Skip to main content

الدرس الستون: الوصية الخامسة: إكرام الوالدين

عندما أعطى الله الوصايا العشر لعبده موسى كتبها تعالى على لوحي حجر في اللوح الأول كتب الوصايا الأربعة الأولى وفي اللوح الثاني كتب الوصايا الستة الباقية. وقد انتهينا في درسنا السابق من دراستنا للوصية الرابعة وبذلك نكون قد انتهينا من دراستنا لوصايا اللوح الأول التي تنظم علاقتنا بالله خالقنا وفادينا ومجددنا. أما في وصايا اللوح الثاني فإننا نأتي للكلام عن الوصايا التي تنظم علاقتنا مع بعضنا البعض ضمن نطاق الأسرة والمجتمع البشري الذي يضعنا الله فيه. ولكننا عندما نقول بأن الوصايا الستة المكتوبة على اللوح الثاني تنظم علاقة الإنسان بالإنسان فإننا لا نكون قائلين بأنها بدون علاقة بالله. الله هو معطي الوصايا العشر بأسرها وبلوحيها وهو الذي يسن القوانين والشرائع التي تنظم حياة الإنسان الدينية التي لها علاقة بكل ما في الحياة. فلنذكر جيداً ونحن نبدأ الآن بدراستنا للوصية الخامسة أن هذه هي وصية الله وأن الله هو الذي يأمرنا في جميع وصايا اللوح الثاني بأن نظهر محبتنا لقريبنا بصورة عملية وواقعية.

هذا هو نص الوصية الخامسة التي أعطاها الله لموسى:

"أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك".

وعندما ننظر إلى تعاليم هذه الوصية حسب ضوء سائر تعاليم الكتاب المقدس فإننا نستنتج ما يلي:

أولاً: يأمرني الله بأن أُظهر إكرامي ومحبتي وطاعتي لوالدي ولسائر الذين وضعهم الله في مكان السلطة وبذلك اعترف بسلطة الله على سائر نواحي حياتي. فمن المهم جداً أن أرى سلطة الله في سلطة الوالدين وسائر السلطات الأخرى كالسلطات المدرسية والحكومية وغيرها لأن الله خالق الكون وباريه يعطي الوالدين وغيرهم هذه السلطات ليمارسوها وكمنتدبين من قبله لأن الحياة لا يمكن أن تزدهر بدون وجود النظام في حياة الأفراد والجماعات. طبعاً الوالدون هم أول سلطة منتدبة في هذه الحياة. ففي نطاق الأسرة البشرية- حسب تكوينها من قبل الله- يجد الإنسان جو المحبة والنظام والسلام والوئام وكل ما ترنو إليه النفس البشرية للنمو والازدهار. الله هو موجد نظام الأسرة البشرية وكل ما يهدد الكيان العائلي إنما يكون مهدداً لنظام الله في العالم. ونظراً لوجود الخطية والشر في العالم نرى أن حياة الأسرة البشرية الواقعية هي بعيدة كل البعد عن المثل العليا التي أوجدها الله لتسيير حياة الأسرة. ألم تحدث أول جريمة مروعة في دنيانا هذه عندما قتل قايين أخاه هابيل؟ ولكن الخلاص من الخطية والشر الذي يتم بواسطة المسيح يسوع يظهر بصورة كبيرة ضمن نطاق الأسرة لأن مبادئ الإنجيل التحريرية متى طبقت في حياة العائلة ترجع إليها ذلك النظام والسلام اللذين فقدا في الخطية.

ثانياً: بما أن الإنسان لا يحيا فقط ضمن نطاق الأسرة بل في المجتمع البشري وبما أن هذا المجتمع نراه منظماً بصورة كبيرة ضمن نطاق الدولة الحديثة فإننا نقول استناداً أيضاً على تعاليم الكتاب أن إطاعة الوالدين التي يأمرنا الله بأن نظهرها في حياتنا يجب أن تمتد إلى سائر الدوائر الحياتية التي نعيش فيها. وهذا يعني مثلاً أنه من واجب الطلاب أن يطيعوا ويحترموا ويكرموا معلميهم وكذلك من واجب المواطنين أن يطيعوا ويحترموا ويكرموا السلطات الحكومية التي تسعى لخير ورفاهية الجميع، لأن جميع هذه الأنظمة التي نجدها في دنيانا هي أنظمة جاءت إلى الوجود نظراً لمشيئة الله لأن الله إله نظام وترتيب وخير وبركة لا إله تشويش وفوضوية.

ثالثاً: وبناء على المبدأ الذي نستقيه من الكتاب والذي نطبقه على تفسير الوصايا العشر والذي كنا قد لخصناه في درس سابق بقولنا أن الله عندما يأمرنا بشيء إنما يحرم علينا عكسه وإنه تعالى عندما ينهانا عن شيء إنما يأمرنا بعكسه نقول أن الله يحرّم علينا إهمال الوالدين أو عدم إكرامهم لاسيما أثناء شيخوختهم. وهو كذلك ينهانا عن أي عمل ضار بسمعة أو سلطة أولئك الذين أوجدهم ليهتموا بحياتنا الاجتماعية والوطنية.

رابعاً: نلاحظ في نص الوصية الخامسة أن الله تعالى أرفق هذه الوصية بوعد صريح بأنه يُطيل أيام حافظي هذه الوصية على الأرض. وهنا قد نلاقي بعض الصعوبة فنقول: نحن نعرف بعض الأولاد المطيعين والذين ماتوا في أيام الفتوة بينما هناك أولاد أشرار عاشوا مدة طويلة فكيف نفسر قول الرب في الوصية الخامسة أي وعده بإطالة  حياة حافظي وصية؟ الجواب الكتابي هو أن الله يعمل كل شيء من أجل خير المؤمنين به وهو لذلك قد يأخذ من هذه الحياة بعض الشبان والشابات الأتقياء وينقلهم إلى حياة النعيم والراحة الأبدية، ولذلك ليس بدليل على عدم محبته لهم أو على عدم حفظهم لروح ونص وصية الله الخامسة. أما بخصوص أولئك الذين يعيشون حياة التمرد على الوالدين وعلى سائر السلطات الكائنة بمشيئة الله والذين لا يؤخذون من هذه الحياة أثناء تمردهم فإن ذلك لدليل على طول أناة الرب ورحمته لأنه لا يرغب بموت الخاطئ ولا يُسر بذلك بل إنما يتأنى على الجميع ليقبلوا إلى معرفة الحق ويصلحوا حياتهم بما في ذلك موقفهم من الوالدين ومن سائر السلطات البشرية التي تنظم حياة المجتمع. فالقاعدة العامة التي يعطينا إياها الرب إلهنا في الوصية الخامسة هي أننا عندما نطيعه بإكرام والدينا وسائر الذين انتدبهم ليكونوا معتنين بحياتنا الاجتماعية والوطنية يباركنا تعالى بحياة طويلة.

  • عدد الزيارات: 4399