Skip to main content

الدرس الثالث عشر: الثالوث الأقدس

نقسِّم قانون الإيمان إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول يتعلق بالله الآب وبموضوع خليقتنا. القسم الثاني يتعلق بالله الابن وبموضوع فدائنا من الخطية والشر، والقسم الثالث يتعلق بالله الروح القدس وبموضوع تقديسنا. وفي هذا القسم الخير ندرس أيضا المواضيع الآتية: الكنيسة المسيحية والنِعَم التي نحصل عليها من الله وبواسطة الكنيسة.

الإيمان الكتابي هو إذن إيمان مبني على الاعتقاد بالثالوث القدس الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد. ونح نجد هذا التعليم موحى به في كلمة الله ولذلك نؤمن به. إننا لا نذهب إلى الكتاب المقدس إلا لقبول جميع ما أوحى به الله لأننا لا نستطيع أن نقبل بعض التعاليم التي قد تروق طبيعتنا البشرية ونرفض تعاليم أخرى تفوق عقلنا البشري المحدود والخاضع لتأثير الخطية. ومع أننا سنستشهد بالعديد من الآيات الكتابية إلا أنه يجب أن نُقِرَّ أن التعليم عن الثالوث الأقدس إنما يُشبع الكتاب بأسره وخاصة أسفار العهد الجديد وأنه لا يمكن مطلقا فهم الكتاب إن لم نقر بالثالوث. إننا قد نقرأ الكتاب ونكون ملمين بمحتوياته إلماما عقليا ولكننا لا نكون قد وصلنا إلى تفهُّم للوحي إن لم نكن قد قبلنا شهادة الوحي عن كون الله تعالى اسمه مثلث الأقانيم.

كانت أيام ما قبل المسيح أيام الجهل والوثنية وكان الظلام الروحي مخيما على البشرية. وحتى بنو إسرائيل كانوا يقعون في خطية عبادة الأوثان في العصور المتتالية منذ أيام موسى إلى أيام القضاة والملوك. ولذلك نلاحظ أن الوحي الإلهي آنئذ كان يشدد على أهمية الابتعاد عن الأوثان وعلى الإيمان بالله الواحد. ولكننا نرى دلائلا هنا وهناك في أسفار العهد القديم على وجود أقانيم في اللاهوت. وهذه بعض الآيات المستقاة من الكتاب بعهديه القديم والجديد والتي تشهد بوجود الله الواحد المثلث الأقانيم:

في سفر التثنية يقول موسى للشعب: اسمع يا اسرائيل: الرب إلهنا رب واحد، فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك" (6: 4و 5).

ويخبرنا البشير متى في الإنجيل عن اعتماد السيد المسيح من يوحنا المعمدان في الأردن ويقول:

" ولما اعتمد يسوع صعد للحال من الماء، وإذا بالسماوات قد انفتحت له، ورأى روح الله نازلا مثل حمامة وآتيا عليه، وإذا بصوت من السموات يقول: هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررتُ" (3: 16و 17).

وهذه الإشارة الصريحة إلى الله الآب والروح القدس أثناء اعتماد الابن المتجسد لا يمكن أن نفهمها بدون الإقرار التام بالثالوث. وعندما أرسل السيد له المجد تلاميذه إلى العالم بعد قيامته من الأموات كان أمره الرباني المختص بتلمذة العالم في هذه الكلمات المبنية على الإقرار بالثالوث:

" اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (الإنجيل حسب متى 27: 19و 20).

وعندما أنهى الرسول بولس رسالته الثانية إلى أهل الإيمان في مدينة كورنثوس اليونانية أعطاهم بركته الرسولية قائلا:

" نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس معكم أجمعين"

وكون عقيدة الثالوث ليست بعقيدة فلسفية بل كتابية ولها علاقة صميمة بالإنسان وخاصة بالإنسان الواقع تحت سلطة وطغيان الخطية ظاهر في الكتاب المقدس بأسره وخاصة في رسائل العهد الجديد التي تُظهر لنا معنى العمل الخلاصي العظيم الذي أتمه السيد المسيح بمجيئه إلى العالم وبموته على الصليب وبقيامته من الأموات. فإن كتاب رسائل العهد الجديد كانوا يُشيرون دوما إلى الخلاص الذي يختبره الإنسان إنما هو من تدبير الله الأزلي وإن الله المثلث الأقانيم قام بكل ما يلزم لإنقاذ الإنسان من الخطية. فلذلك نرى أن كل مؤمن ومؤمنة يتعلقان بكل إصرار بإيمانهم بالثالوث لأنهما قد اختبرا ضمن حياتهما عمله الخلاصي التحريري. وهكذا نستطيع جميعنا أن نتغنى مع الرسول بولس بمباركة الثالوث الأقدس بواسطة هذه الكلمات المقتبسة من الفصل الأول من الرسالة إلى مؤمني أفسس في آسيا الصغرى:

" مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا في المسيح بكل بركة روحية في عَلياء السماوات، إذ قد اختارنا فيه قبل إنشاء العالم لنكون قديسين وبدون لوم أمامه. وسبق فعيننا في المحبة ليتبنانا لنفسه بيسوع المسيح، حسب رضى مشيئته، لحمد نعمته بالمجد، التي أنعم بها علينا في المحبوب، الذي فيه لنا الفداء بدمه، مغفرة الذنوب، وذلك حسب غنى نعمته التي أسبغها علينا بكل حكمة وفطنة، إذ عرّفنا سر مشيئته، وتلك مرضاته التي قصدها فيه، تدبيرا منه في ملء الأزمنة، ليجمع كل شيء في المسيح، ما في السموات وما على الأرض، وفيه أيضا تم اختيارنا مُعَيَنين من قَبْل بمقتضى قصد الذي يعمل كل شيء حسب مشورة مشيئته، لنكون لحمد مجده، نحن الذين قد سَبقنا ووضعنا رجاءنا في المسيح. وفيه أنتم أيضا، إذ قد سمعتم كلمة الحق، إنجيل خلاصكم، وبعدما آمنتم به خُتِمتم بروح الموعد القدوس، الذي هو عربون ميراثنا لفداء مُقتناه لحمد مجده" (1: 3- 14).

يختبر كل خلاص، كل مؤمن بالإنجيل أن الله المثلث الأقانيم قد قام بإنقاذه من الخطية والموت ويُعطي المجد لله الآب الذي رسم تدبير الفداء  منذ الأزمنة الأزلية ولله الابن الذي قام بإنجاز الفداء بموته الكفاري على الصليب ولله الروح القدس الذي يُهيء القلوب لتقبل إنجيل الخلاص والذي يختم المؤمنين بختمه المقدس فلا ينتزعهم أحد من ملكوت الله. للآب والابن والروح القدس الإله الواحد المجد، الآن وإلى الأبد، آمين.

  • عدد الزيارات: 2972