Skip to main content

الدرس الثامن عشر: ثمر الإيمان بالعناية الإلهية

تشمل عناية الله كل شيء وكل من يمس بهذه العقيدة يحط من شأن الله القدوس. حتى أعداء الله من البشر والشياطين لا يستطيعوا أن يتجاوزوا حدود شرهم وضلالهم وأنهم يقومون في كثير من الأحيان بعمل إرادة الله بالرغم من عداواتهم الشديدة للخالق عز وجل. هذا الإيمان ليس عبارة عن فلسفة أو اجتهاد بشري بل إنما نستقيه من كلمة الله الحية ويتفق بشكل تام مع وحي الله الذي نعترف به قائلين: أومن بإله واحد آب ضابط الكل خالق السماء والأرض كل ما يرى وما لا يرى. وكما لاحظنا في درس سابق أن تعاليم الكتاب هي عقائد حياتية لا مجرد تعاليم عقلية فلسفية. كل ما يوحي به الله له علاقة شديدة بالحياة التي نحياها على هذه الأرض. لسنا كأهل الوثنيين القدماء أو المعاصرين الذين يعتقدون بأن آلهتهم لا تهتم مطلقا بشؤون بني البشر وأنه من واجب المتعبدين لها بأن يرضوها بذبائح وتَقدمات ليتقوا شرها، ن}من بالله خالق السماء والأرض، برب العالمين، بسيد الكون، بملك الملوك ورب الأرباب، بمن له مطلق الصلاحية في شتى نواحي الحياة وبمن يُسَيّر دفة التاريخ إلى نهايته حسب تدبيره العظيم الذي لن يعرف الفشل أو الانهيار.

ولهذا الإيمان الذي ندين به والذي يرتكز على كونه تعالى المعتني بشؤون العالم وخاصة بالمؤمنين به، لهذا الإيمان نتائج عملية. تلخص أهم الثمار التي تنمو على شجرة الإيمان الحقيقي المختص بالله الآب وبعنايته للعالم الذي خلقه وخاصة بالنسبة لأحبائه الذين تبناهم في المسيح يسوع.

كم كانت تعاستنا عظيمة لو كان الجاحدون والملحدون والمضطهدون والأشقياء والمجرمون والشياطين، لو كانوا كلهم يقدرون أن يعملوا بالرغم من الإرادة الإلهية أو خارج تدبيره العجيب لحياتنا كمؤمنين. كيف بإمكاننا أن نحصل على أي هدوء أو سلام أن كنا نظن بأننا تحت رحمة أعداء الله الذين يقدرون أن يعملوا بدون إذن الله. ولكننا عندما نعلم بأن الله يضع حدودا لهؤلاء الأشرار من بشر وأبالسة وأنهم لا يقدرون أن يفعلوا أي شيء بدون إرادته، عندما نعلم أنه ليس هناك أي مخلوق يقدر أن يفصلنا عن محبة الله وحمايته لنا، عندئذ نكون صبورين إبان محننا، شكورين إبان أيام الخير والسلام، وواثقين بالله بصورة تامة بالرغم من كل ما يحدث لنا في الحياة. وإذ ذلك نكتشف أنه في كثير من الأحيان تكون قوة الله الآب مستترة تحت الآلام وبركته تحت التجارب والضيقات. وهذه بعض الآيات الكتابية التي تبحث في موضوع ثمار عقيدة الإيمان بالله وبعنايته لنا نحن الذين وضعنا رجاءنا في كلمته وفي ابنه يسوع المسيح:

كتب الرسول بولس في رسالته إلى أهل الإيمان في رومية: " ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يُحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده... فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عُمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا" (8: 28و 38و 39).

كتب الرسول في هذه الرسالة عن موقفنا من الضيقات:

" نفتخر أيضا في الضيقات عالمين أن الضيق يُنشئ صبرا والصبر تزكية والتزكية رجاء والرجاء لا يخزي لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا" (5: 3- 5)

وقال الرسول يعقوب عن الموضوع ذاته في رسالته:

" احسبوا كل فرح يا أخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة عالمين أن امتحان إيمانكم يُنشئ صبرا وأما الصبر فليكن له عمل تام لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء" (1: 2- 4) فلولا اعتقاد المؤمنين كبولس الرسول ويعقوب بأن الله هو الذي له الكلمة الأخيرة في كل شيء، ولولا اعتقادهم بأن الله هو المسيطر على جميع المخلوقات حتى تلك التي هي ثائرة على شريعته، لما استطاعوا بأن يكتبوا ما كتبوه في رسائلهم لأهل الإيمان في القرن الأول الميلادي. لولا هذا الإيمان لما استطاع أيوب الصديق عندما سمع بالمحن المتتالية التي انقضت عليه وعلى أسرته، بأن يقول من أعماق قلبه:

" عريانا خَرَجت من بطن أمي وعريانا أعود إلى هناك، الرب أعطى والرب أخذ، فليكن اسم الرب مباركا" (1: 21)

وهذه قَبلت الأمور التالية وكأنها آتية إليَّ من يد الله ولخيري: المرض الذي ألم بي وأقعدني عن العمل والنشاط لمدة ما؟ الخسارة المادية التي مُنيت بها في أعمالي؟ الفشل في الامتحان النهائي بالرغم من جَدِّي ونشاطي أثناء السنة الدراسية؟ موت أحد أفراد عائلتي أو وقوعهم في مرض مزمن من النادر أن يُشفى منه؟ هل أقبل مصائب الحياة مثل أيوب الصديق أم هل أفكر وأحيا وكأنه هناك نواحي عديدة من الحياة تقع خارج نطاق عناية الله وضمن قوة حتمية عمياء أو حظ ظالم؟ ليساعدنا الله القادر على كل شيء لنحيا بملء الإيمان التام والمطلق بعنايته التامة والكلية بجميع أمور حياتنا.

  • عدد الزيارات: 2984