Skip to main content

الأصحاح التاسع

هذا القسم من سفر الأمثال؟ يختم بمفارقة أو مباينة ختامية بين الحكمة والجهالة أي الحماقة؟ مع استعمال نفس تشبيه الأصحاح الثامن. فإن الحكمة مشبَّهة هنا بامرأة فطنة حكيمة تدعو العابرين ليدخلوا بيتها؟ حيث توزع المعرفة الصحيحة على جميع طالبيها الساعين إليها بإخلاص. والجهالة أو الحماقة تغار منها فتأخذ موقفاً شبيهاً بموقف الحكمة؟ فتحفز الجميع بأن يتحولوا إليها مقدمة «تمتعاً وقتيا بالخطية» للذين يستسلمون لتوسلاتها.

1. الحكمة بنت بيتها. نحتت أعمدتها السبعة. 2. ذبحت ذبحها مزجت خمرها أيضاً رتبت مائدتها.

استعداد وافر لتعليم وبركة جميع الذين يَقبَلون الدعوة. وهيكل الحكمة المفتوح الأبواب هو كلمة الله في مجموعها؟ وسفر الأمثال بوجه خاص. وهنا نجد كل ما يلزم الإنسان لإرشاده خلال ارتباكات هذه الحياة على الأرض. نعم فهي مائدة مكتملة؟ طالما أُطعِم منها الملايين ولم تفرغ بعد؟ تلك التي يبسطها الوحي أمام جميع الذين يرغبون في القوت الروحي والفرح.

والحكمة لا تنتظر الناس لكي يسعوا إليها.

3. أرسلت جواريها تنادي على ظهور أعالي المدينة. 4. من هو جاهل فليمِل إلى هنا. والناقص الفهم قالت له. 5. هلموا كلوا من طعامي واشربوا من الخمر التي مزجتها. 6. اتركوا الجهالات فتحيوا وسيروا في طريق الفهم.

في تدبير النعمة الحاضر يطلب الله إلى الناس بواسطة سفرائه أن يتصالحوا معه؟ فهو لا ينتظرهم حتى يبدأوا توسلاتهم؟ بل يتنازل هو ويطلب إليهم أن يرجعوا عن خطيتهم إلى ابنه المحبوب. هكذا هنا؟ نجد جواري الحكمة يذهبن إلى كل مكان؟ ليتوسلن إلى الجهال والناقصين في الفهم أن يتحولوا ويأخذوا حصتهم من طعامها الذي يقوي ويشدد؟ ومن خمرها التي تفرح. وطوبى لكل من يطيع الدعوة الكريمة ويترك طرق الجهالة وهكذا يضع يده على الحياة الحقة.

والشخص الجادّ المميز هو الذي يلبّي نداء الحكمة؟ أما الساخر المستهزئ فباطلة توسلاتها إليه. وإذ هو فارغ؟ متعجرف؟ راضٍ عن ذاته؟ فإنه يواصل طريقه إلى الدينونة التي طالما كان يخشاها ولابد أن تقع في آخر المطاف؟ فتحطمه تحت وطأتها إلى الأبد.

7. من يوبخ مستهزئا يكسب لنفسه هواناً ومن ينذر شريراً يكسب عيباً. 8  لا توبخ مستهزئاً لئلا يبغضك ؟. وبخ حكيماً فيحبك. 9 أعطِ حكيماً فيكون أوفر حكمة. علّم صدّيقاً فيزداد علماً.

هكذا الحال أبداً. فكلما كان الإنسان فارغاً خاوياً؟ بهذا القدر عينه تقل رغبته في الاستماع للنصيحة التَقَوِية الحكيمة؟ بينما نرى أن الحكماء يفرحون أن يتعلموا ممن لهم القدرة على التقويم والتعليم. وكلما قلّت معلومات ومدارك إنسان؟ بهذا القدر ذاته يظن أنه يعرف؟ وهذه قاعدة عامة. ولكن بقدر ما يزداد ما يعرفه يزداد تقديره لجهله. من هنا تبدو قيمة النصيحة والمعونة لدى الأشخاص الذين يسعون للسير مع الله وللتدرب بكلمته. لكن التوبيخ يضيع هباء مع المستهزئ الساخر. فإنه يجد لذة في السخرية ممن تدفعهم أنقى البواعث لمحاولة إبعاده عن طرق الجهالة.

يبدو أن هذه الأعداد الثلاثة هي بمثابة جملة اعتراضية؟ توضح السبب في مقابلة دعوة جواري الحكمة بهذين النوعين المتناقضين من التجاوب.

وفي الثلاثة أعداد التالية استطراد لنداء الحكمة بفم جواريها.

10. بدء الحكمة مخافة الرب ومعرفة القدوس فهم. 11. لأنه بي تكثر أيامك وتزداد لك سنو حياة. 12. إن كنت حكيماً فأنت حكيم لنفسك وإن استهزأت فأنت وحدك تتحمل.

مهما يتشدق المستهزئ برقي معارفه لأنه تحرر من القيود التقوية؟ فإن الحكمة الحقة إنما تكمن في مخافة الرب؟ والفهم الصحيح إنما هو في معرفة أمور الله المقدسة ( ولاحظ أن الكلمة هي في الأصل بصيغة الجمع) هذا وحده يؤدي إلى الحياة الصحيحة. وبعيداً عن معرفة الله لا تكون للإنسان حياة؟ بل مجرد وجود على الأرض في الموت الروحي؟ وبعده الموت الأبدي.

على أن الناس لا يداينون الله حينما يستمعون إلى نداء الحكمة؟ كما لو كان ذلك تفضلاً منهم؟ فإنهم إذا كانوا حكماء فلفائدتهم وليس لفائدة تعود على الله. إنما هو تبارك اسمه يريد لهم السعادة والبركة. صحيح أنه يجد فرحة في بهجة وهناء أولاده؟ وهذه هي محبة قلبه؟ غير أنه لصالح الإنسان ذاته أن يصغي إلى نداء الحكمة.

ولن يخسر الله شيئاً إن استمرأ المستهزئ عناده واستمر في جهله وغباوته؟ فهو وحده الذي يتحمل. إن جهله وحماقته سوف يُستعلنان لنفسه وللآخرين؟ سواء في الحياة الحاضرة أو المستقبلة.

والأعداد التالية ترسم مفارقة غير سعيدة للجزء الذي كنا نتأمل فيه. فالحماقة بدورها لها هيكلها؟ وكثيرون - للأسف - هم من المتعبدين لها.

13. المرأة الجاهلة صخّابة حمقاء لا تدري شيئاً. 14. فتقعد عند باب بيتها على كرسي في أعالي المدينة. 15. لتنادي عابري السبيل المقومين طرقهم. 16. من هو جاهل فليمل إلى هنا. والناقص الفهم تقول له. 17. المياه المسروقة حلوة وخبز الخفية لذيذ. 18. ولا يعلم أن الأخيلة هناك وأن في أعماق الهاوية ضيوفها.

إن الناس بكل أسف على استعداد؟ بهذه الصورة؟ للاستماع إلى الحماقة؟ بحيث أنها ليست بحاجة إلى جواري تبعث بهن للتجوال لدعوة الناس إلى دخول بيتها. يمثلها صاحب الأمثال جالسة عند المدخل تحاول التغرير بأولئك الذين يسيرون باستقامة في طريقهم لكي يتحولوا إلى مسكن خطيتها وعارها. وما أكثر الضيوف الذين يدخلون إليها؟ وقليلون بكل أسف هم الذين يتراجعون؟ لأن بيتها ليس إلا مدخلاً للهاوية. «الأخيلة (أي الموتى) هناك وفي أعماق الجحيم ضيوفها». إن الملذات المحرمة تفتن إلى حين وتقتنص الحمقى. ولكن العاقبة هي العلقم والأفسنتين عندما تضطر النفس المنـزعجة؟ وقد انحنت في مرارة لا تفرغ منها إلى الأبد؟ للاعتراف في آخر المطاف بمبلغ الرعب الذي تنطوي عليه غلطة التحول عن نداء الحكمة للسعي وراء أضاليل الحماقة. كتب واحد من أشهر شعراء الانجليزية (بايرون) قبل موته؟ وكان من الذين جربوا السير وراء أضاليل الحماقة حتى آخرها؟ كتب يقول: "أيامي ورقة صفراء؟ لقد مضت زهرة الحياة وثمرتها؟ وليس لي الآن سوى الدود والسوس والحزن".

  • عدد الزيارات: 4066