الدرس الثاني عشر: الإيمان الكتابي- تتمة الدرس الحادي عشر
تعلمنا في درسنا السابق ما يلي عن الإيمان المسيحي: هذا الإيمان مبني على تعاليم الكتاب المقدس الذي هو كلمة الله وأن الله يَعد الإنسان بارا إن آمن بمن أرسله ليكون مخلص العالم. ورأينا أيضا أهمية الوصول إلى تعريف كتابي لهذا الإيمان الذي بواسطته يَخلص الإنسان. ووصلنا إلى القول بأن الإيمان يتضمن المعرفة الأكيدة لما أوحاه الله في كتابه والتأكد بشكل شخصي أن الله لا يقدم الخلاص بصورة فقط بشكل عام بل يود أن يُنقذني أنا الخاطئ بصورة فردية. ولم يتسع لنا المجال للبحث بصورة كافية في النقاط التي ألمحنا إليها ولذلك نعود الآن إلى الموضوع ذاته ونبحث في بعض الأمور التي ذكرناها في دراستنا السابق عن الإيمان.
عندما عرّفنا أو حدّدنا الإيمان الصحيح ذكرنا أولا: ضرورة معرفة الله. من البديهي أننا لا نقدر أن نحب الله أو نخدمه ونعبده كما يجب إن لم نكن قد حصلنا على معرفة صحيحة عنه مبنية على الوحي. ولذلك يجب علينا أن نصل إلى معرفة الله كما كشف عن ذاته في الكتاب المقدس.
وما أن نذكر أهمية المعرفة الصحيحة حتى يتوجب علينا أن نذكر أن المعرفة التي نشير إليها ليست كافية بحد ذاتها. فإنه يمكنني أن أصل إلى معرفة كل شيء قام به الله عبر التاريخ البشري وكذلك معرفة كلمته غيبا بدون أن أكون قد حصلت على الإيمان الذي يُنقذني من الخطية ومن عواقبها المخية. إن اكتفيت بالمعرفة العقلية- وإن كانت تلك المعرفة صحيحة ومنطبقة على الوحي الإلهي الوارد في الكتاب- فإن معرفتي هذه لا تكون إلا عبارة عن نِظام فلسفي أو حكمة عقلية. المعرفة الخلاصية هي المعرفة التي يمكن بأن تُصَف كمعرفة حيوية، كمعرفة عملية اختبارية لا معرفة نظرية مجردة. إني لا أكون خالصا إن كنت فقط أعتقد بأن الله هو الآب وإن المسيح هو مخلص العالم. إن أردت أن أكون من الخالصين عليَّ أن أؤمن إيمانا شخصيا بأن الله هو أبي السماوي وإن المسيح يسوع هو مخلصي أنا. في جميع أمور الإيمان المسيحي عليَّ أن أذكر أهمية الحصول على مواعيد الله بشكل شخصي.
وهكذا يتوجب على كل واحد منا أن يطرح على نفسه هذه الأسئلة:
هل أبذل جهدا كافيا للوصول إلى المعرفة الصحيحة المختصة بالله والتي أوحتها تعالى في كتابه المقدس؟ القيام بذلك إنما يتطلب مني جهدا كبيرا ومتواصلا ومن البديهي إنني لا أقدر أن أقول إني أؤمن بما كشف عنه الله إن لم أكن قد حصلت على معرفة كافية لذلك الوحي.
وعندما نتكلم عن معرفة الله علينا أن نرى توا أنه من واجبنا الحصول على هذه المعرفة لمجد الله ولكي نستطيع أن نخدمه كما يجب. وإذا ما وصلنا إلى معرفة الله الخلاصية فإننا نكون في نفس الوقت قد وصلنا إلى مصدر ومنبع الحياة والتوازن العقلي والروحي. يمكننا الإيمان من إيجاد ذلك الوئام والتجانس مع قوانين الحياة التي هي من وضع الله تعالى.
نصل بالإيمان الخلاصي إلى استعمال الهبات التي منحنا إياها الله بأحسن صورة. نقرأ الكتاب المقدس ونخضع لجميع الأوامر الإلهية الواردة فيه فنشعر بقوة جديدة تنبعث في حياتنا ونقد أن نجد الوقت الكافي لتغذية حياتنا الروحية بالرغم من كثرة وصعوبة أشغالنا اليومية. معرفة الله إذن والنمو في هذه المعرفة هي قضية إيمان وهذا الإيمان يفرض أمرين: أن نجد في سبيل غايتنا وإن نثابر على جَدِّنا.
وقبل البدء في بحثنا المطول في محتويات الإيمان المسيحي الكتابي علينا أن نلاحظ بأن هذه المعرفة التي يتكلم عنها الكتاب المقدس بخصوص الإله المثلث الأقانيم ليست عبارة عن نظرية عقلية مجردة. إنها أسمى من أن تخضع لأي تحليل عقلي بشري لأنها على مستوى يفوق العقل البشري بشكل تام. ولذلك علينا أن نلاحظ قبل شروعنا في دراسة قانون الإيمان بان التعليم الوارد فيه ليس موجها نحو العقل بل نحو الإيمان. وإن ظن أحد بأنه من الممكن أن نعَّرف الله تعالى أو نحدده كما نقوم بذلك في العلوم البشرية فإن ذلك لأمر مستحيل لأن الله تعالى هو غير محدود ويفوق العقل البشري بمقدار ما يمتاز الخالق عز وجل عن مخلوقاته وبصورة لا متناهية. إننا نحن البشر مخلوقات محدودة وقد أظلمت الخطية عقولنا وقلوبنا ولم يعد بوسعنا أن نفكر كما يجب في هذه الأمور السامية. الطريق الوحيد المفتوح أمامنا بالنسبة إلى الله تعالى اسمه هو أن نقبل وحيه المختص بذاته القدوس كما نجد ذلك الوحي في كلمته المقدسة. وإذا ما قمنا بذلك أي بالإيمان بما أوحى به الله عن ذاته في الكتاب فإننا نكون قد قمنا بأعظم عمل، عمل ذو نتائج عملية ذات نتائج عملية ذات منفعة دائمة وأبدية. ولذلك يتوجب علينا في هذه الدروس المبنية على تعاليم الكتاب المقدس أن نذكر أن كل ما أوحى به الله هو عقيدة عمل وتطبيق وحياة. وإذا ما أردنا أن ننمو يوميا بالإيمان وأن نـزداد تقدما في حياة التقوى التي يُسَرَّ بها الله ليس علينا سوى تغذية أنفسنا بواسطة وحي الله الوارد في الكتاب، ذلك الوحي الذي يعلمنا بأننا عندما نؤمن بالله حسب تعليم الكتاب نختبر أنه تعالى(الآب والابن والروح القدس) هو الله العامل لأجلنا ومعنا وفينا، له المجد إلى الأبد، آمين.
- عدد الزيارات: 3127