الدرس السادس والأربعون: ينبوع الإيمان والمناداة بالإنجيل
إستعمل الله المناداة بكلمته وبركة الروح القدس ليُعطينا جدة الحياة التي ندعوها بالولادة الثانية أو الولادة من فوق أي من السماء. فقد ذكر الرسول بولس في رسالته الأولى ما يلي:
" مولودين ثانية لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى بكلمة الله الحية الباقية إلى البد، لأن كل جسد كعُشب وكل مجد إنسان كزهر عُشب، العشب يبس وزهره سقط وأما كلمة الرب فتثبت على الأبد. وهذه هي الكلمة التي بشرتم بها" (1: 23- 25).
وذكر الرسول يعقوب بصدد موضوعنا ما يلي في رسالته:
" كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران، شاء فولدنا بكلمة الحق لكي نكون باكورة من خلائقه" (1: 17و 18).
وكتب الرسول بولس على ابنه الروحي السقف تيطس مايلي في مقدمة الرسالة المعروفة بالرسالة على تيطس:
" بولس عبد الله ورسول يسوع المسيح لأجل إيمان مُختاري الله ومعرفة الحق الذي هو حسب التقوى على رجاء الحياة الأبدية التي وعد بها الله المنـزه عن الكذب قبل الأزمنة الأزلية وإنما أظهر كلمته في أوقاتها الخاصة بالكرازة التي اؤتمنت أنا عليها بحسب أمر مخلصنا الله" (1: 1- 3).
نتعلم بواسطة المناداة بكلمة الله كيفية التغلب على الطبيعة القديمة الساقطة والحياة حسب مشيئة الله وبواسطة المناداة بالإنجيل يمكننا الله من الثبات في إيماننا والعمل على النمو فيه بشكل مستمر.
وليس علينا أن نظن أن مصدر الإيمان بعيد عنا بُعدا كبيرا أو أن ننتظر من الله أن يُعطينا وسائل خاصة لنؤمن ونختبر جِدَة الحياة المتجانسة مع إرادته. وهكذا عندما نبحث في موضوع الحصول على الإيمان أو تقوية الإيمان أو الاستمرار في حياة الإيمان ليس هناك من مصدر قد عينه هو تعالى ليكون سببا لبزوغ شمس الإيمان ولتقويته ولإنمائه. حيثما يُنادي بكلمة الله (وهذا لا يجري عفوا بل حسب إرادة الله) فإن الله إنما يضع أمام عقولنا مصدر الإيمان ويأمرنا بان نتوب عن خطايانا ونرجع إليه مؤمنين إيمانا صحيحا وقويما. وقد كتب بصدد هذا الرسول بولس في رسالته إلى أهل الإيمان في رومية قائلا:
" وأما البر الذي بالإيمان فيقول هكذا: لا تقُل في قلبك من يصعد إلى السماء؟ أي لِيُحْدِرَ المسيح، أومن من يهبط إلى الهاوية أي لِيُصْعِدَ المسيح من الأموات؟ لكن ماذا يقول؟ الكلمة قريبة منك في فمك وفي قلبك، أي كلمة الإيمان التي نكرز (أي ننادي) بها لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت" (10: 6- 9).
فهذه الكلمات الموحى بها من الله والتي كانت قد أثرت تأثيرا كبيرا على حياة وأعمال الرسول بولس تُعلمنا بكل وضوح أنه لا يلزمنا أي شيء للحصول على الإيمان أي تدبير الله العظيم الذي شاء بأن يُنادي بكلمته الخلاصية والتحريرية في سائر العصور والأمصار. وهذا لدليل كبير على محبة الله ورغبته في أن لا نوت في خطايانا بل أن نتحرر منها ونصبح أعضاء في ملكوته العظيم بواسطة الإيمان. الكلمة أي كلمة الإنجيل هي قريبة منا، أنها في متناولنا جميعا وهذه هي الكلمة التي تُعلمنا بأن يسوع المسيح هو الرب المخلص الذي يُنقذ كل من يؤمن به إيمانا قلبيا وصادقا. أنريد أكثر من هذه النعمة العظيمة؟ لماذا التفكير بأمور لم يُسر الله بأن يلجا إليها في إعطائنا هبة الإيمان الخلاصي؟ فنحن ليس باستطاعتنا أن ننـزل المسيح من السماء ولا أن نُرغِم الله تعالى اسمه بأن يقوم بمعجزة خارقة للطبيعة لإرغامنا على الإيمان بشكل خارجي. ما العمل إذن؟ الرضوخ بكل شكر وامتنان وتواضع للتدبير الإلهي العظيم الذي يشمل جميع مواضيع الخلاص والإيمان بهذا التدبير الذي يقتضي بان يُنادى بكلمة الإنجيل في العالم بأسره ليقف الناس على خبر الخلاص المفرح وليصلوا بواسطة الإيمان إلى حياة البر والقداسة.
- عدد الزيارات: 2944