Skip to main content

الدرس السابع والأربعون: الأسرار المقدسة: المعمودية

كنا ندرس في المدة الأخيرة موضوع ينبوع أو مصدر الإيمان الذي بواسطته نستلم جميع فوائد العمل الخلاصي العظيم الذي أتمه السيد يسوع المسيح على الصليب. وقد رأينا إنه حسب تعليم الكتاب المقدس هذا الينبوع أو هذا المصدر الذي يستعمله الله لإيجاد الإيمان في قلوبنا هو المناداة بالكلمة الإلهية. وقد اقتبسنا مرارا كلمات الرسول بولس الواردة في رسالته إلى أهل الإيمان في رومية والتي تُلقي نورا كبيرا على موضوعنا وهي: الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله.

نتعلم أيضا من كلمة الله أنه تعالى الذي يهتم ليس فقط بحياتنا الجسدية والأرضية بل بحياتنا الروحية أيضا. يستعمل وسائط مُعينة لتقوية الإيمان الذي يُوجده فينا بواسطة المناداة بكلمته وبركة الروح القدس. هذه الوسائط التي يتكلم عنها الكتاب ندعوها بالأسرار المقدسة وذلك لأنها وسائط حسية يستعملها الله وبطريقة تفوق عقولنا ومقدرتنا على تفهُّمها تفهما تاما وكليا. هذه وسائط يستعملها الله لدعم وتقوية وإنماء إيماننا الذي جاء إلى حيّز الوجود بواسطة المناداة بكلمة وبركة الروح القدس.

ما هي هذه الأسرار المقدسة؟ إنها: سر المعمودية المقدسة وسر العشاء الرباني المقدس والمدعو أيضا بسر الاشتراك. وهذان السران هما من تأسيس الرب يسوع المسيح الذي أنشأهما ليكونا سِري العهد الجديد آمرا رسله وخدامه بأن يمارسونهما على مر العصور والأجيال إلى أن يعود له المجد ثانية إلى الأرض في اليوم الأخير. وهذه بعض المصادر الكتابية التي نأتي على ذكرها بخصوص موضوع سري العهد الجديد أي سري الحقبة الممتدة منذ تتميم عمل يسوع الفدائي على الصليب حتى عودته إلى العالم لدى انقضاء الدهر:

" كان يوحنا(أي يوحنا المعمدان الذي أرسله الله لتهيئة الناس لقبول المسيح) يُعمِّد في البرية ويكرز (أي ينادي) بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا. وخرج إليه جميع كورة اليهودية وأهل أورشليم واعتمدوا جميعهم منه في نهر الأردن معترفين بخطاياهم. وكان يوحنا يلبس وبر الإبل ومنطقة من جلد على حَقْويه ويأكل جرادا وعسلا بريا. وكان يكرز قائلا: يأتي بعدي من هو أقوى مني الذي لست أهلا أن أنحني وأحل سيور حذائه. أنا عمّدتكم بالماء وأما هو فسيعمدكم بالروح القدس" (الإنجيل حسب مرقس 1: 4- 8).وعندما أمر السيد المسيح رسله بأن ينطلقوا إلى العالم للمناداة بالإنجيل طلب منهم أيضا أن يعمدوا المؤمنين قائلا: " فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (الإنجيل حسب متى 28: 19).

وبناء على أمر السيد المسيح هذا نجد أن الرسل كانوا يطلبون من الناس الذين كانوا يقبلون كلمة الإنجيل أن يعتمدوا باسم المسيح. وهكذا نقرأ في سفر أعمال الرسل أن بطرس وعظ الجماهير التي تأثرت من مناداته قائلا لهم:

" توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقلبوا عطية الروح القدس، لأن الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين على بعد، كل من يدعوه الرب إلهنا" (2: 38و 39).

ويُخبرنا الطبيب لوقا كاتب هذا السفر أن نتيجة هذه العظة الجبارة كانت باهرة للغاية:

" فقبلوا كلامه(أي مناداة بطرس بالإنجيل) بفرح واعتمدوا وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس" (2: 41).

أما عن أهمية المعمودية في حياة المؤمن فإن الرسول بولس قال في رسالته إلى رومية:

" أم تَجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضا في جدة الحياة لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضا بقيامته عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه لِيُبطل جسد الخطية كي لا نعود نُستبعَد أيضا للخطية" (6: 3- 6).

وهكذا نتعلم من هذه الآيات ومن تعاليم الكتاب المقدس الأخرى عن سر المعمودية المقدس إن الله قد أنشأ هذه الفريضة لتقوية وإنماء إيماننا الذي يأتي إلى الوجود فينا بواسطة كلمة الله وبركة الروح القدس. وقد نتساءل قائلين: لماذا يلجأ الله إلى فرائض حسية كفريضة المعمودية؟ ألا تكفينا كلمته المقدسة؟ الجواب هو أن الله يعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا ويعلم تماما أننا بحاجة إلى الأسرار المقدسة وإنها تؤول إلى تنمية وتعزيز حياتنا الجسدية. فنحن بحاجة ماسة إلى تقوية الإيمان الذي ينبت في قلوبنا بواسطة تلك الوسائل الخاصة التي أمر بها الله في كلمته والتي لجأ إلى استعمالها رسل المسيح منذ فجر هذا العهد الجديد.

هذا لا يعني أننا نَنْقُل إلى الفرائض في ذاتها القوة الروحية التي نحن بحاجة إليها بل ننظر إليها بعين الإيمان كفرائض السيد المسيح التي تدل على عمله الخلاصي العظيم الذي أتمه على الصليب والذي يتممه فينا الروح القدس. فكما أن الماء في حياتنا الأرضية يساعدنا على غسل أجسادنا والتخلص من الأوساخ العالقة بنا هكذا أيضا سر المعمودية يُشير إلى أن دم يسوع المسيح هو الذي يُطهرنا من سائر خطايانا. وليس ذلك فقط بل أن سر المعمودية يؤكد لنا تماما أننا عندما نؤمن بالمسيح إيمانا قلبيا فإن الله يقوم بالفعل على تنقيتنا روحيا بواسطة دم المسيح الذي سُفك على الصليب فسِر المعمودية المقدس هو إذن رمز وخَتم لعمل الله الخلاصي في قلوبنا وبما أنه رمز وسر إلهي فإنه لا يجوز لنا مطلقا أن نشك بصحته أو بمقدرته على إعطائنا فعلا ما تُشير إليه المعمودية: غفران الخطايا والإتحاد بالإيمان مع المسيح يسوع.

  • عدد الزيارات: 2892