الدرس الثامن والخمسون: الوصية الرابعة: يوم الرب
لازلنا نقوم بدراستنا لوصايا الله العشر وتطبيقها في حياتنا اليومية وقد انتهينا في درسنا السابق من دراسة الوصية الثالثة التي تأمرنا باحترام اسم الله تعالى. وهذا هو نص الوصية الرابعة التي أعطاها الله لعبده موسى النبي:
"اذكر يوم السبت لتقدسه. ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك، لا تصنع عملاً ما أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك وبهيمتك ونـزيلك الذي داخل أبوابك. لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها واستراح في اليوم السابع، لذلك بارك الرب يوم السبت وقدّسه".
وعندما نبدأ بالكلام عن هذه الوصية آخذين بعين الاعتبار سائر تعاليم الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد فإننا نأتي إلى القول ما يلي:
أولاً: إن معنى كلمة سبت هو الراحة. أي أن الله يأمرنا بأن نحفظ يوماً للراحة وقد كان هذا اليوم في أيام النظام القديم اليوم السابع من الأسبوع أي اليوم الذي ندعوه يوم السبت بلغتنا العربية. أما في أيام النظام الجديد فإن يوم الأحد، اليوم الأول في الأسبوع المدعو أيضاً بلغة الكتاب بيوم الرب.
ثانياً: إن يوم الراحة الأسبوعي (أي يوم الأحد) هو رمز للراحة الروحية التي ينعم بها المؤمنون في هذا اليوم الذي هو يوم الرب بصورة خاصة وبناء على أمره تمجّد اسمه، علي كمؤمن أن أتفرغ لعبادة الله وللامتلاء بالأمور الروحية. وإن ذاك يعمل في الله بواسطة روحه القدوس على تنفيذ تدبيره لحياتي ولمجد اسمه القدوس فيوم الرب إذن هو صورة لملكوت الله. فعندما أستريح من أعمالي ومشاغلي الخاصة إنما أكون متمتعاً منذ الآن بتلك الراحة الروحية الفريدة التي سأنعم بها بصورة تامة وكاملة متى جاء ملكوت الله المجيد في اليوم الأخير. ولذلك يجدر بي كمؤمن أن أحيا هذا اليوم أي يوم الراحة الأسبوعي في فرح الرب يسوع المسيح وفي الشكر والامتنان لله تعالى محاولاً بصورة جدية أن تكون سائر أيام الأسبوع تحت تأثير الرياضة الروحية التي أمارسها في يوم الرب. ومن المهم جداً أن يلعب الرجاء المسيحي الحيّ دوراً هاماً في حياة كل مؤمن وهذا الرجاء يتطلع إلى المستقبل، إلى يوم عودة المسيح إلى العالم وتأسيس ملكوته المجيد وتنعّم المؤمنين أجمعين بيوم الراحة الأبدي في ملكوت الله الأبدي.
ونلاحظ أن كاتب الرسالة إلى العبرانيين شدّد على أهمية يوم الراحة الحالي وكذلك على الراحة الأبدية التي سينعم بها أهل الإيمان في الدهر الآتي عندما كتب في الفصل الرابع من رسالته قائلاً ومحذّراً:
"فلنخف أنه مع بقاء وعد بالدخول إلى راحته يُرى أحد منكم أنه قد خاب منه. لأننا نحن قد بُشرنا كما أولئك ولكن لم تنفع كلمة الخبر أولئك (أي بني إسرائيل في أيام موسى) إذ لم تكن ممتزجة بالإيمان في الذين سمعوا. لأننا نحن المؤمنين ندخل الراحة كما قال: حتى أقسمتُ في غضبي لن يدخلوا راحتي، مع كون الأعمال قد أكملت منذ تأسيس العالم. لأنه قال في موضع عن السابع هكذا: واستراح الله في اليوم السابع من جميع أعماله. وفي هذا أيضاً: لن يدخلوا راحتي. فإذ بقي أن قوماً يدخلوها والذين بُشروا أولاً لم يدخلوا لسبب العصيان، يُعين أيضاً يوم قائلاً في داود (أي المزامير): اليوم بعد زمان هذا مقداره كما قيل، اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم. لأنه لو كان يشوع قد أراحهم لما تكلم بعد ذلك عن يوم آخر. إذاً بقيت راحةٌ لشعب الله. لأن الذي دخل راحته استراح هو أيضاً من أعماله كما الله من أعماله. فلنجتهد أن ندخل تلك الراحة لئلا يسقط أحد في عبرة العصيان هذه عينها. لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونياته. وليست خليقة غير ظاهرة قدامه بل كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أمرنا" (1- 13).
فمن البديهي إذن أن كل من يود التنعم براحة الله الأبدية في الدهر الآتي عليه أن يكون من المؤمنين بالله ومن العاملين بأوامره وهذا يعني أنه من واجب كل إنسان أن يؤمن بالمسيح يسوع ناظراً إليه كالمخلّص والمنقذ الوحيد من سلطة الخطية والشر والموت. والشيء الوحيد الذي يحرم الإنسان من الراحة الأبدية في العالم الآتي هو الخطية، الخطية التي تولّد عدم الإيمان وعدم الطاعة، الخطية التي تولّد العصيان كما حدث في أيام موسى النبي. وكذلك من البديهي أن يود كل مؤمن اختبر خلاص الرب أن يقدّس يوم الراحة الأسبوعي ناظراً إلى هذا اليوم كرمز حي للراحة الأبدية الموعودة في إنجيل الله.
- عدد الزيارات: 3432