الدرس التاسع عشر: الفادي يسوع المسيح
تُعلمنا كلمة الله بشكل خاص عن الإنسان من الخطية والشر. وهكذا بعد أن انتهينا من البحث في موضوع الله الخالق وفي العناية الإلهية نأتي الآن إلى دراسة مطولة لعمل يسوع الفدائي من أجل تحرير البشرية من طغيان الشر وعبودية الشيطان والخطية. وكما ألمحنا مرارا في هذه الدروس الكتابية لا نقدر أن نكتفي بمعرفة عقلية مجردة لهذه الأمور الهامة بل يتوجب علينا أن نختبرها ضمن حياتنا وهذا لا يتم إلا بمعونة الله. فلنتضرع دوما إلى الرب ليمكننا من اختبار ما نتعلمه في هذه الدروس لكي لا نكون من سامعي الكلمة فقط بل من العاملين بها أيضا.
نلاحظ قبل كل شيء أن الرب أُعطي اسم يسوع عند ولادته من مريم العذراء وهذا أمر هام لأن اسم السيد المسيح له دليل قوي على العمل الذي أتى لإتمامه. ويمكننا القول بأن هذا الاسم يُشير حسب معناه الأصلي إلى كون المسيح له المجد مخلصا أي أنه أُعطي من الله الآب هذا الاسم المجيد لأنه وحده قادر بأن يُخلصنا من جميع ذنوبنا وخطايانا. فاسم يسوع إنما يُشير إلى من يُخلص أو يُنقذ أو يُحرر.
وهذه بعض الآيات الكتابية المتعلقة بموضوعنا هذا:
عندما ظهر ملاك الرب ليوسف قال له: " يا يوسف ابن داود لا تَخف أن تأخذ مريم امرأتك. لأن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس. فستلد ابنا وتدعو اسمه: يسوع لأنه يُخلص شعبه من خطاياهم. وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: هوذا العذراء تَحبل وتلد ابنا ويَدعون اسمه عِمانوئيل الذي تفسيره: الله معنا" (الإنجيل حسب متى 1: 20- 23).
وشهد بطرس الرسول بالمخلص أمام رؤساء الدين في مدينة القدس قائلا بدون خوف:
" ليس بأحد غيره الخلاص، لأن ليس اسم تحت السماء قد أُعطي بين الناس به ينبغي أن نَخلص" (أعمال الرسل 4: 12).
وكتب صاحب الرسالة إلى العبرانيين عن الرب يسوع المسيح قائلا: " وأما هو فلكونه يبقى إلى الأبد له كهنوت لا يَنتقل إلى آخر. ومن ثم فهو يقدر أن يُخلص تماما الذين يتقربون به إلى الله إذ هو حي كل حين ليشفع فيهم" (7: 24و 25).
وبما أن السيد المسيح هو المخلص الوحيد فمن العبث إذن الالتجاء إلى البشر من أجل الحصول على الخلاص ونلاحظ من تعاليم الرسل المدونة في الكتاب بأنهم كانوا غيورين جدا بالنسبة إلى كون المسيح المخلص الوحيد للبشرية وإنه لا جدوى مطلقا في السعي إلى إرضاء الله بواسطة أعمال صالحة أو التقرب إليه بواسطة ملائكة أو بشر. وكان الرسول بولس من أشد الرسل حماسا للدفاع عن هذه العقيدة الكتابية وذلك لأنه كان قبل اهتدائه إلى المسيحية من المعتقدين بأن الإنسان يُرضي الله وينال الغفران بواسطة الأعمال.
كتب الرسول بولس إلى أهل الإيمان في غلاطية والذين كانوا قد أخذوا يرتدُّون عن عقيدة الخلاص بواسطة المسيح ونعمته وقال:
" قد تبطَّلتم عن المسيح أيها الذين تتبررَّون بالناموس سقطتم من النعمة. فإننا بالروح من الإيمان نتوقع رجاء برّ، لأنه في المسيح يسوع لا الخِتان ينفع شيئا ولا الفُرْلة، بل الإيمان العامل بالمحبة" (5: 4- 6).
وكتب الرسول إلى المؤمنين في مدينة كولوسي قائلا عن موضوعنا هذا:
" لأنه فيه- أي في المسيح يسوع- سُرَّان يحل كل الملء وأن يُصالح به الكل لنفسه عاملا الصُلح بدم صليبه بواسطته، سواء كان ما على الأرض أم ما في السموات: (1: 19و 20)
ومن المؤسف جدا أن يكون هذا التعليم غير مُرَحَّب به وذلك لتعارضه مع تعاليم الحكمة البشرية. وقد أشار إلى هذا الأمر الرسول في بدء رسالته الأولى إلى المؤمنين في مدينة كورنثوس اليونانية:
" فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله. لأنه مكتوب: سأبيد حكمة الحكماء وأرفض فهم الفهماء. أين الحكيم؟ أين الكاتب؟ أين مباحث هذا الدهر؟ ألم يُجَهِّل الله لم يعرف الله بالحكمة استحسن الله أن يُخلص المؤمنين بجهالة الكرازة – أي المناداة بالانجيل. لأن اليهود يسألون آية واليونانيين يطلبون حكمة ولكننا نحن نكرز – أي ننادي – بالمسيح مصلوبا لليهود عثرة ولليونانيين جهالة وأما للمدعوين يهودا ويونانيا فبالمسيح قوة الله وحكمة الله. لأن جهالة الله أحكم من الناس وضعف الله أقوى من الناس.
فانظروا دعوتكم أيها الأخوة أن ليس كثيرون حكماء حسب الجسد، ليس كثيرون شرفاء بل اختار الله جُهال العالم ليُخزي الحكماء واختار الله ضعفاء العالم لِيخزي الأقوياء واختار الله أدنياء العالم والمُزْدرى وغير الموجود ليبطل الموجود لكي لا يفتخركل ذي جسد أمامه. ومنه أنتم بالمسيح يسوع الذي صار لنا حكمة من الله وبرا وقداسة وفداء، حتى كما هو مكتوب: من افتخر فليفتخر بالرب" (1: 18 ).
- عدد الزيارات: 3111