين الناس وكلما نكون قائمين بذلك نكون معجّلين لليوم الذي فيه يعود المسيح إلى العالم لتدشين المرحلة الأبدية والنهائية من ملكوت الله.

والتقدم إلى الله بهذه الطلبة يعني في نفس الوقت أن يمتنع المصلي عن سلب الله سلطته ضمن حياته الخاصة وضمن المجتمع الذي يعيش فيه. يتخلى المؤمن بكل قواه عن رغبته في العيش حسب إرادته الخاصة ويخضع جميع أفكاره وأقواله وأعماله وخططه للمستقبل، لله. وبكلمة مختصرة يعترف المؤمن بسيادة الله المطلقة على حياته ويطلب معونة الله ليضع ذلك المعتقد موضع التنفيذ وليعمل على نشر خبر الإنجيل التحريري في كل مكان، وينتظر مع أقرانه المؤمنين والمؤمنات مجيء المسيح إلى الأرض ذلك المجيء الثاني الذي سيصحبه ظهور ملكوت الله الأبدي ودمار الشيطان النهائي والتام وملكوته الشرير.

  • عدد الزيارات: 2961