الأصحاح الثامن
يا لها من راحة للنفس أن تتحول من التأمل في الحماقة والخطية اللتين يحذر الأصحاح السابق الشاب منهما؟ وتتأمل الآن في طرق الحكمة. وبخاصة حينما تميز العين الممسوحة؟ تحت اسم الحكمة؟ شخص الكلمة القدير؟ ربنا يسوع المسيح؟ حكمة الله! ومع أن لفظ الحكمة يستعمل في معظم الأصحاح بأسلوب المؤنث؟ ولكن واضح في ختام الأصحاح أن شخص الرب هو الذي أمامنا.
والحكمة تطالعنا بادئ ذي بدء كشخصية متحدثة؟ تسعى لأن تجتذب الجاهل من سبل الضلال والخطأ؟ إلى هيكل المعرفة والفهم.
1. ألعل الحكمة لا تنادي والفهم ألا يعطي صوته؟ 2. عند رؤوس الشواهق عند الطريق بين المسالك تقف 3. بجانب الأبواب عند ثغر المدينة عند مدخل الأبواب تصَّرح.
الحكمة لا تنتظر حتى يسعى الناس إليها؟ ولكنها بقلب ملؤه الحنان تأخذ لها مكان في أسواق التجارة؟ وفي طرق المتعة؟ وفي دور القضاء؟ وفي معاهد التعليم؟ في أي مكان؟ وفي كل مكان؟ حيث يوجد الناس؟ هناك هي؟ وهناك يدوّي صوتها ويطغى على ضوضاء الحياة (انظر ص 20:1-23).
4. لكم أيها الناس أنادي وصوتي إلى بني آدم 5. أيها الحمقى تعلموا ذكاء ويا جهال تعلموا فهماً 6. اسمعوا فإني أتكلم بأمور شريفة وافتتاح شفتيّ استقامة 7. لأن حنكي يلهج بالصدق ومكرهة شفتيّ الكذب.
كما أن الحكمة المتجسدة لا نراها إلا في ربنا يسوع المسيح؟ الكلمة الحي؟ كذلك إرشادات الحكمة إنما نجدها في الكلمة المكتوبة. أجل؟ وعن طريق ذلك الكتاب الكريم الذي كتبه «أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس» (2بط 21:1)؟ نجد الحكمة الوحيدة الحقة؟ الحكمة الخالدة والمعرفة الباقية. إنه يسجل "أموراً مستقيمة" و"حقاً"؟ وحتى عندما يقصد أن يعرض ويحدد خطايا الرجال والنساء في كل شناعتها وأخطارها؟ فإنه يفعل ذلك لكي نتعظ بها.
الإنسان قد يكابر ويغالط؟ والإلحاد قد يسخر ويتهكم؟ والعلم الكاذب الاسم قد يأتي ويتنكر؟ غير أن ذاك الذي لا يمكن أن يكذب؟ أعلن قائلا «لا يُنقض المكتوب». هناك فقط يمكن أن نجد الحكمة التامة. ولا يوجد أشقى من الإنسان الذي يتحول عن المكتوب إلى أوهام العقل البشري!
8. كل كلمات فمي بالحق. ليس فيها عوج ولا التواء. 9. كلها واضحة لدى الفهيم ومستقيمة لدى الذين يجدون المعرفة.
هذا هو جواب الإيمان للمكابر الذي يهذي بمتناقضات وأخطاء يزعم أنها موجودة في الكلمة الموحى بها من الله. لكن الاتضاع هو وحده الذي يوحي للنفس بأن الخطأ إنما يكمن في القارئ لا في الكلمة. بيد أن بُطل الإنسان وكبرياءه لا يحتملان هذا الاستنتاج. إلا أنه سرعان ما تثبت صحة كلمة الله؟ فإنه «لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل». نعم؟ وسرعان ما تتبدد المشكلات حينما يعمل الإيمان؟ فالاعتراضات التي تبدو وكأنه لا مفر منها تنهار سريعاً في لحيظة عندما يشرق النور السماوي في النفس على صفحات الكتاب. لقد فتح ربنا يسوع؟ في يوم القيامة؟ كلا الاثنين؟ الكتب وذهن تلميذي عمواس وهذه الاستنارة المزدوجة هي التي تبدد المشكلات مع إشراق أشعة الشمس. «كلها واضحة لدى الفهيم» لأن «سر الرب لخائفيه». (مز14:25).
10. خذوا تأديبي لا الفضة. والمعرفة أكثر من الذهب المختار 11. لأن الحكمة خير من اللآلئ وكل الجواهر لا تساويها.
في الكتب المقدسة وحدها؟ تلك التي في أيامنا يهاجمها بلا رحمة أنانيون متشامخون ولاهوتيون غير روحيين؟ نجد هذه الجواهر التي لا يمكن مقارنة أفضل كتابات أفضل البشر بها؟ لأننا في الكتب المقدسة نتحول عن كل مناقشات العقل البشري إلى ذات أنفاس الله. وفي أيوب 12:28-28 نقرأ ما وصل إليه واحد من الآباء نتيجة لبحثه عن الحكمة؟ إذ قرر أن كل المعادن النفيسة وجواهر الأرض لا تقاس بها؟ وأن «تحصيل أو ثمن الحكمة خير من اللآلئ»؟ وأن الإنسان يجدها عندما يتحول عن كل ما على الأرض؟ إلى الله نفسه (راجع ص 10:2؟14:3).
12. أنا الحكمة أسكن الذكاء وأجد معرفة التدابير.
نحن ننظر إلى الحكمة هنا؟ وفي الأعداد التالية؟ كما قلنا من قبل؟ كأقنوم في اللاهوت؟ كذاك الذي أُعلن الآن كحكمة الله؟ الابن الأزلي.
13. مخافة الرب بغض الشر. الكبرياء والتعظم وطريق الشر وفم الأكاذيب أبغضت.
على هذه الصورة تتجلى الحكمة. وهذه السجايا هي التي بدت كاملة في المسيح؟ والذي هو النور وليس فيه ظلمة البتة يمقت الشر والكبرياء والحماقة.
14. لي المشورة والرأي. أنا الفهم. لي القدرة. 15. بي تملك الملوك وتقضي العظماء عدلاً. 16. بي تترأس الرؤساء والشرفاء. كل قضاة الأرض.
ليس المقصود أن الحكام يعملون أبداً بحسب الفهم؟ بل أنه لا يحكم أو يتسلط أحد دون تعيين من الحكمة الإلهية. «العلي متسلط في مملكة الناس وإنه يعطيها من يشاء» (دا32:4).
وهذا من شأنه أن يمنح رجل الإيمان راحة في وسط مشاهد الأرض السياسية المتقلبة. ليكن شكل الحكم ما يكون؟ ولتكن أخلاق القضاة والحاكمين ما تكون؟ إنما الإيمان ينحني طائعاً معترفاً بأن «السلاطين (أوالسلطات) الكائنة هي مرتبة من الله».
17. أنا أحب الذين يحبونني والذين يبكرون إليَّ يجدونني.
إن الحكمة التي نسعى إليها في بكور الشباب - كما فعل سليمان - يسرها أن تجزي الساعين هكذا إليها. ومن المهم أن نضع في بالنا أن الحكمة - وليس الله كإله - هي التي يشار إليها هنا. لأنه تعالى يجازي الذين يطلبونه (باجتهاد). ولكن من الخطأ أن نقيد محبته؟ له المجد؟ ونحصرها في أولئك الذين يبادلونه المحبة. إنما المقصود هنا هو المحبة المجتهدة من جانب الذين يحبون الحكمة فالذي يحبها تمنحه الكنوز التي يصفها العددان التاليان.
18. عندي الغنى والكرامة. قنية فاخرة وحظ 19. ثمري خير من الذهب الإبريز وغلتي خير من الفضة المختارة.
كريمة بما لا يقاس؟ وتجل عن كل وصف وتقويم بشري؟ تلك الهبات التي تضفيها الحكمة بيد سخية؟ على الساعي إليها باجتهاد؟ الذي تعلم أن يحبها لذاتها. وبعيداً عنها تضل الأرجل في سبل الحماقة. إنها تقدر أن تقول:
20. في طريق العدل أتمشى في وسط سبل الحق. 21. فأورث محبى رزقاً وأملأ خزائنهم.
من هنا فصاعداً تتحول العين الممسوحة عن كل مشهد آخر؟ لتستقر على المسيح؟ لأنه هو الذي يعرضه الروح القدس أمامنا لكي تتأمله نفوسنا. المسيح الكلمة؟ الغير المخلوق؟ ابن الآب؟ الذي كان في البدء عند الله؟ المساوي للآب في طبيعته وجوهره؟ الذي لم تكن هناك في الأزلية فترة أو لحظة لم يكن فيها الابن في حضن الآب. على أن تفسيرهذا السر محال علينا؟ كما يقرر الرسول يوحنا نفسه.
نعم؟ «وليس أحد يعرف الابن إلا الآب». ومن هنا يجد القلب المكرس التقي راحة؟ ومن هنا يبدي تعبده وسجوده؟ في الوقت الذي يسعى فيه الملحد المتشكك وراء تعليلات عقلية لسر يفوق العقل البشري.
22. الرب قناني أول طريقه من قبل أعماله منذ القِدم 23. منذ الأزل مُسحت منذ البدء منذ أوائل الأرض.
يحملنا الروح هنا إلى ما قبل بدء التكوين (تك1:1)؟ إلى «البدء» الذي لا بداءة له (يو1:1). هناك في الأزل السحيق «كان الكلمة». والمشهد الذي يرسمه هذان العددان؟ هو مشهد شركة. يهوه اقتناه «والكلمة كان عند الله؟ وكان الكلمة الله»؟ والحكمة موضوع بهجة يهوه منذ الأزل.
24. إذ لم يكن غمر أُبدئت إذ لم تكن ينابيع كثيرة المياه. 25. من قبل أن تقررت الجبال قبل التلال أُبدئت. 26. إذ لم يكن قد صنع الأرض بعد ولا البراري ولا أول أعفار المسكونة. 27. لما ثبّت السماوات كنت هناك أنا. لما رسم دائرة على وجه الغمر. 28. لما أثبت السحب من فوق لما تشددت ينابيع الغمر. 29. لما وضع للبحر حده فلا تتعدى المياه تخمه لما رسم أسس الأرض 30. كنت عنده صانعاً وكنت كل يوم لذته فرحة دائماً قدامه 31 فرحة في مسكونة أرضه؟ ولذاتي مع بني آدم.
تنسب الخليقة في كلمة الله إلى الابن «بغيره لم يكن شيء مما كان». «الكل به وله قد خلق وفيه يقوم الكل» هو «بكر كل خليقة»؟ بمعنى أنه أسمى من الكل؟ إذ به استطاع الآب أن يوجد الكل. كل يوم كان لذته. لقد أسهم في ابداع الخليقة «صانعاً»؟ وكان أبداً فرحاً قدامه. ولكن؟ ويا لها نعمة مذهلة؟ لذاته في بني آدم الساقطين. إن حب قلبه كان موضوعاً على أولئك الذين لم يكونوا جديرين به. وهو؟ له المجد؟ لا يتحدث هنا عن آدم قبل السقوط؟ بل عن بنيه الخطاة الهالكين المذنبين.
32. فالآن أيها البنون اسمعوا لي. فطوبى للذين يحفظون طرقي 33. اسمعوا التعليم وكونوا حكماء ولا ترفضوه.
هذه الطلبة مؤسَّسة على إعلان محبة الحكمة لبني آدم ولذتها فيهم. ورفض التعليم واحتقار طرق الفهم؟ معناه امتهان العواطف الإلهية؟ وتقسية القلب ضد نعمته الغنية.
34. طوبى للإنسان الذي يسمع لي ساهراً كل يوم عند مصاريعي حافظاً قوائم أبوابي 35. لأنه من يجدني يجد الحياة وينال رضى من الرب 36 ومن يخطئ عني يضر نفسه. كل مبغضىَّ يحبون الموت.
ما أقوى هذه التحريضات المقدمة هنا بقصد الانتباه إلى صوت الحكمة؟ فإن البركة والحياة؟ ورضى الرب؟ كلها نصيب الذين ينتبهون لصوتها. أما الشخص الذي يرفض أن يصغي لها؟ فإنه يخطئ ضد نفسه؟ إذ يختم على هلاكه الأبدي.
- عدد الزيارات: 3751