Skip to main content

الدرس الخامس والأربعون: ينبوع الإيمان (تتمة الدرس السابق)

كنا قد وصلنا على القول بأن شهادة يسوع المسيح المنبثقة من خدمته العلنية مع قول بولس في الرسالة إلى رومية بأن الإيمان بالخبر أي بواسطة خبر الإنجيل وأن الخبر هو بكلمة الله. ينبوع الإيمان أي طريقة الحصول عليه إنما هو في دائرة المناداة بكلمة الله الخلاصية.

ثانيا: الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله: هذا هو أمر يسوع المسيح

إن السيد المسيح أعطانا تعليمات كافية في الإنجيل لِنعلم عِلم اليقين أن الإيمان الخلاصي إنما يولد ويترعرع ضمن المناداة بالكلمة الالهية وهكذا نقول أن الإيمان والتوبة والغفران والراحة والسلام وكل ما تتوق إليه أنفسنا، كل هذه الأمور العظيمة إنما هي ثمار الكلمة الإلهية التي يُنادى بها. ففي صلاة المسيح المدونة في الإنجيل حسب يوحنا 17 والمعروفة أحيانا باسم الصلاة الكهنوتية نسمع سيدنا المسيح يقول:

" ولست أسأل من اجل هؤلاء فقط (أي من أجل التلاميذ) بل أيضا من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم (أي بواسطة كلام الرسل والبشيرين الذين كانوا سينادون بعد القيامة بكلمة الله الخلاصية"

وكذلك نرى أن السيد المسيح أمر بخصوص المناداة بكلمة الله قائلا للتلاميذ قُبيل صعوده الظافر إلى السماء:

" فاذهبوا وتلمذوا (أي علموا) جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به... اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا (أي نادوا بالانجيل) للخليقة كلها... وقال لهم( أي السيد المسيح للتلاميذ): هذا هو الكلام الذي كلّمتم به وأنا بعد معكم.. إنه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب وقال لهم: هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث وأن يكرز (أي ينادي) باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم" (الإنجيل حسب متى 28: 19و 20، ومرقس 16: 15، لوقا 24: 44- 47).

وهكذا نفهم من هذه القوال الربانية المسجلة لنا في كتاب الله أنه ليس علينا أن ننتظر معجزة من السماء ولا تأثيرا ما ولا تدخلا من قِبَل في حياتنا سوى ذلك الذي يقوم به تعالى في حياتنا بواسطة المناداة بكلمته الخلاصية التي تُصبح حية ضمن قلوبنا بواسطة الروح القدس. الإيمان، وجميع الأمور التي تنتج عن الإيمان القويم، الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله. وقد قال أحد رجال الله الأتقياء: كما أن الحديد يحمر عندما نضعه في النار هكذا أيضا يتكون إيماننا الصحيح بواسطة المناداة بالإنجيل.

ثالثا: الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله: هذه هي شهادة رسل المسيح.

سأل الرسول بولس أهل غلاطية الذين وقعوا تحت تأثير معلّمين مُتَهوِّدين قائلا:

" أيها الغلاطيون الأغبياء من رقاكم حتى لا تُذعنوا للحق أنتم الذين أمام عيونكم قد رسم يسوع المسيح بينكم مصلوبا؟ أريد أن أتعلم منكم هذا فقط: أبأعمال الناموس أخذتم الروح أم بخبر الإيمان؟... فالذي يمنحكم الروح ويعمل قوات فيكم أبأعمال الناموس أم بخبر الإيمان؟ (3: 1- 2و 5).

وكتب الرسول إلى مؤمني مدينة أفسس في آسيا الصغرى قائلا عن ينبوع الإيمان:

" الذي فيه (أي في السيد المسيح) أيضا أنتم إذ سمعتم كلمة الحق: إنجيل خلاصكم الذي فيه أيضا إذ آمنتم خُتِمتم بروح الموعد القدوس الذي هو عُربون ميراثنا لفداء المُقتنى لمدح مجده" (1: 13و 14).

فالإيمان يرتكز على قوة الله ولكن هذه القوة إنما تظهر لنا بواسطة المناداة بالإنجيل كما يُفهمنا أيضا الرسول بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس حيث يقول:

" وأنا لما أتيت إليكم أيها الأخوة أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة مناديا لكم بشهادة الله. لأني لم أعزم أن أعرف شيئا بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبا. وأنا كنت عندكم في ضعف وخوف ورعدة كثيرة، وكلامي وكرازتي (أي مناداتي بالإنجيل) لكي لا يكون إيمانكم بحكمة الناس بل بقوة الله" (الرسالة الأولى إلى كورنثوس 2: 1- 5).

حيثما يُنادى بإنجيل الله وبشهادة الله هناك ينبوع الإيمان القويم، هناك الروح القدس العامل مع كلمته المحررة والمنعشة. أتود من كل قلبك أن تنال الخلاص والبر والفداء والسلام والراحة الأبدية؟ آمن أيها القارئ آمن بكلمة الله وإذ ذاك تنال جميع فوائد الفداء وتعلم عِلم اليقين أن إيمانك هذا ليس من ينبوع بشري بل مصدره روح الله القدوس.

  • عدد الزيارات: 2891