الدرس التاسع والخمسون: الوصية الرابعة: حفظ يوم الرب
تكلمنا في درسنا السابق عن بعض المواضيع المتعلقة بالوصية الرابعة التي يأمرنا الله بواسطتها أن نحفظ يوم الراحة الأسبوعي. وتكلمنا بصورة خاصة عن كون يوم الراحة الأسبوعي رمزاً حياً ليوم الراحة الأبدي الذي سينعم به جميع المؤمنين متى جاء ملكوت الله الأبدي في اليوم الأخير أي لدى المجيء الثاني للسيد المسيح. واقتبسنا من الرسالة إلى العبرانيين (الفصل الرابع) كلمات الوعظ التي تنذرنا جميعاً بألا نكون مثل بني إسرائيل في أيام موسى والذين أغضبوا الله تعالى بعدم إيمانهم فأقسم الله بأنهم لن يدخلوا راحته. وانتهينا إلى القول بأن المؤمن يرى نفسه بصورة بديهية راغباً في حفظ يوم الراحة الأسبوعي على الأرض متطلعاً إلى المستقبل بواسطة الرجاء المسيحي إلى ذلك اليوم الذي سيدخل فيه إلى راحة الله الأبدية.
أما الآن فإننا نأتي على ذكر كيفية حفظ يوم الرب بصورة تتفق مع غاية هذه الوصية المقدسة وحسب التعاليم الرسولية المحفوظة لنا في أسفار العهد الجديد. يوم الأحد هو يوم راحة ولكن هذا لا يعني أن يوم الرب هو يوم كسل وخمول بل إنه يوم رياضة روحية ويوم تفرّغ لعبادة الله الجمهورية والعائلية والفردية، إنه يوم مطالعات روحية ودينية، إنه يوم في الإيمان وفي معرفة ربنا ومخلّصنا يسوع المسيح. ومتى نظرنا إلى يوم الرب حسب هذه المبادئ فإننا نكوّن فكرة إيجابية عن كيفية حفظ يوم الرب ولا نكون واقعين في النظرة السلبية التي قد يقع فيها الكثيرون من الناس عندما يحاولون حفظ يوم الأحد.
أعطانا الله يوم الراحة الأسبوعي أي يوم الانقطاع عن أعمالنا اليومية لكي ننظر إلى يومه المقدس نظرة الأنانية ومحبة الذات ونقول: في هذا اليوم سنقوم بتسلية أنفسنا وفي تذوق ملذات العالم التي تهاجمنا في كل ناحية. كلا إن الله أعطانا هذا اليوم من أجل نمونا الروحي وهذا النمو لا يجري بدون استعمال الوسائط المنصوص عنها في الكتاب أي تلك الوسائط التي تمكننا من إنماء الحياة الروحية. ومن هذه الوسائط الاجتماعات الدينية للعبادة الجمهورية في بيت الله حيث تُتلى الكلمة الإلهية وحيث يُنادى بالإنجيل وحيث تُرفع الصلوات لله وتقدم التقدمات لمساعدة الفقراء والمحتاجين ولنشر ملكوت الله في العالم وحيث تُمارس الفرائض المقدسة التي أنشأها السيد المسيح قُبيل موته على الصليب والتي تكلم عنها أيضاً بعد قيامته المجيدة من الأموات. عندما نتفرّغ للقيام بما ينتظره الله منا في يومه الخاص نكون وتضعين أنفسنا تحت تأثير عمل روحه القدوس الذي يساعدنا على العيش حسب المشيئة الإلهية. ومن المعلوم أنه حيث لا توجد الرغبة الشديدة للاجتماع معاً في بيت الله والتفرّغ للعبادة الجمهورية فإن الصحة الروحية ضمن حياة الفرد تكون محزنة للغاية. ومن العبث التكلم عن وجود إيمان حي وحقيقي إن لم تظهره للوجود الحياة المبنية على ذلك الإيمان، تلك الحياة التي تنمو وتترعرع ضمن نطاق الجماعة المؤمنة التي تجتمع معاً في بيت الله للعبادة والتسبيح والوعظ والإرشاد. طبعاً توجد أحياناً بعض العوامل والموانع التي لا تساعد المؤمن بأن يكون مع شعب الله وفي بيت الله أثناء العبادة الجمهورية إلا أن ذلك لا يعني مطلقاً أن الحالة الاعتيادية للمؤمن هي أن يكون منفرداً في عبادته لله في يوم الرب بدون صحبة سائر المؤمنين.
وقد تكلم أيضاً صاحب الرسالة إلى العبرانيين عن أهمية الاجتماعات الدينية في رسالته قائلاً:
"لنتمسك بإقرار الرجاء وراسخاً لأن الذي وعد هو أمين وليلاحظ بعضنا بعضاً للتحريض على المحبة والأعمال الحسنة غير تاركين اجتماعنا كما لقوم عادة بل واعظين بعضنا بعضاً وبالأكثر على قدر ما ترون اليوم يقرب" (10: 23- 25).
وفي نص الوصية الرابعة نرى أن الله استراح من أعمال الخليقة بعد الانتهاء من خلق الإنسان واقتداء بالله تعالى يجدر بنا بعد أن نكون قد عملنا وتعبنا أثناء أيام لأسبوع أن نستريح في يوم الرب لا بمعنى أن نقع في فخ الكسل والخمول (ذلك الفخ الذي يستعمله الشيطان للإيقاع بنا في شراك الخطية) بل بمعنى أننا نعطي لأنفسنا المجال للتأمل في أعمال الله لنمجده فيها. وهذا أمر ضروري للغاية في أيامنا هذه لأن العالم بأسره مهدد بالوقوع في فلسفة إلحادية مادية مطلية بمظاهر العلم، تلك الفلسفة التي لا تعترف بالله تعالى ولا بأعماله في الماضي أو الحاضر أو المستقبل. وبما أننا جميعاً تحت تأثير عوامل خارجية عديدة نظراً لوجود وسائط كثيرة لم يعرفها الآباء والأجداد فإنه يجدر بنا أن نعمد في يوم الرب على التأمل في أمور الله والروح وفي علاقة ذلك بجميع نواحي حياتنا لأننا عندما نخضع أفكارنا وأنفسنا لتعاليم الكتاب لا نقدر بأن نقبل أي تعاليم أو أية آراء تسلب الباري القدير عظمته ومكانته في العالم الذي خلقه. وبينما ينسى عالمنا الحاضر أو يتناسى الله وكلمته وتدبيره الخلاصي التحريري يجدر بنا أن نتأمل أكثر في وحي الله لتكون سائر أيام الأسبوع مستنيرة بضوء تأملاتنا هذه ولتكون شهادتنا في العالم المعاصر شهادة حية وفعالة، شهادة صريحة للغاية، وخلاصتها أن الله لا يزال على عرشه وأن برنامجه للعالم لا بد من أن يتم بالرغم من عداوة الإنسان والشيطان.
وفي الختام نقول أن الوصية الرابعة التي أعطانا إياها الله إنما تأخذ خيرنا الجسدي بعين الاعتبار وتطلب منا أن نعطي أنفسنا وسائر الذين يعملون لنا راحة أسبوعية منعشة راحة ترمز إلى الحرية الروحية التي يمنحنا إياها الله عندما نقبل دواءه الشافي لأمراض النفس والروح. فالذي خلقنا وأعطانا الحياة يعلم كم نحن بحاجة إلى الراحة والاستجمام جسدياً وروحياً، فلنحمده ولنشكره من أجل اهتمامه بنا زمنياً وأبدياً.
- عدد الزيارات: 3465