الفصل السادس - سدوا أفواه أسود - كبرياء الإنسان
كبرياء الإنسان
"فقال هؤلاء الرجال لا نجد على دانيال هذا علة إلا أن نجدها من جهة شريعة إلهه. حينئذ اجتمع هؤلاء الوزراء والمرازبة عند الملك وقالوا له هكذا. أيها الملك داريوس عش إلى الأبد. إن جميع وزراء المملكة والشحن والمرازبة والمشيرين والولاة قد تشاوروا على أن يضعوا أمراً ملكياً ويشددوا نهياً بأن كل من يطلب طلبة حتى ثلاثين يوماً من إله أو إنسان إلا منك أيها الملك يطرح في جب الأسود. فثبّت الآن النهي أيها الملك وأمضي الكتابة لكي لا تتغير كشريعة مادي وفارس التي لا تنسخ. لأجل ذلك أمضى لملك داريوس الكتابة والنهي" (دانيال 6: 5 - 9)
يقيناً أن هؤلاء الوزراء أكلهم الحسد أكلاً حتى باتوا وأصبحوا لا يفكرون ولا يدبرون إلا الأذى لدانيال، وبدلاً من أن يقضوا وقتهم في خدمة الملك والدولة وهذا هو واجبهم الأول، قضوا وقتهم في التآمر ضد دانيال.
وقد عرف هؤلاء الوزراء والرؤساء بما لا يدع الشك مجالاً أمانة دانيال لشريعة إلهه.. وتيقنوا أنه لن يصلي لإله غير إلهه، ولن يعطي ولاء قلبه لأحد سواه.
وهنا وجدوا الثغرة التي منها يمكن القضاء على دانيال، فاجتمعوا عند الملك ولجأوا إلى الضرب على وتر كبريائه، وطلبوا منه أن يجعل من نفسه إلهاً يُعبَد لمدة ثلاثين يوماً. ولم يفطن الملك إلى المؤامرة الكبرى.
وخدعته كبرياء قلبه.
"لأجل لك أمضى الملك داريوس الكتابة والنهي" (دانيال 6: 9) أمضى الكتابة والنهي وهو لا يعرف فداحة ما عمله.
هل يقدر أن يسمع لمدة ثلاثين يوماً أنين المظلومين، وصراخ المتألمين، وطلبات المصلين؟
هل يقدر أن يستجيب طلبة كل من يطلب منه طلبة، فيعزي الحزين، ويشفي المريض، ويجبر كسر القلوب، ويشبع حاجات النفوس؟
وهل هو موجود في كل مكان يمكن أن يسمع طلبات الطالبين؟
غبي هذا الملك!!
مغرور هذا الملك!!
لأن الإله المطلق الوجود هو الله الحي لا سواه، ولا شريك له، هو وحده الذي قيل عنه "يا سامع الصلاة إليك يأتي كل بشر" (مزمور 65: 2)
لكن الوزراء والرؤساء خاطبوا ناحية الضعف فيه.. خاطبوا كبرياء قلبه.. وانخدع الملك ووقع الأمر فأصبح كشريعة مادي وفارس التي لا تنسخ. وكلمة "نسخ" معناها تزال أو تبطل.
لقد أصبح أمر الملك ثابتاً لا يمكن إبطاله أو إزالته.
- عدد الزيارات: 25623