Skip to main content

الدرس الحادي والستون: الوصية السادسة: حماية حياة الإنسان

لا زلنا نقوم بدراستنا لوصايا الله العشر وكنا قد شرعنا في درسنا السابق بدراستنا لوصايا اللوح الثاني من الوصايا العشر أي تلك الوصايا التي تنظم حياتنا الاجتماعية والتي تعطينا الأوامر الإلهية المتعلقة بأقربائنا بني البشر. من المهم جداً أن نفهم تماماً بأن الوصايا هي في صلبها إيجابية ولكن الله يجعلها صريحة للغاية عندما يضعها في قالب سلبي وهو يتكلم عن مواضيع ذات علاقة بالحياة اليومية.

وهذا هو نص الوصية السادسة: لا تقتل.

وعندما نأتي إلى البحث في تعاليم هذه الوصية آخذين بعين الاعتبار سائر التعاليم الكتابية فإننا نقول بأنه هناك أمور ينهانا الله عنها وأخرى يأمرنا بها عندما يقول لنا بواسطة عبده موسى النبي: لا تقتل.

أولاً: ما هي الأمور التي ينهانا عنها الله عندما يأمرنا بألا نقتل؟

من البديهي أن الله ينهانا عن ارتكاب جريمة القتل عندما يقول لكل منا في الوصية السادسة: لا تقتل. ولكننا لا نقدر أن نقف عند ذلك الحد عندما نبحث عن الأمور التي لها علاقة بالقتل. فالله الذي خلق الإنسان والذي يعرف أفكار قلبه يعلم تماماً أن جريمة القتل ليست إلا ثمرة حياة عصيان وتمرد، حياة بغض وكراهية للقريب، وهو لذلك يعلّمنا بأنه هناك أمور عديدة علينا أن نتجنبها عندما نفكر في موضوع الوصية السادسة. لا يكتفي الله بالنظر إلى أعمالنا قلوبنا ويفحص أفكارنا وينبهنا بواسطة كلمته المقدسة لننظر إلى الأسباب البعيدة لجريمة القتل. وإذ ذاك يعمد تعالى إلى تعليمنا بأن نتجنب كل شيء يؤدي إلى ارتكاب الجرائم بحق أقربائنا بني البشر. وهكذا يقدر كل مؤمن أن يقول: ينهاني الرب إلهي في وصيته السادسة عن أي شيء يؤول إلى ضرر قريبي، وكذلك عن الكراهية والبغض وعن كل فكر أو قول أو عمل أو موقف يضرّ بقريبي أو بنفسي. وكذلك يأمرني الله بأن لا أترك أي مجال لروح الانتقام بل أبعد ذلك كلياً عن حياتي.

وقد تكلم عن هذا الموضوع الرسول يوحنا في رسالته الأولى قائلاً:

"من قال أنه في النور وهو يبغض أخاه فهو إلى الآن في الظلمة، من يحب أخاه يثبت في النور وليس فيه عثرة، وأما من يبغض أخاه فهو في الظلمة يسلك ولا يعلم أين يمضي لأن الظلمة أعمت عينيه" (2: 9- 11).

ثانياً: لا يكتفي الله بأن يطلب منا الامتناع عن أي شيء يضر بحياة القريب بل يأمرنا في الوصية السادسة بأن نحب قريبنا بإظهارنا اهتماماً خاصاً بحياته وبكل ما يؤول إلى صيانة حياته الجسدية والروحية. وهكذا عندما نبحث في هذه الوصية كما في سائر الوصايا التي تنهانا عن القيام بأمور معينة فإنه لا يكفينا مطلقاً بأن نقول أننا نقوم بالواجب نحو أقربائنا بني البشر عندما نكتفي بعدم الإضرار بهم. حفظ الوصية السادسة لا يكون قد جرى حسب مشيئة الله المقدسة عندما يقول الإنسان: إني لم أقتل أحد ولم أكره إنساناً ولا أبغض أقربائي بني البشر. فالحياة التي يطلبها منا الله هي أكثر من موقف سلبي تجاه المجتمع البشري الذي نحيا فيه. لو كان الموقف السلبي كافياً فما هو إذ ذاك الفرق بين الإنسان والكائنات غير الحية التي لا تُضر أحداً؟

عندما يقول لنا الله: لا تقتل، فهو يقول لنا في نفس الوقت: تُحب قريبك كنفسك، تحب قريبك بصورة عملية، أظهر في علاقاتك مع قريبك الإنسان روح التسامح والسلام والمودة والشفقة والاحترام واعمل جهدك لتكون جميع أفكارك وأقوالك وأعمالك من أجل خير الناس. لأن الله لم يضعنا في هذه الدنيا لنحيا لأنفسنا بل من أجل مجد اسمه القدوس ولخير سائر الناس. وعندما يسعى الإنسان بأن يضع هذه الأوامر الإلهية موضع التنفيذ يرى أن الحياة بأسرها تأخذ طابعاً جديداً وأن حقل الخدمة والشهادة بالكلمة وبالحياة متسع للغاية. وبما أن الذي لم يختبر خلاص الرب والتحرير من ربقة الخطية لا يقدر أن يرى عظم المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه كبشري، فإنه يجدر بكل من يسمي نفسه مؤمناً، يجدر بكل من صار خليقة جديدة في المسيح يسوع، أن يضع موضع التنفيذ روح هذه الوصية أي وصية حماية وصيانة حياة الإنسان التي تكسر بكل سهولة في هذه الدنيا.

وفيما يلي بعض الشواهد الكتابية التي تُظهر لنا أهمية هذه الوصية:

قال الرب يسوع المسيح في عظته الشهيرة المعروفة بالعظة على الجبل:

"قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تقتل. ومن قتل يكون مستوجب الحكم. وأما أنا فأقول لكم: إن كل من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم، ومن قال لأخيه: رقا (كلمة رقا هي كلمة تعيير ومذمة) يكون مستوجب المجمع، ومن قال يا أحمق: يكون مستوجب نار جهنم" (الإنجيل بحسب متى 5: 21- 22).

وناشد الرسول بولس أهل الإيمان أن يُظهروا حياة الإيمان في علاقاتهم مع بعضهم البعض قائلاً:

"فأطلب إليكم أنا السير في الرب أن تسلكوا كما يحق للدعوة التي دُعيتم بها، بكل تواضع ووداعة وبطول أناة محتملين بعضكم بعضاً في المحبة مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام" (أفسس4: 1- 3).

  • عدد الزيارات: 3355