الدرس الثامن والأربعون: المعمودية (تتمة)
لاحظنا أن سر المعمودية إنما يرمز ويختم لنا عمل يسوع الخلاصي الذي تم على الصليب. وكذلك رأينا أن الله الذي يعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا قد قام بإنشاء هذه الفريضة المقدسة لتقوية وإنماء الإيمان فينا. فكما أن الله تعالى يعتني بنا في حياتنا الجسدية ويُظهر ذلك الاعتناء بواسطة القوت المادي الذي يُمكننا من الحصول عليه هكذا أيضا يُظهر الله اعتناءه بنا عندما يُعطينا سر المعمودية المقدس الذي يؤول إلى تقوية وإنماء الإيمان الذي يوجده تعالى فينا بواسطة كلمته المقدسة وبركة الروح القدس.
ونذكر الآن ما كنا قد ألمحنا إليه مرارا ألا وهو أهمية وجود الإيمان الحي الحقيقي فيما يتعلق بسر المعمودية أو سر العشاء الرباني. لأن الأسرار المقدسة هي للمؤمنين وللمؤمنين فقط ولذلك من ليس هو مؤمنا بتعاليم كلمة الله لا يجوز له أن ينال هذه الأسرار المقدسة لأن غايتها كما رأينا هي تقوية وإنماء الإيمان ومن لم يكن عنده الإيمان الخلاصي فكيف يمكن الكلام عن تقوية إيمانه أو إنمائه؟ ومن هذا نتعلم أن الإيمان هو شرط هام جدا وبدونه لا يستفيد الإنسان مطلقا مِن الأسرار المقدسة بل على العكس يجلب غضب الله عليه. وسوف نتكلم عن هذا الموضوع المعين في درس مقبل أيضا أما الآن فنعود بصورة خاصة في سر المعمودية:
يُعلمنا الروح القدس بأن المعمودية هي غسل الميلاد الثاني والتطهير من الخطايا العالقة بنا منذ ولادتنا لا بمعنى أن الماء في ذاته يقوم بهذه الأعمال الباهرة بل إنما يُشير الماء ويَختم لنا ما يقوم به دم المسيح الزكي الذي ُفك عنا على الصليب. وهذه الصورة الحسية التي نُشاهدها حيثما تجري ممارسة هذه الفريضة المقدسة إنما تعلمنا بشكل صريح جدا أن جميع خطايانا ومعاصينا وآثامنا إنما تذهب عنا نظرا لدم يسوع المسيح كما أن جميع أوساخ وأقذار الجسد تذهب عنه لدى اغتسالنا بالماء. ولنذكر من جديد أن هذا السر هو إلهي لا بشري في مصدره ولذلك فإن الدرس الذي نتعلمه والحقيقة العظمى التي تشير إليها ويختمها يجب ألا نشك فيهما. الله هو الذي يُصَرِّح لنا بأن خطايانا إنما تُغفر وتذهب عنا لعمل يسوع المسيح الفدائي والله هو الذي يُعلمنا هذه الحقيقة العظمى ليس فقط بواسطة المناداة بكلمته- أي بما نسمعه بآذاننا- بل أيضا بواسطة مشاهدة السر المقدس – أي بما تُبصره أعيننا- ولذلك يُقال أحيانا بأن الأسرار المقدسة هي الكلمة المَرئية أو المشاهدة بأعيننا. وبهذه الطريقة يَقوى إيماننا لأننا لم نسمع عنه بواسطة الأذن فقط بل نشاهده بأعيننا أيضا.
سر المعمودية إذن يُعلِّمنا بطريقة حسية أهمية عمل يسوع المسيح الخلاصي وضرورة الاستفادة منه شخصيا لننال الخلاص العظيم الذي أتمه السيد له المجد. وفي سفر رؤيا يوحنا نقرأ ما يلي عن الخالصين وعن الحقيقة العظمى بأنهم كانوا قد اختبروا في هذه الحياة غُفران خطاياهم بواسطة دم يسوع المسيح الزكي ذلك العمل الذي تُشير وترمز إليه المعمودية:
" بعد هذا نظرْت وإذا جمع كثير لم يستطع أن يَعُده من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة واقفون أمام العرش وأمام الخروف مُتَسربلين بيض وفي أيديهم سعف النخل. وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللخروف. وجميع الملائكة كانوا واقفين حول العرش والشيوخ والحيوانات الأربعة وخروا أمام العرش على وجوهم وسجدوا لله قائلين: آمين. البركة والمجد والحكمة والشكر والكرامة والقدرة والقوة لإلهنا إلى أبد الآبدين، آمين. وأجاب واحد من الشيوخ قائلا لي: هؤلاء المتسربلون بالثياب البيض من هم ومن أين أتوا؟ فقلت له يا سيد أنت تعلم. فقال لي: هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة وقد غسلوا ثيابهم وبيضوا في دم الخروف. مِن أجل ذلك هم أمام عرش الله ويخدمونه نهارا وليلا في هيكله والجالس على العرش يحل فوقهم. لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحر لأن الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم ويقتادهم إلى ينابيع ماء حية ويَمسح الله كل دمعة من عيونهم" (7: 9- 17).
وأخيرا نقول أنه بما أن الله يَشمل دوما أولاد المؤمنين في علاقته الخلاصية مع الناس تلك العلاقة المدعوة في الكتاب بعهد النعمة فإن أولاد المؤمنين أيضا ينالون بعد ولادتهم علامة وختم سر المعمودية كما كان أولاد المؤمنين في أيام العهد القديم ينالون علامة بلوغهم سن الرشد أن يُظهروا علانية حيوية إيمانهم وذلك بالاعتراف أمام الله وشعبه بأنهم يؤمنؤن بالمسيح شخصيا وبعمله الخلاصي وأن يعود إلى دم المسيح الزكي الذي سُفك عنهم.
وهكذا عندما تكلم بطرس الرسول عن موعد الله قال: لأن الموعد هو لكم ولأولادكم... ومن حادثة الرسول بولس في مدينة فيلبي نتعلم أيضا الدرس ذاته: قال بولس لحافظ السجن: " آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك" وكانت النتيجة أن حافظ السجن بعدما أخرج بولس ورفيقه سيلا من السجن وغسل جراحاتهما اعتمد في الحال هو والذين له أجمعون.
- عدد الزيارات: 3004