الإصحاح الحادي والثلاثون: إعلان زكاوته (زكيٌّ أنا)
ها قد وصلنا الآن إلى الجزء الختامي من مناجاة أيوب كان في الجزء الأول قد تناول غابر عظمته وصلاحه، وفي الثاني وازن بينهما وبين حالته الحاضرة التاعسة. وفي كلا الجزأين نجد غذاء الكبرياء، أما في إصحاحنا هذا الأخير من مناجاة أيوب فقد أوفى على القمة، حيث أكّد طهارته، وصلاحه وبره بأكمل أسلوب. على أن الإصحاح يخلو من المرارة التي اتسمت بها ردوده السابقة وهو يتخلص من اتهامات أصحابه، كما هو يخلو أيضاً من الصراخ عبثاً من الظلم الذي توقعه عليه يد الله. وفي سرعة ملحوظة، وبصورة كاملة، نراه يجري مسحاً شاملاً لحياته وخلقه. ويستخلص أو يختم مسحه بأنه يرحب بدعوى الإنسان وقضاء الله.
إننا لا نرتاب في صدق وإخلاص كل ما يقول، بيد أننا نتساءل- وبحق- هل خاتمته خاتمة سعيدة حتى لنفسه؟ لقد أغلق أفواه أصحابه، ويبدو أنه شخصياً قد اقتنع وشبع، ولنفرض أن الله سمح للأمور أن تجري كما سارت، فهل منظر إنسان يبرر نفسه على طول الطريق، منظر يسرّ الخاطر؟. إن الحق الإلهي، بل المحبة الإلهية، لن تدعه يشتبك في حشائش البر الذاتي هذه. فهي أقمصة من عند الله، الله الذي لم يعطه أيوب ذرة واحدة من المجد، وما عداها ليس سوى "ثوب عدة" من متعلقات التراب والرماد اللذين سيضع أيوب نفسه فيهما بعد قليل وبمعنى آخر، الله ليس في خاطر أيوب إلاّ فيما يتصل ببره الذاتي: أما عظمته، وصلاحه، وقداسته، كموضوعات للسجود والبهجة: فكلها أصبحت نسياً منسياً. وفي ختام الأقوال التي شاء أن ينطق بها، كان أيوب بعيداً عن الله كما كان منذ البداية، بل وأكثر بعداً. وإذا ما ذكرنا أن كل طرق الله مع الإنسان إنما غايتها أن تأتي به تعالى قريباً قريباً، حينئذ نكتشف غباء وخطية مسلك أيوب. فلا عجب أن يقتضي الحال أن يسمع أيوب أصواتاً أخرى، بموضوعات أخرى، قبل أن تصل "عاقبة الرب".
لكن هيا نحاول تحليل هذا الجزء من مناجاة أيوب ونستخلص لأنفسنا دروساً رشيدة من هذا السعي الباطل الذي بذله أفضل قومه. والدرس هو- بكل يقين- "كفوا عن الإنسان".
في (ص29) أفاض أيوب الكلام عن أعماله الصالحة، وهو يستعرض الآن بتفاصيل، الشر الذي لم يعمله: الدعارة (ع1-12)، الظلم (ع13-15)، الأنانية (ع15-23)، الوثنية (ع24-28). ويمكن للإنسان أن يمجّد ذاته بهذه الطريقة أو بتلك ناسياً أن الله وحده هو الذي يدفعنا لعمل الخير وهو الذي يحفظنا من عمل الشر، بقي إن كان يحق لأحد أن يستند على أعماله، فبالأولى كان لأيوب هذا الحق. وبولس يكتب نفس الشيء في الرسالة إلى الفيلبيين (ص3: 4) ولكنه يضيف القول "لكن ما كان لي ربحاً فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارةً". إن إمتيازاته الطبيعية كإسرائيلي صالح وبره الماضي كفريّسي ذي ضمير، قد حسبها كلها نفاية وبذلك فلا حاجة لله أن ينزع منه شيئاً كما في حالة أيوب، وبولس بالنعمة وضع جانباً كل ما كان خلاف المسيح نعني الأشياء الصالحة التي يظنها أيوب عن نفسه وعن أعماله الماضية.
وأخيراً في نهاية هذا العرض عن كل استحقاقاته، يضع أيوب توقيعه رسمياً ويتحدى الله أن يجيبه! (ع35).
الموضوعات الرئيسية للإصحاح تتجمع تحت سبعة رؤوس وهي:
(ع1-12) تأكيد العفة والاستقامة.
(ع13-23) إشفاق في البيت وفي الخارج.
(ع24-28) رفض كل صور الوثنية.
(ع29-32) الصداقة وكرم الضيافة.
(ع33-34) لا رياء ولا خشية الإنسان.
(ع35-37) تحدي للإنسان ولله.
(ع38-40) أرضه شاهدة له.
(ع1-12) تأكيد العفة والاستقامة.
نأتي الآن إلى إصحاح متميّز جداً عن كل من سابقيه ويمثّل استئناف "أيوب الأخير" لله، فهو يوجه الكلام هنا إلى الله أكثر من توجيهه إلى الأصحاب الثلاثة. فقد كان يضرب على وتر الماضي البهيج في إصحاح (29) ثم على وتر الحاضر التعيس في إصحاح (30) والآن يوجّه استئنافه الخطير لله على مسمع منهم جميعاً.
"عهداً قطعت لعيني فكيف أتطلع في عذراء؟ وما هي قسمة الله من فوق؟ ونصيب (أو ميراث) القدير من الأعالي؟" لا شيء على الإطلاق لرجل فاسد. "أليس البوار (أو الخراب) لعامل الشر؟ والنكر (أو المصيبة الثقيلة) لفاعلي الإثم؟ أليس هو ينظر طرقى؟"، لقد كان أيوب رجلاً مؤمناً باراً للغاية. "ويحصي جميع خطواتي؟ إن كنت قد سلكت مع الكذب أو أسرعت رجلي إلى الغش. ليزّني في ميزان الحق فيعرف الله كمالي"، كان له ضمير صالح جداً ولكن ذلك لا يكفي فهناك المبدأ العظيم الخاص بالخضوع المطلق لله وتبريره في كل طرقه وأعماله. وإنه محق وحكيم في كل شيء، ليس فقط فيما يفعل بل أيضاً فيما يسمع به، فالكل للخير، قد يبدو الأمر رديئاً جداً من ناحية الآخرين. كما كان الحال من ناحية أصحاب أيوب، ولكن الله كان له مقصد خير في هذا كله.
من الواضح أن أيوب كان رجلاً خالياً من العيب في سلوكه وحتى في حالة قلبه. ففي مطلع هذا الاحتجاج السباعي. الاحتجاج بالطهارة والاستقامة، يتناول أيوب جانباً من خلقه ومسلكه، لم يحاول حتى أصحابه أن يتحدوه بشأنه علناً. فإنه مهما تكن تلميحاتهم إلى الشر العام- الانحراف عن الله، قسوة المعاملة مع المعوزين وغيرهم فإنهم لم يلمسوا موضوع الطهارة الشخصية.
على أنه كان لا بدّ أن يتبرأ أيوب قدام الناس وقدام الله، فلا مفر من بحث هذا الشق من حياته. وإننا لنراه يقدم على مناقشته في جرأة الإحساس بالطهارة. فعيناه- مدخل القلب- قد أغلقتا عمداً وبكل إصرار: فقد قطع "عهداً" حتى ضد النظرة إلى ما قد يثير العاطفة. وسيدنا الكريم في موعظة الجبل قد بيّن أن الطهارة الجوهرية ينبغي أن تكمن في القلب وليس في مجرد الامتناع أو التعفف في المسلك الخارجي (متى 5: 27، 28). وفي طريق إثبات طهارته، يعلن أنه كان مسوقاً بخوف الله الذي لا بدّ أن يجازي الأشرار عن خطيتهم. "ومرة قال يوسف يوم هاجمته التجربة كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله". أما داود، ففي ساعة من الركود الروحي، فقد سمح لعينيه أن تجولا، ومن ثمّ سقط. وهكذا كان أيوب يحسّ بأن الله يرقب كل خطوة يخطوها، فطلب أن يمتحنه وأن يزنه في الميزان (ع5، 6).
ويبدو أنه يتكلم هنا عن الاستقامة والكمال بصفة عامة. وفي عددين تاليين، غير أنه يعود إلى الموضوع العام الذي بدأ به، ويتناول خطية الزنا ضد القريب (ع9-12). في كل ذلك كان زكياً طاهراً، يهون عليه أن يغتصب بيته إذا كان الأمر غير ما يؤكد. وهنا نجد لمحة عن حياته الأسرية التي تتعادل في القداسة مع حياة اسحق ويوسف وأقدس الآباء.
لكن ينبغي أن نلاحظ البر الذاتي الذي دفع أيوب للحديث هكذا عن نفسه. فقد كان يكسو نفسه بدلاً من أن يعطي المجد لله. من المؤكد أنه في صميمه كان رجلاً صحيح التقوى، غير أنه ليس من الفخر أن يعلن الإنسان مجده.
(ع13-23) إشفاق في البيت وفي الخارج.
هنا يتوسع فيما يتناوله من قبل- الأمر الذي ينكره عليه أصحابه- أي إحسانه وعطفه واستقامته. وإذ يبدأ بالبيت الذي لم يكن ترتيبه وتنسيقه سوى نتاج طهارة سيده، الطهارة الدفينة. فإنه يثبت أنه كان يتساوى في كل معاملاته مع عبيده، معترفاً بأن لهم وله الطبيعة الواحدة، والموقف الواحد قدام الله الذي لا يحابي الوجوه. ثم يتقدم إلى الفقراء المعوزين فيقول أن اليتيم والأرملة كانا يقاسمانه الطعام، وإنه كان يمنحنهما الدفء بما يعطيهما من ثياب. وخلاصة القول: كان أباً لليتامى و إبناً للأرملة، وهنا نجد أنفسنا أمام صورة واقعية "للديانة الطاهرة النقية".
وإذ يتحدث عن إحساناته يبيّن كيف إنه لم يستغّل أي حق شرعي مما يمكن أن يبرره إزاء أية معاملة قاسية مع المعوزين. فلما رأى "عونه في الباب". أي القضاة الذين على استعداد أن يؤيدوه، ليس كمن يرشوهم، بل تقديراً منهم لمطالبه العادلة. لم يرفع دعوى ضد اليتامى. وإذا كان قد هزّ، أو رفع، يده عليهم، يقول "لتسقط عضدي من كتفي" إزاء هذا جميعه لا يسعنا إلا أن نقول: هذا حق وجميل، ولكن لماذا يتكلم عنه؟ لماذا لم يترك مخافة الله تحفظه من هذه الأمور عوض الافتخار بها؟.
(ع24-28) رفض كل صور الوثنية.
"إن كنت قد جعلت الذهب عمدتي" هذا شرك كان يمكن أن يقع فيه "أو قلت للإبريز أنت متكلي. إن كنت قد فرحت إذ كثرت ثروتي". وما أكنز الذين يفعلون هذا. "ولأن يدي وجدت كثيراً...إلخ" فلم تكن ثروته موروثة مجرد ميراث. بل قد اصطنعها بجدّه واجتهاده وبركة الله الخاصة على عمل يديه. والآن هو يتطلع إلى شيء آخر مختلف كل الاختلاف عن النواحي السابقة فيقول "إن كنت قد نظرت إلى النور (الشمس) حين ضاء أو إلى القمر يسير بالبهاء" أي إن كنت قد نظرت إليهما نظرة تعبدية. وهي أول صورة من صور العبادة الوثنية. إننا لا نقرأ هنا عن آلهة نظير البعل أو عشتاروت أو أي غرض آخر من أغراض الوثنية الباطلة الدنسة التي ظهرت فيما بعد، وإنما عن عمل من أعمال الله الطبيعية في أسمى مظاهرها، ومع ذلك فلم يخشع لها أيوب بأية كيفية. "وغوى قلبي سراً ولثم يدي فمي" أي أقل مظهر من مظاهر الشكر والاعتراف التعبدي بالمخلوق- "فهذا أيضاً إثم يعرض للقضاة لأني أكون قد جحدت الله من فوق".
هذا صحيح ونحن في الواقع نجد هنا تعليماً سامياً للغاية وحقاً من الحقائق الإلهية الثمينة. بعد أن أعلن أيوب إحسانه، ينتقل طبيعياً للحديث عن الثروة ويستنكر محبة الذهب، وهي صفة مألوفة عند الإنسان: صفة "الطمع الذي هو عبادة الأوثان" فلما كثرت ثروته، لم يضع قلبه عليها: الذهب لم يخدعه ولما رفع عينيه إلى السماوات اللامعة لم يعط المجد للشمس خليقة الله، ولا للقمر "ملكة السماوات"، القمر الذي يسير بالبهاء أي في عظمة. كلا ولا طوّح نحوهن قبلة ساجدة، لأن معنى ذلك نكران الله وجحوده، هو يكون إذاً مرائياً، يستحق العقوبة.
(ع29-32) الصداقة وكرم الضيافة.
"إن كنت قد فرحت ببليّة مبغضي أو شمت حين أصابه سوء" هذا شرك كثيراً ما يقع فيه الناس فيفرحون عندما يقع خصومهم في مصيبة أو يشمتون عندما يكتنفهم بليّة "بل لم أدع حنكي يخطئ في طلب نفسه بلعنة إن كان أهل خيمتي لم يقولوا من يأتي بأحد لم يشبع من طعامه؟ غريب لم يبت في الخارج"!.
إن النقطة الحساسة عند أيوب هي عطفه على رفاقه. وهنا يعلن أنه كان باراً حتى بأعدائه. لم يفرح ببليتهم. كلا ولا أراد لهم سراً لعنة لحياتهم. وله في أهل بيته شهود في جانبه. فهل منهم من يقول أنه يعرف جائعاً لم يشبع من طعامه؟ غريب ترك ليبيت في الشارع إلى جوار بيته؟ أبوابه كانت مفتوحة لهم.
(ع33-34) لا رياء ولا خشية الإنسان.
"فتحت للمسافر أبوابي إن كنت قد كتمت كالناس (كآدم) ذنبي لإخفاء إثمي في حضني" نرى من هذا أن أيوب كان ملماً إلماماً تاماً بقصة سقوط آدم المليئة بالتعليم والفائدة، والعجيب أنه ينظر إليها كما ننظر إليها نحن الآن في ملء نور المسيح. فهنا كانت خطية آدم العظمى بدلاً من التذلل وإخضاع ذاته أمام الله والذهاب لملاقاة الله وإخباره كيف أهان نفسه وأوصلها إلى ذلك الوضع المزري المشين، نراه يختفي من وجه الله ويخبئ نفسه وراء الأشجار. والعجيب أن الملابس التي اصطنعها لتغطية عريه كانت هي أكبر دليل فضحت حاله وأظهرت أنه لم يعد بريئاً كما كان.
هنا يعلن أيوب صراحته التامة. فهو لم يكن ليرهب العظماء، ولم يكن ليضع شيئاً خلف أبواب مغلقة. مما كان لا يود إعلانه. لم يتصرف كما يفعل الناس عادةً، إذ يحجبون خطاياهم عن عيني الإنسان كما يقول "إن كنت قد كتمت كآدم ذنبي" يوم اختبأ من حضرة الله ليخفي عار ذنبه. نعم إن أيوب كان يسلك في النور، حيث استطاع أن يراه الجميع.
(ع35-37) تحدّي للإنسان ولله.
"من لي بمن يسمعني" هنا صيحة أيوب الأخيرة "هو ذا إمضائي ليجبني القدير" إن شوق أيوب أن يسمع صوت الله ويعرف رأيه في القضية "ومن لي بشكوى كتبها خصمي فكنت أحملها على كتفي" إيماناً منه بأنها شكوى باطلة، "كنت أعصبها تاجاً لي" كشيء يشرفه بدلاً مما يشينه. "كنت أخبره بعدد خطواتي وأدنو منه كشريف" والضمير هنا عائد على القدير أو على الخصم.
هو بهذا يصل القمة، فهو عف نظيف، عادل، يخشى الله، لطيف، مخلص. إذاً ما الذي يدعوه أن يخاف؟ ما الذي يخشاه؟ إنه يتحدى الكل: فليت له من يسمعه. إنه يصرخ "هو ذا إمضائي" وكأنه يقصد أن يقول: إنني أوقّع باسمي على قائمة فضائلي "ليجبني القدير من لي بشكوى كتبها خصمي" أو "ليبرز خصمي شكاواه كتابة".
نحن لا نصدق أنه في إمكان أحد أن يتحدى متهميه، إلا أن يكون إنساناً مخلصاً. فإذا كان الله خصمه فليكتب الشكاوى في كتاب! فإن أيوب على استعداد أن يحمل الكتاب على كتفه منتصراً، دليلاً على الكمال، أو كتاجٍ على هامته! كان يلهو به كأمير، شريف!
ولكن لننتظر قليلاً حتى نسمع هذا "الشريف" قائلاً "بسمع الأذن قد سمعت عنك والآن رأتك عيني". لقد كانت أفكار أيوب مختلطة، فهو لم يكن ليلتقي بالله كخاطئ بل كإنسان يُحسّ أن "الكلام الأصلي" أو "أصل الأمر" في قلبه. وغلطته أنه خلط بين هذا وبين تفاهته الشخصية وبذلك أفسد فكرة النعمة ذاتها. ومَن مِن بني آدم استطاع أن يقف أمام الله المثلث القداسة ويقول "زكيٌّ أنا"؟ "لن يتبرر قدامك حي".
(ع38-40) أرضه شاهدة له.
أما الخاتمة فتكاد تكون مروّضة لأن أيوب بعد أن اتجه إلى الله وإلى الإنسان، ينزل إلى الأرض الجامدة. فهو يتجه إلى أرضه لتشهد بما إذا كان قد استحوذ عليها بغير حق. أو استغل حصيلتها لنفسه وهي تخص غيره إذا كان قد استلب أملاك الآخرين (كما فعل آخاب مع كرم نابوت اليزرعيلي) فلتبك أتلامها شاكية متهمة، ولتنبت تربتها الخصبة شوكاً بدل حنطة، وزواناً عوض الشعير.
ويقول البعض أن أيوب يتجه إلى الأرض لتعلن هل عاملها بغير إشفاق ولذا فهي بحاجة إلى سبت راحة "حينئذ تستوفي الأرض سبوتها". لكن المعنى الأول أبسط، "تمت أقوال أيوب" قد دعا الأرض والإنسان، بل ودعا الله، لإعلان برّه. كان يتمنى أن تتحد هذه الأطراف في الإشادة بحمده. وكم يختلف هذا عن الوقت السعيد حين تنطق الطبيعة كلها بتسابيح الرب الملك "ليجذل الحقل وكل ما فيه لتترنم حينئذ كل أشجار الوعر أمام الرب لأنه جاء، جاء ليدين الأرض" (مزمور 96: 12، 13). ألا فلنتحول عن مديح أيوب لذاته ولنقدم السجود "للذي أحبنا وقد غسلّنا من خطايانا بدمه وجعلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه. له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين. آمين" (رؤيا 1: 5، 6).
نعم لقد "تمت أقوال أيوب" والحق إنها كانت أقوالاً هائلة وعجيبة، وما كان ممكناً لأحد أن يأتي بأحسن منها في تبرير ذاته، ولكنها كانت تنم عن خطأ كبير في إدراك سر معاملات الله مع أيوب. ولذلك يظهر في الميدان متحدث آخر. متحدث جديد لم نسمع به من قبل، وهو أمر عجيب ولكنه يعطينا صورة حلوة للعادات والتقاليد البدائية القديمة. فقد كان أليهو شاباً ولذلك فإن سكوته وعدم الإشارة إليه يتفق تماماً وروح التقاليد والعادات القديمة، وهو يبين أنه يدرك ذلك تماماً ويتقبّله كشيء طبيعي لا يشكو منه إطلاقاً. ومع ذلك فإن أليهو كان رجلاً قدّمه الله ليهدم التفاخر بالشيخوخة والاختبار، والملاحظة والتقليد. فهذه الثلاثة.. الاختبار، الملاحظة، التقليد. كانت النواحي التي تمسّك بها الأصحاب الثلاثة على التوالي. فقد كانوا رجالاً متقدمين في الأيام، وكانوا مغترّين فخورين بمراكزهم. كان أليفاز كما نعلم رجلاً يهتم كل الاهتمام بأحكام ومشاعر الرأي العام. الرأي العام بين الناس الأتقياء بلا شك- ولكنه في النهاية لا يخرج عن كونه رأياً بشرياً. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن طرق الله العجيبة وسياسته الثابتة التي لا تتغير إن خبرة الماضي وتقاليده لا يمكن أن تواجه ظروف الحاضر. فقد تحدث نفس الأحداث وتقع ذات الوقائع ولكن اختلاف الزمن والظروف يجعلها مختلفة كل الاختلاف من حيث أثرها وعلاجها وكل ذلك يجب أن يؤخذ في الاعتبار.
فمن هو كفؤ إذاً لهذه الأمور كلها؟ إن كفايتنا هي من الله، وهناك الحاجة القصوى للاعتماد والاتكال الكلي عليه باستمرار فنحن لا نستطيع أن نكوّم الحكمة ونختزنها من التقاليد والاختبارات الماضية لنستعملها في الأمور الإلهية. هذا صحيح وواجب في ميدان العلوم والمعرفة والآداب أو أي شيء آخر من هذا النوع، ولكن لا قيمة له إطلاقاً في الأمور الإلهية. أما صوفر فيبدو أنه كان يثق في نفسه أكثر من ثقته في أي شخص آخر، بينما بلدد كان وسطاً بين الاثنين إذ كان رجلاً يمتاز بقوة الملاحظة والقدرة على التعبير ولكنه مهما كان الأمر فقد فشل ثلاثتهم.
إن أقوال أيوب ستصل إلى نهايتها الصحيحة حينما يكون على استعداد أن يقدم الحمد لذاك الجدير وحده بالحمد. ويسّرنا أننا سرنا معاً، مع أقوال أيوب كما نراها مكتوبة هنا. والآن يبرز في المشهد أليهو.
معاني الكلمات الصعبة
للإصحاح الحادي والثلاثين
ص ع الكلمة معناها
31: 18 ندباء النديب- الشريف الذي يتحلّى بالفضائل.
31: 22 عضد غليظ الذراع بين المرفق والكتف.
31: 22 قصبة كل عظمة ذي مخ.
31: 24 إبريز الذهب الخالص الصافي.
31: 27 غوى ضلّ.
31: 27 لثم قبّل: لثم اليد بالفم بعد النظر إلى الشمس أو القمر كان سجوداً وعبادة.
ولثم اليد كمظهر من مظاهر العبادة للشمس. في المستقبل عندما يملك
المسيح على الأرض سيؤمر الملوك أن يقبّلوا الابن ويسجدوا له لئلا
يغضب فيبيدوا (مزمور 2: 12).
31: 34 غفيراً كثيراً.
31: 35 إمضائي علامة في نهاية الكتاب تثبيتاً له.
31: 38 أتلام قطعة أرض محروثة.
31: 40 زوان نبات يخالط نبات الحنطة وبذاره مؤذية.
- عدد الزيارات: 17167