الإصحاح الأربعون: أثر كلام الرب على أيوب - سيطرة الرب على مخلوقاته
الخطاب الثاني
سيطرة الرب على مخلوقاته
في هذا الخطاب الثاني يعمق الرب العمل الذي بدأه في قلب أيوب، بالخطاب الأول (ص 39) أسكت أيوب وأقنعه بجلاله وقوته وحكمته. فإن مثل هذا الإله الذي تتجلى كمالاته في أعماله لا يمكن أن يستبد ويظلم في معاملاته الإنسان. وإن كانت حكمته الظاهرة في اهتمامه بالحيوانات والوحوش والطيور تدل على فهم أيوب. فهكذا الحال مع يده التي تؤدب، ويبدو أن التأثير الكبير الذي طبعه على أيوب في الخطاب الأول هو أن الرب قد أصبح حقيقة في عيني أيوب وتقديره.
وفي الخطاب الثاني تزداد هذه الانطباعات تعميقاً. ذلك بأن الله لا يدع عبده وقد تعلم من الدرس نصفه، ومن ثم يستخدم المحراث في قلبه حتى يصل إلى دفائن الكبرياء ويدينها. ومن هنا، يعالج الخطاب الثاني هذه الكبرياء المألوفة عند المخلوق. وكأن الرب يدعو أيوب ليرى ما إذا كان يستطيع أن يضع المتكبرين ويذللهم. ومفهوم ضمناً أن أيوب نفسه ضمن هذا الفريق المتكبر.
والخطاب من حيث موضوعاته يشبه الخطاب السابق في مميزاته. فالله لايزال يعلم أعمق دروس طرقه، وذلك من واقع كتاب مبادئ الطبيعة. ومن هنا نجد في بهيموث ولوياثان. مخلوقان يشبهان الثور الوحشي أو الفرس قوة وشجاعة. خليقة أو مخلوقات الله، محفوظة به تعالى. غير أن هناك معنىً رمزياً. طبيعياً مقترناً بهذه المخلوقات، التي من هذه الناحية تزيد على سواها. فالدرس الذي تلقيناه في الخطاب الأول كان يدور حول اهتمام العناية الإلهية، بينما درس الخطاب الثاني يدور حول سيطرته تعالى على المخلوقات التي تتحدى الإنسان بقوتها. وهي من هذه الطريق ترمز إلى الكبرياء والقوة التي لا تقاوم تتمثل فيها أقصى ذرى قوة المخلوق. أوَيستطيع أيوب أن يخضع ويتحكم في هذه المخلوقات؟ بل، ألا يجد نفسه أدبياً ضمن هذا الفريق؟ ألم يترفع على الله؟.
والخطاب مثل سابقه ينقسم إلى ما يلي:
(ع 6- 14) دعوة لأيوب لكي يحتل العرش.
(ع 15- 24) بهيموث – القوة التي لا تقاوم.
- عدد الزيارات: 14464