الدرس الرابع عشر: الله الآب
يمكن تقسيم قانون الإيمان إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول يتعلق بالله الخالق. وهذا ما نقر به عن الله الآب: أؤمن بإله واحد آب ضابط الكل خالق السماء والأرض وكل ما يرى وما لا يُرى" ومع أن هذه الكلمات تُقال في ثواني محدودة إلا أننا لا نقدر أن نسبر غورها بشكل تام. ونقدر أن نصرف ساعات عديدة في البحث في معانيها بالله الآب.
قبل كل شيء علينا أن نبين لماذا نستعمل كلمة آب بالنسبة للأقنوم الأول في اللاهوت. وهنا نعود إلى الكتاب المقدس الذي هو موحى به من الله ونقول أننا نجد هذه العبارة ضمن الكتاب نفسه ولذلك لا نمتنع عن استعمالها.
ندعو الله بالآب لأن الكتاب يكشف لنا عن هذه الحقيقة الهامة: إنه أب ربنا يسوع المسيح وهو له المجد مولود غير مخلوق مولود من الآب قبل كل الدهور. فعبارة آب لها معنى هام حتى ولو لم يكن هناك بشر أو خليقة أرضية.
ندعو الله بالآب لأننا عندما نؤمن بالمسيح يسوع كمخلصنا نُصبح من أولاد الله المتبنين. ننظر إلى الله القادر على كل شيء خالق السماء والأرض كآب سماوي رحوم لأن كلمته المقدسة تُعَلم بكل وضوح أن الله هو أب الله هو أب جميع المؤمنين والمؤمنات بمسيحه.
قال الرسول بولس عن موضوعنا في رسالته إلى أهل غلاطية: " ولكن لما جاء مِلْءُ الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة، مولودا تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التبني. وبما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبنا صارخا فيها: أبا، أيها الآب. فأنت إذن لست بعد عبدا بل ابنا، ون كنت ابنا وارث أيضا بالله" (4: 4- 7).
وأما يوحنا الرسول فإنه كتب ما يلي عن موضوع التبني في مقدمة الإنجيل:
" أما جميع الذين قَبلوه فقد أعطاهم سلطانا أن يصيروا أبناء الله، وهم الذين يؤمنون باسمه، الذين لم يولدوا من دم، ولا من مشيئة رجل، بل من الله، " (1: 12و 13).
كشف الله عن ذاته كإله قادر على كل شيء ولكن ليس من ناحية نظرية بل بالفعل ولذلك نقول: أؤمن بإله واحد آب ضابط الكل خالق السماء والأرض وكل ما يرى وما لا يرى." وفي أيامنا هذه نطرا لكثرة الاكتشافات العلمية ولغزو الإنسان للفضاء الخارجي وخاصة لطغيان الفلسفة المادية الملحدة على تفكير الكثيرين من بني البشر، يجدر بنا كمؤمنين أن نعلن بكل جلاء أننا لا زلنا نؤمن بإله لم يتخل عن عرشه السماوي وأنه السيطرة على الكون بأسره. الله الآب هو ضابط الكل أي أن كل شيء يخضع له وهو يسوس بواسطة عنايته جميع أمور العالم. إن قوة الله عاملة في الكون بشكل مستمر ولا يحدث شيء بدون معرفة الله أو خارج عن تدبيره العجيب لهذا العالم. فالكتاب المقدس لا يعترف مطلقا بإله محدود الصلاحية ولا بإله خَلق العالم وتركه يدور على ذاته مستقلا استقلالا مطلقا عن الخالق. كلمة الله المقدسة غنية بالإشارات العديدة التي تُظهر لنا الله كإله ضابط للكل وكإله ساهر على مصالح البشرية وكإله مُسَيَّر لدفة التاريخ إلى نهايته الزمنية في اليوم الأخير. إن آلهة الوثنيين آلهة محدودة وذات قوى محدودة بالنسبة لعابديها وهي غير متمتعة بأي وجود حقيقي لأنها ليست إلا من اختراع أذهان بني البشر المظلمة ووجودها لا يتعدى التمثال أو الصنم المعبود. وهناك آيات كتابية عديدة تُبين لنا التعليم الخاص بقوة الله وبسلطته التامة على مقدرات الكون والعالم والبشرية. وربما ليست هناك آيات كتابية تُعَبِّر لنا عن قوة الله وجبروته كالتي نجدها في سفر أيوب.
فأجاب الرب أيوب من العاصفة وقال:
" من هذا الذي يُظلم القضاء بكلام بلا معرفة؟ اشدد الآن حقويك كرجل فاني أسألك فَتُعلِّمني:
أين كنت حين أسست الأرض؟ اخبر إن كان عندك فهم. مَن وضع قياسها؟ لأنك تعلم، أو من مدّ عليها مطمارا؟ على أي شيء قَرَّت قواعدها أو من وضع حجر زاويتها؟ عندما ترنمت كواكب الصبح معا وهتف جميع بني الله.
ومن حجز البحر بمصاريع حين اندفق فخرج من الرحم؟ إذ جعلت السحاب لباسه والضباب قماطه. وجزمتُ عليه حدّي وأقمت له مغاليق ومصاريع وقلت إلى هنا تأتي ولا تتعدى. وهنا تُتخم كبرياء لحجك.
هل في أيامك أمرت الصبح؟ هل عرَّفت الفجر موضعه؟ ليمسك بأكناف الأرض فينفض الأشرار منها؟ تتحول كطين الخاتم وتقف كأنها لابسة. ويُمنع عن الأشرار نورهم وتنكسر الذراع المرتفعة.
هل نسيت إلى ينابيع البحر، أو في مقصورة الغمر تمشَّيتَ؟ هل انكشفت لك أبواب الموت أو عانيت أبواب ظل الموت؟ هل أدركت عرض الأرض؟ اخْبِرْ إن عرفته كلَّه.
أين الطريق إلى حيث يسكن النور؟ والظلمة أين مقامها؟ حتى تأخذها إلى تخومها وتعرف سبل بيتها. تَعْلم، لأنك حينئذ كنت قد ولدت وعدد أيامك كثير.
أَدَخَلْتَ إلى خزائن الثلج؟ أم أبصرت مخازن البرد التي أبقيتها لوقت الضر ليوم القتال والحرب؟ في أي طريق يتوزع النور وتتفرق الشرقية على الأرض؟ من فَرَّع قنوات للهطل وطريقا للصواعق؟ ليُمطِر على أرض حيث لا إنسان على قفر لا أحد فيه، ليروي البلقع والخلاء ويُنبت مخرج العشب.
هل للمطر أب ومن ولد مآجل الطل؟ مِن بطن خرج الجمد؟ صقيع السماء من ولده؟ كحجر صارت المياه، اختبأت وتلكَّد وجه الغمر.
هل تربط أنت عقد الثريا أو تفكُّ رُبُط الجبار؟ أتخرج المنازل في أوقاتها وتهدي النعش مع بناته؟ هل عَرفتَ سنن السماوات أو جَعلتَ تسلُّطها على الأرض؟ أترفع صوتك إلى السُحُب فيغطّيك فيض المياه؟ أترسل البروق فتذهب وتقول لك: ها نحن؟" (أيوب 38: 1- 35).
- عدد الزيارات: 5284