الدرس الرابع والسبعون: الطلبة الرابعة: الخبز اليومي
نشرع الآن بدراسة الطلبة الرابعة التي نتضرع بواسطتها إلى الله بأن يعطينا خبزنا اليومي. أما النص الحرفي لهذه الطلبة فهو: خبزنا كفافنا أعطنا اليوم".
قبل كل شيء نسأل قائلين: ما معنى الخبز اليومي الذي نطلبه من الله؟ إن هذه العبارة تشير إلى جميع احتياجاتنا الجسدية من غذاء إلى كساء إلى منزل للعيش فيه إلى العمل الذي نكسب بواسطته معيشتنا. وفوق ذلك تشير هذه العبارة أيضاً إلى كل ما له علاقة بحياتنا على الأرض بما في ذلك حياتنا ضمن العائلة والوطن واحتياجاتنا إلى بركة الرب في مضمار الحياة الاقتصادية والسلام العالمي والصحة وكل ما تصبو إليه النفس البشرية من أمور سامية ومفيدة. وبعبارة مختصرة نطلب من الله في هذه الطلبة الرابعة كل ما نحتاجه في حياتنا الحاضرة لكي نستطيع أن نأكل خبزنا بسلام وطمأنينة.
وهنا قد نسأل: لماذا نطلب من الله أن يعطينا القوت اليومي وهو تعالى الذي يطلب منا أن نعمل ونجاهد في سبيل الحصول على هذا القوت؟ والجواب ليس بعسير إن أخذنا الكتاب كدليل لنا. فالله الذي يأمرنا بأن نعمل ونشتغل بجد ونشاط في سبيل الحصول على الخبز اليومي هو الإله القادر على كل شيء والذي ينظم أمور الدنيا والذي يشرف على كل أمر كبير أو صغير. فنحن عندما نصلي إلى الله قائلين: خبزنا كفافنا أعطنا اليوم: نكون معترفين في نفس الوقت بأن جميع جهودنا وأتعابنا إنما تذهب أدراج الرياح إن لم تكن مقرونة ببركة الله تعالى اسمه. بدون نعمة الله لا نقدر أن نحصل على أية ثمرة لأتعابنا وجهودنا. وعلينا أن نذكر هذا الأمر الهام في كل يوم من حياتنا لأننا نعيش في عصر يسمى غالباً بالعصر العلمي نظراً لتقدم العلوم الطبيعية والفوائد الجمة التي نحصل عليها من جرّاء تطبيق مبادئ العلوم الطبيعية في شتى نواحي الحياة. ونحن لا ننكر أهمية العلوم ولكننا نكون جاحدين للغاية ومنكرين للجميل إن توقفنا عند ذلك الحد وأهملنا ذكر الله وبركته على كل تقدم جرى ولا يزال يجري في عالمنا. الله هو الذي يبارك هذه الدنيا ويعطينا جميع ما نحتاجه وهذا بالرغم من عدم اعتراف العديد من الناس بالله وبعنايته الشاملة لكل شيء.
نطلب من الله أن يعطينا خبزنا اليومي وهذا يعني أننا نطلب ذلك أي الخبز اليومي لغيرنا أيضاً. كل مؤمن يصلّي هذه الصلاة عليه أن يفتكر بخبز الآخرين أيضاًَ وهذا يعني أن كل من يسلب الآخرين من حقهم في الحياة هو سارق لأن الجميع بحاجة إلى ضروريات الحياة. إننا نطلب من الله خبزنا اليومي لا خبز الآخرين. وفوق ذلك نطلب من الله أن يُعطينا ما نحن بحاجة إليه لهذا اليوم. خبزنا كفافنا أعطنا اليوم أي إننا نعترف في هذه الطلبة بأننا نتكل يومياً على الله من أجل احتياجات الحياة، اتكالنا هو اتكال دائم لا وقتي نحن بحاجة إلى بركته اليوم وغداً وفي بقية أيام حياتنا. إن كثرت أموالنا نحن لا نستطيع أن نستفيد منها إلا ببركة الله وحسب الطرق التي أعدّها تعالى لإغاثتنا. حياتنا بأسرها إذن في يد الله: حياة الأرض وحياة الدهر الآتي، الأمور المادية والأمور الروحية. ليس هناك أمر يتعلق بحياتنا لا نستطيع ذكره لله تعالى في صلواتنا. الآب السماوي إله رحوم ورؤوف يهتم بنا أكثر مما يهتم آباؤنا وأمهاتنا بنا نحن البشر.
وهذه بعض الآيات الكتابية التي تتعلق بهذا الموضوع:
قال الله بواسطة عبده موسى لبني إسرائيل:
"جميع الوصايا التي أنا أوصيتكم بها اليوم تحفظون لتعملوها لكي تحيوا وتكثروا وتدخلوا وتمتلكوا الأرض التي أقسم الرب لآبائكم. ونتذكر كل الطريق التي فيها سار بك الرب إلهك هذه الأربعين سنة في القفر لكي يُذلك ويجربك ليعرف ما في قلبك أتحفظ وصاياه أم لا. فأذلك وأجاعك وأطعمك المنّ الذي لم تكن تعرفه ولا عرفه آباؤك لكي يعلّمك أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل ما يخرج من فم الرب يحيا الإنسان. ثيابك لم تبل عليك ورجلك لم تتورم هذه الأربعين سنة. فاعلم في قلبك أنه كما يؤدي الإنسان ابنه قد أدّبك الرب إلهك واحفظ وصايا الرب إلهك لتسلك في طرقه وتتقيه... احترز من أن تنسى الرب إلهك... الذي سار بك في القفر العظيم المخوف مكان حيات محرقة وعقارب وعطش حيث ليس ماء، الذي أخرج لك ماء من صخرة الصوان الذي أطعمك في البرية المنّ الذي لم يعرفه آباؤك لكي يذلك ويجربك لكي يحسن إليك في آخرتك لئلا تقول في قلبك: قوتي وقدرة يدي اصطنعت لي هذه الثروة. بل اذكر الرب إلهك أنه هو الذي يعطيك قوة لاصطناع الثروة لكي يفي بعهده الذي أقسم به لآبائك كما في هذا اليوم" (تثنية8: 1- 6و 11و 15- 18).
- عدد الزيارات: 3193